د. عبد المجيد سويلم: ربط تقسيم القطاع وأي تفاهمات تتعلق بالمسلحين المحاصرين في الأنفاق أو ترتيبات أمنية مع "حماس" طرح غير دقيق
ماجد هديب: أزمة المقاتلين العالقين في أنفاق رفح تشكل محاكاة استباقية لقياس نجاح تفكيك البنية العسكرية لـ"حماس" ونزع أسلحتها
محمد أبو علان دراغمة: النقاش سوف يركز على تفكيك الأسلحة الهجومية لدى حركة "حماس" وليست الدفاعية وهو ما يجد ميلاً لدى الوسطاء
د. سعد نمر: أمريكا معنية بحل قضية المقاتلين المحاصرين سريعاً والتسوية المرجحة تتمثل في عودتهم إلى مناطق سيطرة "حماس" غرب القطاع
محمد جودة: ملف أنفاق رفح العنصر المحوري في هذه المرحلة واختبار حقيقي للقدرة على تحويل أحد أهم مصادر قوة "حماس" إلى ملف تفاوضي
ياسر مناع: سيناريو تقسيم القطاع مرتبط مباشرة بإمكانية تثبيت وتنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق وقف النار التي لا تزال محفوفة بالصعوبات والتعقيد
تتسارع التطورات السياسية والميدانية حول أزمة المقاتلين العالقين في أنفاق رفح، وسط قراءة متباينة لأبعادها بين من يراها مساراً منفصلاً عن قضايا الترتيبات الكبرى في قطاع غزة، ومن يعتبرها نموذجاً أولياً لاختبار آليات التعامل مع سلاح حركة "حماس" في المراحل المقبلة، وبين نفي الربط المباشر بينها وبين سيناريوهات تقسيم القطاع.
ويشير كتاب ومحللون ومختصون وأساتذة جامعات، في أحاديث منفصلة لـ"ے"، إلى أن النقاشات الجارية تكشف أن ملف السلاح، سواء الهجومي أو الدفاعي، لا يزال في مرحلة الغموض التأسيسي، دون أي صيغة نهائية متفق عليها حتى الآن، في ظل خلافات داخلية إسرائيلية، وضغوط أمريكية تسعى لمنع انهيار مسار التهدئة، ووسط خشية متبادلة من أن تتحول التفاهمات إلى فخ سياسي لأي طرف.
ملف السلاح لم يُحسم بعد
يرى الكاتب والمحلل السياسي د. عبد المجيد سويلم أن الحديث عن وجود علاقة مباشرة بين مخططات تقسيم قطاع غزة إلى نصفين، وبين أي تفاهمات تتعلق بخروج المسلحين المحاصرين في أنفاق رفح أو ترتيبات أمنية مزعومة مع أطراف من حركة "حماس"، هو طرح غير دقيق، نافياً وجود صلة مباشرة بين المسارين.
ويوضح أن ملف السلاح –الذي يُثار في سياق الانتقال إلى المراحل التالية لأي اتفاق– لم يُحسم بعد، ولا توجد بشأنه رؤية متفق عليها حول ما إذا كان الحديث يجري عن سحب أو تجميع أو تجريد للسلاح، مؤكداً أن كل هذه المفاهيم ما زالت قيد النقاش والوساطة ولم تصل إلى أي صيغة نهائية.
ويشدد سويلم على أن الافتراضات المتعلقة بوجود نموذج جاهز للتعامل مع سلاح حركة "حماس" عند بدء تطبيق ما تسميه الإدارة الأمريكية "المرحلة الثانية"، هي افتراضات غير واقعية، لأن أصل التعاطي مع الملف لم يدخل أصلاً مرحلة الاتفاق النهائي، ولا يزال محكوماً بالغموض، معتبراً أن الخوض في تفاصيل حاسمة حول مستقبل السلاح سابق لأوانه، لأن هذه المسألة بالذات تحمل في داخلها قدرة عالية على تعطيل أي تفاهم أو إبطائه، وهو ما تحاول واشنطن تجنّبه.
حسابات أمريكية مُركّبة
ويضع سويلم اندفاعة الإدارة الأمريكية نحو تسريع تنفيذ الاتفاق في سياق حسابات مركّبة، أولها خشية واشنطن من أن يلجأ رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى تخريبه تدريجياً عبر ذرائع أمنية، مثل ادعاءات التهديد أو وجود مسلحين أو الدفاع عن النفس، وهي حجج يمكن أن تُستخدم لنسف الاتفاق دون إعلان مباشر.
أما السبب الثاني، وفق سويلم، فهو تخوف أمريكي من أن تشعر حركة "حماس" بأنها تُستدرج إلى تفاهمات مجحفة أو مضلّلة، ما قد يدفعها إلى الانقلاب على العملية برمّتها، وهو سيناريو تعتبره واشنطن كارثياً، لأن تداعياته لن تُحصر في غزة، بل ستطال الإقليم برمّته.
ويشير إلى أن الولايات المتحدة لا تعمل وحدها في هذا المسار، بل يشاركها الضغط بدرجات متفاوتة كل من الوسطاء الإقليميين والاتحاد الأوروبي، إضافة إلى أصوات داخل إسرائيل نفسها بدأت ترفض مواصلة الحروب، محذّرة من انهيارات اقتصادية ومجتمعية وتصدّعات سياسية غير مسبوقة تهدد النظام السياسي من الداخل.
ويلفت سويلم إلى أن ربط تهدئة غزة بتطورات ساحات أخرى، لا سيما لبنان وإيران، يمثّل خطراً استراتيجياً لواشنطن التي تسعى إلى تحييد القطاع سريعاً قبل انزلاق المنطقة إلى مواجهة أوسع قد تشمل حرباً مفتوحة مع طهران أو مواجهة كبرى في لبنان.
ويؤكد سويلم أن العامل الحاسم في الدفع نحو إنجاز الاتفاق الآن ليس فلسطينياً، بل تقوده الولايات المتحدة التي تعتبر أن فشل الاتفاق ليس خياراً، وأن الخطر الأكبر ليس في بنوده بل في انهياره.
اتفاق غير معلن بين إسرائيل و"حماس"
يرى الكاتب والمحلل السياسي ماجد هديب أن أزمة المقاتلين العالقين في أنفاق رفح تشكل محاكاة استباقية لقياس نجاح تفكيك بنية حركة "حماس" العسكرية ونزع أسلحتها، ضمن المرحلة الثانية لخطة أكبر مرتبطة برؤية الرئيس الأمريكي دونالد ترمب.
ويوضح أن تصريحات مستشار ترمب جاريد كوشنر والمبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف تؤكد ضرورة السماح للمقاتلين بالانتقال إلى مناطق تحت سيطرة "حماس" أو إلى دول ثالثة وفق ترتيبات محددة، ما يعكس وجود توافق أو اتفاق غير معلن بين إسرائيل والحركة.
ويشير هديب إلى أن هذا الاتفاق غير الرسمي يبدو مرتبطاً بمحاولة من الطرفين لتقسيم قطاع غزة جغرافياً، بحيث تسيطر إسرائيل على شرق القطاع فيما تُتاح لـ"حماس" إعادة توطيد حكمها في غربه.
ويؤكد أن اشتراط إسرائيل تسليم المقاتلين أسلحتهم قبل الانتقال إلى مناطق السيطرة الحمساوية يعكس هذا الترتيب الضمني، بينما تشير تصريحات كوشنر إلى استمرار الضغط على "حماس" لتنفيذ هذا الانتقال ضمن آليات يتم الاتفاق عليها.
ويوضح هديب أن هناك مؤشرات إضافية على هذا الاتفاق غير المعلن، منها ما تم تداوله حول منع إعمار المناطق التي تسيطر عليها "حماس"، إضافة إلى الاتفاق الذي رُعي جزئياً بواسطة الوسيط التركي، الذي يقضي بالإفراج عن جثة الضابط الإسرائيلي هدار غولدين مقابل حل أزمة العالقين، إلا أن إسرائيل تمسكت باستلام الجثة دون الالتزام بحل الأزمة، واستجابت "حماس" للتسليم دون الإصرار على تنفيذ الاتفاق بالكامل، ما يعكس رغبتها في عدم تعطيل ترتيبات مناصفة غزة.
حل أزمة المقاتلين العالقين غير ممكن في الأيام القريبة
ويرى هديب أن حل أزمة المقاتلين العالقين لن يكون ممكناً في الأيام القريبة، مشيراً إلى أن كل من "حماس" وإسرائيل يستغلان القضية لإحداث عراقيل أمام الانتقال للمرحلة الثانية من وقف إطلاق النار.
ويرى هديب أن السيناريو الأقرب يتضمن تسليم المقاتلين أسلحتهم والانتقال إلى مصر أو تركيا، والأرجح تركيا، لكن ذلك لن يتحقق إلا بعد ضغط أمريكي متواصل، وفق ما أشار إليه ويتكوف باعتباره اختباراً للخطوات المستقبلية لتنفيذ وقف إطلاق النار.
ويؤكد هديب أن عدم التعجيل في حل الأزمة يخدم مصالح الطرفين، ف"حماس" تسعى لتثبيت وجودها وفرض عناصر حكمها، بينما يسعى نتنياهو إلى إبقاء شكل من الوجود الحركي الضعيف لإظهار قدرته على ضبط المشهد داخلياً.
ويلفت إلى أن طول الأزمة أو احتمال اندلاع جولة تصعيد جديدة وارد، في ظل موقف "حماس" الرافض للاستسلام أو تسليم النفس للعدو، وأن هذا التأجيل يخدم الطرفين في الوقت الراهن ويؤجل الانتقال للمرحلة الثانية من الاتفاق بشكل غير محدد الزمن.
ملف مختلف من حيث جوهره وآلياته
يرى الكاتب المختص بالشأن الإسرائيلي محمد أبو علان دراغمة أنّ ما يُطرح حول حل أزمة المسلحين العالقين في أنفاق رفح لا يشكل نسخة طبق الأصل من أي تفاهمات لاحقة بشأن نزع سلاح حركة "حماس"، موضحاً أن الملف مختلف من حيث جوهره وآلياته.
ويشير إلى أن النقاش يدور حول نوعين من الأسلحة لدى الحركة: أسلحة هجومية وأسلحة دفاعية، وأن ثمة ميلاً لدى الوسطاء للحفاظ على بعض الأسلحة ذات الطابع الدفاعي في يد فاعلين ضمن الحركة، فيما سيركز المسار التفاوضي على تفكيك الأسلحة الهجومية.
ويعتقد دراغمة أنه بخصوص مسألة خروج المسلحين من أنفاق رفح، ستكون هناك تفاهمات على مستوى الولايات المتحدة والوسطاء للتوصل إلى صيغة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تسمح بخروج هؤلاء إلى مناطق معينة، قد تكون مدينة غزة أو "خارج الخط الأصفر"، كما يُشار إليه في بعض الأطر التفاوضية.
ويلفت إلى أن قرار السماح بالخروج ليس قراراً داخلياً لإسرائيل فحسب، لأن هناك انقسامات داخل الائتلاف الحاكم، مع ضغوط من جهات كجماعات يمينية تقترح إما قتل المسلحين أو اعتقالهم، واتهامات بأن جزءاً منهم متهمون بقتل جنود بعد وقف إطلاق النار، بل إن الوسطاء لهم دور في إنهاء الأزمة.
استبعاد أن يكون القرار النهائي إسرائيلياً محضاً
ورغم هذه الضغوط الإسرائيلية، يستبعد دراغمة أن يكون القرار النهائي إسرائيلياً محضاً، مؤكّداً أن الإدارة الأمريكية ستلعب الدور الحاسم في المخرج النهائي، ومن ثمّ فإن المسار المتوقع قد يشمل تفاهمات أمريكية-إسرائيلية- وسطائية تقود إلى خروج المسلحين بشرط وجود ضمانات تلازم ذلك.
من جانب آخر، يعتقد دراغمة أنّ أيّ حل مبني على تقسيم قطاع غزة إلى نصفين أو قبول تواجد دائم لقوات الاحتلال داخل أجزاء منه سيكون غير مقبول لدى حركة "حماس"، مستنداً في ذلك إلى التزامات الحركة السابقة في "اتفاق شرم الشيخ" الذي يتضمن بنديْن أساسييْن: وقف الحرب وانسحاب كامل لقوات الاحتلال من القطاع.
ويرى أنّ القبول بتقسيم غزة يُعادل عملياً القبول بوجود احتلال داخلها، وهو أمر خارج نطاق قبول "حماس". كما يرى أن المفاوضات قد تطول، مع بقاء قوات الاحتلال داخل قطاع غزة مدة زمنية أطول ممكن، لكن أي اتفاق إطار شامل يجب أن يتضمن انسحاباً كاملاً وفق بنود اتفاق شرم الشيخ كمرجع تصر عليه حركة "حماس" حتى الآن، ما يجعل أي صيغة تقاسم سيادي أو تقسيم جغرافي أمراً غير مرجح حدوثه إذا لم تُستوفَ شروط التوافق الأساسية.
قضيتان منفصلتان رغم محاولات الربط بينهما
يؤكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة بير زيت د.سعد نمر أن قضية الـ200 مقاتل المحاصرين في أنفاق رفح وقضية تسليم حركة "حماس" سلاحها في قطاع غزة هما قضيتان منفصلتان، رغم محاولات الربط بينهما من قبل الجانب الأمريكي والإسرائيلي.
ويوضح نمر أن الولايات المتحدة معنية بحل قضية المقاتلين المحاصرين سريعاً لتجنب أي عرقلة لمسار اتفاق وقف إطلاق النار، الذي تعتبره الإدارة الأمريكية إنجازاً كبيراً وفق توصيف الرئيس دونالد ترمب، مشيراً إلى أن تسليم هؤلاء المقاتلين سلاحهم والخروج من الأنفاق يمثل حلاً مباشراً لمعضلتهم.
ويشير إلى أن تسليم سلاح "حماس" على نطاق أوسع في قطاع غزة يختلف تماماً من حيث التعقيد، إذ يتطلب تحديداً دقيقاً لمن سيتم تسليم السلاح وكيفية ذلك، إضافة إلى موافقة الحركة على الأسس المقترحة.
ويلفت إلى أن هذه القضية ترتبط بمفاوضات شاملة حول مستقبل حكم القطاع والاتفاق الكلي، فيما تعتبر قضية الـ200 مقاتل قضية جزئية ومباشرة مقارنة بالمفاوضات الأكبر.
ويوضح نمر أن الضغوط الأمريكية على إسرائيل كانت واضحة، حيث حاولت الولايات المتحدة، عبر المبعوثين وعلى رأسهم جاريد كوشنر، دفع الحكومة الإسرائيلية نحو حل هذه القضية لتجنب تعطيل اتفاق وقف إطلاق النار، مشيراً إلى أن بعض الوزراء الإسرائيليين اقترحوا اعتقال المقاتلين أو تهجيرهم إلى دولة أخرى، إلا أن هذه الخيارات لم تجد قبولاً بسبب عدم توفر دولة مستعدة لاستقبالهم.
الأرجح عودة المقاتلين إلى مناطق سيطرة "حماس"
ويشير نمر إلى أن التسوية المرجحة تتمثل في عودة المقاتلين إلى مناطق سيطرة "حماس" في ما يُعرف بالخط الأصفر غرب قطاع غزة، مع التأكيد على أن تفاصيل مرورهم وتسليم سلاحهم لم تُعلن بعد.
ويعتبر نمر أن الولايات المتحدة ستواصل الضغط على إسرائيل لضمان تنفيذ هذه العملية بسلاسة وبسلام، لتجنب أي تعطيل لمسار الاتفاق العام، مؤكداً أن القضية هي تجربة محدودة لقياس قدرة الأطراف على التعامل مع ملف تسليم السلاح مستقبلاً، لكنها لا تعكس أو تحل التحديات الكبرى المرتبطة بتسليم "حماس" سلاحها على نطاق كامل.
ويوضح نمر أن موضوع الـ200 مقاتل يمثل خطوة عملية محدودة ضمن إطار الاتفاق، بينما تسليم السلاح الشامل ل"حماس" يحتاج إلى ترتيبات قانونية وسياسية ومفاوضات دقيقة حول مستقبل حكم القطاع، بما في ذلك تحديد المسؤوليات والآليات التنفيذية، وهو ما لم يُكشف عن تفاصيله بعد، مما يجعل القضية الأساسية أكثر تعقيداً وأطول أثراً من مجرد قضية المقاتلين المحاصرين في رفح.
التطورات برفح: محاكاة ميدانية مبكرة
يعتبر الكاتب والمحلل السياسي محمد جودة أن التطورات الميدانية في مدينة رفح جنوب قطاع غزة تتجاوز كونها عملية عسكرية عادية أو مواجهة مع مقاتلين محاصرين، لتتحول إلى "محاكاة ميدانية مبكرة" لكيفية التعامل مع سلاح حركة "حماس" في مرحلة ما بعد الحرب، عبر مسارات تُدار بالتفاوض والضبط الأمني التدريجي أكثر من الحسم العسكري المباشر.
وبحسب جودة، فإن ما يجري حالياً يتمحور حول تفكيك تدريجي لمنظومة القوة العسكرية لحركة "حماس"، عبر "ممرات تفاوضية تحت الضغط الميداني"، وليس عبر معركة حاسمة تُنهي القدرة القتالية دفعة واحدة، مرجّحاً أن تكون هناك تفاهمات غير معلنة بين مصر والولايات المتحدة وإسرائيل تتعلق بشكل إدارة المرحلة المقبلة في غزة.
الاتجاه نحو تقسيم وظيفي لمناطق النفوذ بالقطاع
ويشير جودة إلى أن صورة المشهد المقبل تتجه عملياً –وإن لم تُعلَن رسمياً– نحو تقسيم وظيفي لمناطق النفوذ داخل القطاع، يتمثل في: منطقة جنوبية تشمل رفح وتخضع لترتيبات أمنية بإشراف مصري/دولي، ومنطقة شمالية تُدار ضمن ترتيبات أمنية إسرائيلية مباشرة أو بتنسيق أمريكي، ما يؤسس لواقع "إدارة مزدوجة للقطاع" يسمح بتطبيق نماذج مختلفة من السيطرة والضبط.
ويوضح جودة أن ملف الأنفاق في رفح يشكّل العنصر المحوري في هذه المرحلة، إذ يمثل اختباراً حقيقياً لقدرة الأطراف على تحويل أحد أهم مصادر قوة "حماس" إلى ملف تفاوضي، يتم فيه دفع المسلحين نحو خيارين: التسليم أو الإطباق العسكري الكامل، في ظل الضغط الميداني المتصاعد الذي يمارسه الجيش الإسرائيلي عبر تدمير ممنهج للأنفاق، وهو ما تؤكده تقارير ميدانية إسرائيلية عن عمليات مستمرة في رفح.
ويبيّن جودة أن الضغوط الحالية تتحرك في ثلاث دوائر رئيسية: مصر التي تسعى لإغلاق نهائي لملف الأنفاق لتأمين حدودها، وهو أولوية معلنة للقاهرة، والولايات المتحدة التي تضغط لمنع انهيار التهدئة والحفاظ على مسار سياسي لما بعد الحرب، وإسرائيل التي تستخدم الضغط الميداني المباشر كأداة إجبارية لدفع الخصوم نحو الاستسلام أو التسوية الجزئية.
وفيما يتعلق بالضمانات، يؤكد جودة أنها سياسية– ميدانية– زمنية، وليست قانونية مكتوبة، وتقوم على التزام ثلاثي: ضمانة مصرية لسلامة المقاتلين وتسليم السلاح، وضمانة إسرائيلية بوقف العمليات مع الالتزام بالمسار، وإشراف أمريكي لمراقبة التنفيذ والحد من الانحرافات التي قد تفجّر المرحلة.
اختبار تمهيدي لآليات التعامل مع سلاح "حماس"
يؤكد الكاتب والباحث المختص بالشأن الإسرائيلي ياسر مناع أن ملف المقاتلين المحاصرين في أنفاق رفح يُدار على الأغلب عبر قنوات خلفية وتفاهمات بعيدة عن الإعلام، وأنه يحمل أبعاداً تتجاوز البعد الميداني إلى كونه اختباراً تمهيدياً لآليات التعامل المستقبلية مع سلاح حركة "حماس" في أي ترتيبات لاحقة.
ويشير إلى ترجيحات بوجود تفاهم غير معلن تم التوصل إليه بوساطة أطراف إقليمية ودولية، يشمل تسليم جثمان الضابط الإسرائيلي هدار غولدين مقابل إغلاق ملف المقاتلين داخل الأنفاق، وهو ما يعكس توظيف إسرائيل لهذا الملف كنموذج محاكاة لاختبار حدود الممكن في أي حلول مقبلة مرتبطة بالترسانة العسكرية لـ"حماس".
ويشير مناع إلى أن تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التي حصر فيها خيارات المقاتلين بين "الاستسلام أو القتال" لم تمر من دون رد، إذ قوبلت بمواقف فلسطينية تؤكد خيار المواجهة، غير أن هذه اللهجة التصعيدية لا تتوافق مع اتجاهات الفاعلين الإقليميين والدوليين، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، التي تسعى إلى منع أي تصعيد جديد قد يعيد خلط الأوراق ويفجر جولة قتال مفتوحة.
معالجة الأزمة وفق أحد ثلاثة سيناريوهات
ويرجّح مناع مع وصول المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، أن تتم معالجة الأزمة وفق أحد ثلاثة سيناريوهات رئيسية: الأول يتمثل في خروج المقاتلين من الأنفاق بتفاهمات غير مصرح عنها، والثاني يقضي بالسماح لهم بالمغادرة بعد تسليم أسلحتهم ضمن ترتيبات ميدانية، بينما يظل خيار نقلهم إلى دولة ثالثة الأقل احتمالاً، نظراً لارتفاع عدد المقاتلين وتعقيداته اللوجستية والسياسية.
وفيما يتعلق بطرح تقسيم قطاع غزة، يعتبر مناع أن هذا السيناريو مرتبط مباشرة بإمكانية تثبيت وتنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، وهي مرحلة لا تزال محفوفة بالصعوبات والتعقيد.
ويؤكد مناع أن نجاح أي تفاهمات أو تسويات ميدانية يبقى رهيناً بقدرة الوسطاء الدوليين، وفي مقدمتهم واشنطن والجهات الإقليمية الضامنة، على ضبط تنفيذ الاتفاقات وإلزام الأطراف بها ميدانياً وسياسياً.
المصدر:
القدس