آخر الأخبار

"لا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي".. ذكرى خطاب عرفات التاريخي الذي أرسي حق تقرير المصير أمام الأمم المتحدة

شارك

كان الخطاب تاريخيا بكل المقاييس؛ فقد حول عرفات النقاش من مجرد "مساعدات إنسانية وإغاثة لاجئين" إلى قضية سياسية محورها "الحقوق الوطنية غير القابلة للتصرف".

يقف العالم اليوم عند ذكرى واحدة من أهم المحطات في تاريخ القضية الفلسطينية. فقبل واحد وخمسين عاما، وتحديدا في 13 تشرين الثاني /نوفمبر 1974، وقف رئيس منظمة التحرير الفلسطينية الراحل، ياسر عرفات، لأول مرة على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة.

لم يكن ذلك مجرد خطاب، بل كان إعلانا رسميا بأن القضية الفلسطينية ليست مشكلة لاجئين، بل قضية شعب يطالب بحقه في تقرير المصير والاستقلال الوطني.

في ذلك اليوم، ألقى عرفات خطابه الشهير الذي اختتمه بعبارته الأيقونية: "جئتكم حاملا غصن الزيتون بيد، وبندقية الثائر باليد الأخرى.. فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي".

بعد مرور أكثر من نصف قرن، وفي ظل التطورات المتسارعة والمأساوية التي تعيشها المنطقة اليوم، يبدو هذا الخطاب وكأنه يلقى من جديد، حاملا ذات الأسئلة وذات المطالب.

لقد جاءت خطوة صعود عرفات إلى المنبر الأممي نتيجة مباشرة لتحولات سياسية عميقة أعقبت حرب أكتوبر 1973.

فقبل الخطاب بأسابيع قليلة، وتحديدا في القمة العربية بالرباط في أكتوبر 1974، حصلت منظمة التحرير الفلسطينية على اعتراف عربي جامع بأنها "الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني".

هذا الغطاء العربي فتح الباب أمام المجتمع الدولي. استجابت الأمم المتحدة بإصدار القرار 3210، الذي دعا منظمة التحرير للمشاركة في مناقشات "قضية فلسطين".

كانت تلك هي المرة الأولى التي يتم فيها توجيه الدعوة لقائد لحركة تحرير وطني لإلقاء كلمة أمام الجمعية العامة.

لم يكن رجلا يطلب الصدقة، بل قائدا يطالب بالاستقلال.

النتيجة المباشرة لهذا الخطاب كانت صدور قرار الأمم المتحدة رقم 3236 بعد أيام قليلة، والذي اعترف لأول مرة بحقوق الشعب الفلسطيني الثابتة، وعلى رأسها الحق في تقرير المصير، والحق في السيادة والاستقلال الوطني، وحق العودة.

شكل خطاب 1974 بداية شرعنة دولية للنضال الفلسطيني. وفي السنوات التي تلت، مرت القضية بمنعطفات حادة.

فبعد الانتفاضة الأولى عام 1987، التي أعادت وضع القضية على الخريطة العالمية، جاء الإعلان الأهم في المجلس الوطني الفلسطيني بالجزائر عام 1988.

هناك، أعلنت منظمة التحرير قبولها بالقرار 242، وبالتالي القبول ضمنيا بـ "حل الدولتين" وبوجود إسرائيل على 78% من أرض فلسطين التاريخية.

هذا التنازل، الذي كان يعتبر "مؤلما" ولكنه "واقعي"، فتح الباب أمام "اتفاقيات السلام".

وصل المسار إلى ذروته في "اتفاق أوسلو" عام 1993. وقف ياسر عرفات في حديقة البيت الأبيض ليصافح رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي إسحاق رابين، بعد اعتراف متبادل بين المنظمة وإسرائيل.

نص الاتفاق على إنشاء "سلطة فلسطينية" بحكم ذاتي محدود في أجزاء من الضفة الغربية وقطاع غزة، كمرحلة انتقالية لمدة خمس سنوات، تنتهي بمفاوضات وضع نهائي.

لم تسر الأمور كما كان مخططا لها. فشلت مفاوضات "كامب ديفيد 2" عام 2000 في الوصول إلى حل نهائي.

وبعدها بأشهر، اندلعت الانتفاضة الثانية. وفي عام 2004، رحل ياسر عرفات شهيدا، وهو محاصر في مقره برام الله.

شهدت السنوات التي تلت أحداثا جسيمة: الانسحاب الإسرائيلي من غزة عام 2005، ثم الانقسام الداخلي الفلسطيني عام 2007، وسيطرة حركة حماس على القطاع، وتكريس الحصار الإسرائيلي.

يبدو المشهد أكثر قتامة. تجمدت عملية السلام بشكل كامل. توسع الاستيطان في الضفة الغربية والقدس المحتلة بشكل غير مسبوق، وهو ما يقضي عمليا على فرصة "حل الدولتين" الذي كان أساس "أوسلو".

كما أدت "اتفاقيات إبراهام" إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول عربية دون ربط ذلك بإنهاء الاحتلال.

وتأتي هذه الذكرى في وقت تشهد فيه المنطقة، خصوصا في قطاع غزة والضفة الغربية، واحدة من أعنف جولات الصراع وأكثرها تدميرا في التاريخ الحديث.

بعد 51 عاما، لا يزال "غصن الزيتون" الذي رفعه عرفات في يده هشا ويكافح للبقاء.

فالشعب الفلسطيني الذي نال الاعتراف بحقه في تقرير مصيره عام 1974، لا يزال حتى اليوم، في ذات المكان، يطالب بترجمة هذا الحق إلى واقع ملموس على الأرض.

جئتكم حاملا غصن الزيتون بيد، وبندقية الثائر باليد الأخرى.. فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي.
القدس المصدر: القدس
شارك

الأكثر تداولا أمريكا اسرائيل مصر حماس

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا