الحدث الإسرائيلي
تتجه "إسرائيل" نحو اعتراف عملي بأن الغارات المستمرة على لبنان لم تَقضِ على قدرة حزب الله على التمدد والتجدد. في ظل تصاعد الهجمات العدوانية "الإسرائيلية" على الحدود الشمالية، ترى تقديرات في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي أن الخيارات المتاحة أمام حكومة الاحتلال ليست حصرية بين الرد العسكري والتهدئة، بل إن المنظومة السياسية والأمنية تراقب متغيرات إقليمية ودولية قبل اتخاذ قرار مصيري.
وبحسب مصادر عبرية، جمع الكابينيت المصغّر، الخميس الماضي، رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو وزعماء الائتلاف ورؤساء الأجهزة الأمنية في جلسة تناولت بالأساس ما وصفته بـ «خروقات حزب الله لاتفاق وقف إطلاق النار».
خلال الاجتماع عرضت قيادة المنطقة الشمالية وهيئة الأركان سيناريوهات هجومية متعددة ضد الحزب، تتدرّج بين ضربات مركّزة تستهدف منصات إطلاق وصواريخ محددة، وصولاً إلى حملات أوسع إن اقتضت الحاجة — مع الإشارة إلى أن توقيت أي عملية سيظل رهينًا بعوامل سياسية ودبلوماسية أبرزها التنسيق مع واشنطن وحكومة بيروت. المشهد الميداني يعبّر عن ازدواجية: من جهة، تكثّف حكومة الاحتلال ما تصفه «استهدافات وقائية» يومية؛ ومن جهة أخرى، تؤكد التقديرات العسكرية أن هذه الضربات لم توقف مسار تعاظم قدرات حزب الله، الذي يحتفظ بحسب التقديرات بعشرات الآلاف من الصواريخ والطائرات المسيّرة وعددًا كبيرًا من المقاتلين المدربين.
وتُظهر تقارير استخباراتية «ثقة متزايدة» لدى عناصر الحزب، انعكست في تحركات واضحة حتى جنوب الليطاني ومحاولات لإعادة نشر منصات وإحياء شبكات لوجستية. على صعيد تهريب السلاح، تشير التقديرات إلى أن طرق الإمداد تضررت خصوصًا عبر البحر والبر والجو بعد تغيّراتٍ في سوريا، لكنّ تمويلًا من إيران لا يزال يتدفّق رغم محاولات الإحباط. وفي المقابل، رصد جيش الاحتلال بطءًا في التزام الجيش اللبناني بتنفيذ بنود تفكيك ترسانة الحزب، الأمر الذي تُرجمه أوساط عسكرية إسرائيلية على أنه «تفاوت بين الكلام والواقع»، بل وتصف بعض المصادر عمليات الجيش اللبناني الحالية بأنها محدودة الفاعلية وربما ترافقها شواهد عن تعاون ضمني في مواقع معينة.
تحذّر دوائر عسكرية إسرائيلية من أن استمرار الوضع الراهن «لن يتركنا مكتوفي الأيدي»، على حد تعبير أحد المسؤولين، مشددةً على أن آلية مراقبة وقف إطلاق النار التي يقودها ضباط أميركيون نجحت جزئياً لكنها لا تحل محل قدرة الردع.
ولهذا تواصل جهوزيتها الميدانية: تحديث بنك الأهداف، صقل خطط الهجوم، وتعزيز أنظمة الدفاع الجوي، تحسبًا لأي تحول ميداني قد يجرّ الجبهة الشمالية إلى تصعيد أوسع. في النهاية، تبدو المعادلة معقدة: قدرة حزب الله على امتصاص الصدمات وتكريس قوة ردعية محلية وإقليمية، مقابل هواجس حكومة الاحتلال من دخول حرب مفتوحة قد تجرّ تداعيات إقليمية. والقرار، حتى الآن، يميل إلى إدارة الأزمة تدريجيًا مع إبقاء «خيار القوة» مطروحًا كملاذ أخير، لكن رهن توقيته بشروط سياسية ودبلوماسية لا تقلّ أهمية عن الحسابات العسكرية.
المصدر:
الحدث