آخر الأخبار

من بيروت إلى نيويورك: فلسطين محور المبادرات والتغيرات

شارك

في كتاب للمفكر اللبناني المسيحي ميشال شيحا بعنوان "فلسطين"، صدر في أول طبعة له مترجمة عن الفرنسية في العام 1968، مجموعة من المقالات حول القضية الفلسطينية كُتبت باللغة الفرنسية في جريدة لوجور ما بين العام 1944 حتى العام 1954.

ترجم المقالات إلى العربية أنطوان غطاس كرم، وأعادت دار النهار اللبنانية نشر الكتاب عام 2006. وفي هذا الكتاب يشرح ميشال شيحا خطورة المشروع الصهيوني على لبنان والعالم العربي، ويؤكد أن وجود هذا الكيان تهديد للسلم في المنطقة والعالم، ويدعو لتجنيد كل الطاقات اللبنانية والعربية والدولية من أجل مواجهة هذا الخطر.

وميخا شيحا هو أحد المفكرين والاقتصاديين اللبنانيين، وقد ساهم في كتابة الدستور اللبناني أيام الانتداب الفرنسي في العام 1926، ويعتبر أحد آباء ومنظري الكيان اللبناني. وقد توفي في العام 1954 في ظل تصاعد الخطر الصهيوني على المنطقة، ولا زال هذا الخطر مستمرا إلى اليوم.

وما يجري اليوم في فلسطين والمنطقة من استمرار لهمجية الكيان الصهيوني؛ يؤكد خطورة هذا الكيان على كل دول المنطقة وأنه مشروع استيطاني توسعي يمارس كل أشكال الجرائم، ولا يمكن الوصول معه إلى سلام أو اتفاق رغم كل المحاولات والمبادرات التي طُرحت طيلة أكثر من سبعين عاما.

لكن رغم كل ما يقوم به هذا الكيان من جرائم وما يحظى به من دعم غربي، ورغم تخلي العديد من الدول العربية والاسلامية عن دورها الحقيقي في مواجهة جرائم هذا الكيان، فإن التطورات المتسارعة منذ معركة طوفان الأقصى إلى اليوم تؤكد أن القضية الفلسطينية وفلسطين هي محور كل التغييرات والمبادرات والنقاشات الجارية في العالم العربي أو على الصعيد العالمي.

وآخر تداعيات القضية الفلسطينية ما شهدناه من انتخابات لعمدة نيويورك، والتي أوصلت أحد المناهضين لجرائم الكيان الصهيوني في غزة وهو زهران ممداني، الذي خاض معركة قاسية ضد منافسه المدعوم من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والعديد من أصحاب المليارات.

طبعا القضية الفلسطينية وتداعياتها كانت أحد العناصر المؤثرة في هذه الانتخابات، إلى جانب عوامل أخرى لها علاقة بالوضع الداخلي في أمريكا والأفكار التي يطرحها ممداني لمعالجة هموم الناس.

لكن هذا التطور المهم والذي أثار العديد من النقاشات والتعليقات، يؤكد أن ما يجري في فلسطين اليوم سيكون لها تأثير كبير على كل التطورات في المنطقة والعالم، وأن الجرائم الصهيونية لن تبقى دون حساب مهما طال الزمن.

وفي بيروت لا تزال القضية الفلسطينية محور النقاشات والحوار، ولبنان أيضا يعاني من العدوان الصهيوني المستمر، وقد يواجه لبنان حربا اسرائيلية جديدة من أجل نزع سلاح المقاومة وفرض اتفاقية استسلام على لبنان.

ولكن رغم الظروف الصعبة التي يواجهها لبنان واللبنانيون هذه الأيام، فقد شهدت بيروت انعقاد المؤتمر القومي العربي بحضور حوالي 300 شخصية عربية، وكان للقضية الفلسطينية حضورها الكبير في مناقشات المؤتمر.

وقد انتهى إلى انتخاب أمين جديد للمؤتمر وهو القيادي الفلسطيني الدكتور ماهر الطاهر (أحد قياديي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين)، كما أعلن المؤتمر عن ضرورة العمل لبلورة مشروع جديد للحركة الشعبية العربية من أجل مواصلة النضال لدعم القضية الفلسطينية ولمواجهة كل التحديات الجديدة في العالم العربي.

وبموازاة ذلك، كانت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين تطلق مبادرة جديدة تحت عنوان: النظام السياسي الفلسطيني والاستحقاق الديمقراطي المفوّت، وقد أعد المشروع الأمين الجديد للجبهة الأستاذ فهد سليمان، الذي يتولى المسؤولية خلفا للأمين العام المؤسس نايفة حواتمة.

وقد أقيمت في بيروت ورشة حوارية حول هذه المبادرة بحضور عدد من الإعلاميين والمثقفين والكتاب والقياديين الفلسطينيين، حيث جرى التأكيد على أهمية المشروع وعلى ضرورة إجراء مراجعة شاملة لكل الواقع الفلسطيني، ووضع استراتيجية شاملة للمرحلة المقبلة.

كما أُطلقت في بيروت وثيقة حول دعم المقاومة والقضية الفلسطينية، بمشاركة عدد كبير من قادة المقاومة والأحزاب اللبنانية والمنظمات الفلسطينية.

هذه المؤشرات تؤكد أن معركة طوفان الأقصى وتداعياتها السياسية والأمنية والثقافية والاجتماعية والإعلامية لا تزال محور النقاش والحوار في العالم العربي وعلى الصعيد العالمي.

ومن أهم نتائج هذه المعركة المستمرة تبلور رأي عام عالمي داعم للقضية الفلسطينية ومؤثر في سياسات العديد من الدول، كما نشهد في أوروبا وأمريكا، إضافة لانعكاسات ما جرى على الصعيد العربي والإسلامي.

ورغم أنه من المبكر رصد كل تداعيات ما جرى لأن الحرب لم تنته ولا زالت مستمرة على عدة جبهات، وقد نشهد تصعيدا لها في الأيام القادمة، فإنه يمكن القول إن فلسطين والقضية الفلسطينية ستبقى محور الأحداث والمتغيرات طالما هناك كيان صهيوني استيطاني في فلسطين وهو يحمل مشروعا استعماريا خطيرا.

وكما قال ميشال شيحا في كتابه عن فلسطين في مقال له في العام 1947 (الصفحة 50): "حلم هائل، حلمته إسرائيل بإنشاء مملكة تبلغ الفرات، إنها تهدف، في مراميها، إلى إقامة إمبراطورية، فهذا هو حلمها، وإن صح أنها سوف تقتحم المخاطر الجلال وتجزى على تجاسرها بأفجع الجزاء، فعلى كل لبناني وسوري أن يتذكر بأننا من هذا المطمح وهذا السلطان في أمت جوار، وأن المغامرة اليهودية لن تؤتى توسعها المنشود إلا بمشيها على أجسامنا".

هذه صرخة ميشال شيحا منذ ثمانين عام تقريبا، ونحن نردد اليوم أن المشروع الصهيوني لن يتحقق إلا على أجسادنا، وستبقى فلسطين قضيتنا وقضية كل العالم حتى نهاية هذا الكيان الصهيوني الاستعماري.

فلسطين والقضية الفلسطينية ستبقى محور الأحداث والمتغيرات.
القدس المصدر: القدس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا