حدث الساعة
كشفت وثائق خاصة حصل عليها موقع "بوليتكو" الأمريكي عن قلق داخل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب من احتمال انهيار اتفاق وقف اطلاق النار في غزة، بسبب الصعوبات المعقدة في تنفيذ بنوده الأساسية، ما يثير تساؤلات حول قدرة واشنطن على المضي في خطتها لـ"السلام" في غزة.
وثائق داخلية تكشف هشاشة الخطة
الوثائق التي عرضت خلال ندوة نظمتها القيادة المركزية الأميركية (CENTCOM) وأعضاء مركز التنسيق المدني-العسكري في جنوب فلسطين المحتلة، ترسم صورة قاتمة عن التحديات التي تواجه تنفيذ الاتفاق الذي دخل حيز التنفيذ في 10 تشرين الأول.
وتظهر الشرائح، التي أعدتها جهات حكومية أميركية ومؤسسات بحثية بينها معهد بلير، أن تنفيذ الخطة يواجه عقبات كبيرة، أبرزها الشكوك حول إمكانية نشر قوة الاستقرار الدولية التي يفترض أن تتولى حفظ الأمن في غزة بعد الحرب. إحدى الشرائح عرضت سهما يحمل علامة استفهام بين المرحلتين الأولى والثانية من خطة "السلام"، في إشارة واضحة إلى الغموض بشأن مستقبلها.
وأكد مسؤولون أميركيون وأجانب صحة الوثائق، التي تتألف من 67 شريحة، وتكشف عن تباين كبير بين الخطاب المتفائل لترامب وفريقه وبين الواقع الميداني المعقد. كما تظهر التزام الإدارة بالمضي في الاتفاق رغم تعقيداته، مع خطط لانخراط أميركي واسع في إعادة إعمار غزة اقتصاديا وأمنيا.
التزام رسمي رغم القلق
قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية إيدي فاسكويز إن إدارة ترامب ماضية في تنفيذ خطة "السلام" ذات الـ20 بندا، مشيرا إلى أن العملية تتلقى مقترحات من عشرات الدول والمنظمات، وأن واشنطن ستواصل دعم وقف إطلاق النار وتنفيذ الخطة.
الجزء الأول من العرض حمل عنوان: "خطة الـ20 بندا: المرحلة الثانية – التحديات الأمنية والفرص"، لكنه لم يقدم حلولا سياسية واضحة، بل ركز على حجم التحديات التي تواجه تحويل وقف إطلاق النار إلى سلام دائم وإعادة إعمار حقيقية.
تحديات التنفيذ
تشير الوثائق إلى أن الجيش الأميركي وضع خططا مبدئية لدعم المرحلة الانتقالية، لكن وزارة الخارجية الأميركية لم تلعب بعد دورا محوريا في تطوير الخيارات بسبب تقليص المساعدات الخارجية.
ويرى مسؤولون سابقون، بينهم ديفيد شينكر، أن تنفيذ الخطة يتطلب "اهتماما متواصلا على أعلى المستويات وبيروقراطية فاعلة"، محذرين من أن الإدارة اكتفت بالاحتفاء بوقف إطلاق النار دون معالجة القضايا الجوهرية.
وتُظهر الوثائق أن التحديات الكبرى تشمل:
الوضع الميداني في غزة
وثيقة بعنوان "تقرير الوضع في غزة"، أعدها معهد بلير في 20 تشرين الأول، تصف دمارا هائلا، وتشير إلى أن حماس تعيد فرض سلطتها لملء "الفراغ الأمني" بوسائل قسرية، في وقت تسيطر فيه قوات الاحتلال على نحو 53% من القطاع، بينما يعيش 95% من السكان في المناطق الأخرى التي لا يسيطر عليها جيش الاحتلال.
وبحسب الوثيقة، أعادت حماس نشر نحو 7,000 عنصر أمني في تلك المناطق، فيما لا يتجاوز عدد الشاحنات الإغاثية الواصلة يوميا 600 شاحنة، وسط اختناقات حادة في التوزيع.
وثائق أخرى تحذر من أن "كل تأخير في تطبيق الخطة يصب في مصلحة حماس"، التي يعتقد أنها "تنتظر الوقت المناسب لإعادة السيطرة عبر الدعاية والهجمات بالوكالة".
خطة السلام بين الواقع والسياسة
خلال مؤتمر صحفي في قاعدة أندروز الجوية في 22 تشرين الأول، أقر وزير الخارجية ماركو روبيو بصعوبة مسار "السلام"، قائلا إن "كل يوم سيجلب تحديات جديدة، لكن لا بد من مواجهتها حتى لا تتفكك العملية"، مضيفا أن "السلام في الشرق الأوسط لم يكن يوما مهمة سهلة".
الوثائق تؤكد أن تشكيل قوة الاستقرار الدولية خطوة حاسمة، لكنها تواجه تساؤلات جوهرية حول تفويضها، وقواعد الاشتباك، وموقع انتشارها، وكيفية التنسيق بين الدول المشاركة، رغم أن الخطة تنص على أنها ستكون "بقيادة أميركية".
الولايات المتحدة بدأت فعلا تداول مسودة قرار في الأمم المتحدة لتفويض هذه القوة، على أن يُعقد لاحقا مؤتمر دولي للمانحين لتأمين التمويل والدعم العسكري، لكن دون جدول زمني واضح.
مواقف الدول المشاركة
ذكرت الوثائق أن بعض الدول مثل إندونيسيا، أذربيجان، باكستان وتركيا عرضت المساهمة بقوات، إلا أن الاحتلال يتحفظ على مشاركة أنقرة.
وقال أحد المشاركين في الندوة إن "الدول في المنطقة تفضل تقديم المال بدلا من إرسال جنود"، ما يعكس التردد الإقليمي في الانخراط ميدانيا في غزة.
من يدير غزة؟
الوثائق تكشف أيضا استمرار الخلاف بين الاحتلال والفلسطينيين حول من سيتولى إدارة غزة. السلطة الفلسطينية تتوقع استعادة دورها كما كان قبل عام 2007، لكنها تواجه رفضا إسرائيليا واضحا. وتنص خطة ترامب على أن السلطة لا يمكن أن تشارك إلا بعد "إصلاح نفسها"، فيما يُنظر إلى سجلها في غزة على أنه ضعيف وغير شعبي.
وتتضمن المخططات التنظيمية المرفقة في الوثائق تصورا لدور أميركي واسع في إدارة غزة، يتجاوز المسائل الأمنية إلى الإشراف على إعادة الإعمار الاقتصادي.
انخراط أميركي طويل الأمد؟
وبحسب "بوليتكو" رغم هذه الخطط، لا يزال من غير الواضح مدى استعداد ترامب لتخصيص الوقت والموارد اللازمة لإنجاح المشروع، خاصة في ظل توجهه المعروف بـ"أميركا أولا".
وقال مسؤول أميركي مطّلع على النقاشات الداخلية: "السؤال الحقيقي هو: هل من الحكمة أن تنخرط الولايات المتحدة طويلا في غزة؟"
وأضاف: "لكن فريق ترامب يعتقد أن بوسع واشنطن إقناع شركاء آخرين بلعب دور أكبر في المراحل المقبلة".
ويخلص الموقع إلى أن الوثائق المسربة تعكس أن خطة ترامب لـ"السلام" في غزة ما تزال محاطة بالغموض والتحديات السياسية والأمنية، وأن الإدارة الأميركية تواجه صعوبة في تحويل اتفاق وقف النار إلى تسوية دائمة. وبينما تصر واشنطن على المضي قدما في خطتها، تبدو العقبات الميدانية والإقليمية كبيرة بما يكفي لجعل "السلام الموعود" أبعد مما تصفه التصريحات الرسمية.
المصدر:
الحدث