الحدث - سجود عاصي
أثار تصريح وزير مالية الاحتلال الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش الأخير، الذي سخر فيه من السعودية بقوله: "سيعودون لركوب الجِمال في الصحراء إذا دعموا فكرة الدولتين"، انتقادات إسرائيلية واسعة، وصلت حد إجبار سموتريش على الاعتذار بشكل رسمي عن تصريحه بخصوص السعودية، الذي اعتبره خبراء ومحللون، على أنه يتجاوز حدود النقد السياسي المشروع، فهو يُمثل تصريحًا يُقوِّض بشكل مباشر "المصلحة" للاحتلال الإسرائيلي التي يسعى لها منذ زمن.
تعتبر السعودية في عام 2025 واحدة من أكثر الدول تأثيرًا في العالمين العربي والإسلامي، وقوة اقتصادية إقليمية صاعدة، وعضو بارز في مجموعة العشرين. وعلى مدى العقد الماضي، شهدت السعودية تحوّلًا اقتصاديًا واجتماعيًا وتكنولوجيًا عميقًا تحت قيادة محمد بن سلمان من خلال "رؤية 2030"، وهي خطة تهدف إلى تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط، وجعل الرياض فاعلًا عالميًا في مجالات الابتكار والطاقة المتجددة والسياحة والفضاء، يطمح الاحتلال أن يكون شريكًا رئيسيًا فيها، أكثر من أي دولة أخرى في المنطقة.
يقول الباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، يوئيل غوزانسكي، إن فهم السعودية يجب أن يتم باعتبارها لاعبًا أساسيًا في صياغة الاستقرار الإقليمي والنظام "الشرق أوسطي الجديد"، فقد عملت الرياض في السنوات الأخيرة كجسر حيوي بين العالم العربي والغرب، مستفيدةً من مزيج فريد من القوة الاقتصادية والنفوذ الديني والمكانة الدبلوماسية، وفي هذا السياق، فإن إحراز تقدم نحو التطبيع مع السعودية لن يكون مجرد نجاح دبلوماسي، بل إنجازًا استراتيجيًا للاحتلال الإسرائيلي.
التصريحات المهينة أو المتعالية تجاه السعوديين لن تُغيّر سياساتهم، لكنها قد تُلحق الضرر وتُقوّض الجهود الدبلوماسية الحساسة الجارية حاليًا بين الرياض والاحتلال، فالعالم العربي يُتابع عن كثب الخطاب السياسي في دولة الاحتلال، وفي مثل هذا الظرف الحساس، حين تُختبر محادثات التطبيع باستمرار، تصبح الحساسية الثقافية وضبط اللغة أمرين ضروريين.
كان يجدر بالمسؤولين الإسرائيليين أمثال سموتريش، أن يستثمر في دبلوماسية استباقية مثل الانخراط المباشر، وتوجيه رسائل احترام متبادل، وتعزيز القنوات الأمنية والاقتصادية، للدفع قدما بعملية التطبيع على أسس من المصالح المشتركة، وفق الباحث.
ويعتبر الباحث، أن من يستخف بالسعودية يستخف بمستقبل "إسرائيل" نفسها، موضحا: يجب ألا يُنظر إلى السلام مع السعودية باعتباره "مكافأة" لدولة عربية، بل كخطوة استراتيجية قادرة على إعادة تشكيل المشهد الإقليمي. فالتطبيع سيفتح أسواق الخليج أمام الاحتلال، ويُعزز الجبهة المشتركة ضد إيران، ويساعد في تشكيل مثلث استراتيجي غير مسبوق يربط "إسرائيل" والرياض وواشنطن، وعلى نطاق أوسع، سيمنح الاحتلال شرعية إقليمية أعمق ويُسهم في دمجه بشكل أكبر داخل الشرق الأوسط.
لماذا اعتذر سموتريتش؟
وفي السياق ذاته، كشف عضو الكنيست الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، عن الأحداث التي دارت خلف الكواليس عقب استهزاء وزير المالية بيتسئيل سموتريتش من السعوديين بشأن ركوب الجمال، بعد أن أثار سموتريتش غضبا كبيرا في الأوساط العربية وحتى الإسرائيلية، رغم أن سموتريتش اعتذر بعد وقت قليل جدا من هذا التصريح، وقال عبر حسابه على منصة "إكس": "لم يكن تصريحي بشأن السعودية موفقا بالتأكيد وأنا آسف للإهانة التي سببتها"، مضيفا: "ومع ذلك، وفي الوقت نفسه، أتوقع من السعوديين ألا يضرونا وألا ينكروا تراث وتقاليد وحقوق الشعب اليهودي في وطنه التاريخي في الضفة الغربية، وأن يقيموا السلام الحقيقي معنا".
وفي إطار الحديث عما دار وراء الكواليس، صرح ليبرمان قائلا: "أخبرني شخص كان في الغرفة أن الصرخات التي صدرت في مكتب رئيس وزراء الاحتلال بعد تصريح سموتريتش حول الجمال سُمعت في قدوميم وجميع المستوطنات في الضفة. نتنياهو صرخ، وأرادوا استدعاء طبيب خشية أن يغمى عليه في النهاية. لم تُسمع مثل هذه الصرخات منذ تأسيس مكتب رئيس الوزراء، لم يتسرع سموتريتش في الاعتذار عبثا، فنتنياهو يعوّل على اتفاق مع السعودية".
وفي الوقت الذي أثارت فيه تصريحات سموتريتش الاستفزازية، أزمة دبلوماسية؛ أكد محللون، أنه ببضع كلمات أدلى بها "قوضت نصف عام من الجهود الدبلوماسية الهادئة بين إسرائيل والرياض".
وتسببت هذه التصريحات في "أضرار سياسية جسيمة" وأدّت إلى توتر ملحوظ في العلاقات غير المعلَنة بين الطرفين، حيث وصفها مسؤول إسرائيلي بأنها "دمّرت نصف عام من العمل الهادئ مع السعودية".
وأشاروا إلى أن سموتريتش، خلال رحلته إلى الهند الشهر الماضي، مرّ عبر دبي، حيث تلقى اتصالا مباشرا من مسؤول إماراتي رفيع المستوى. وقد حاول المسؤول التذكير بأهمية "اتفاقيات إبراهيم" وحذره من أن مثل هذه التصريحات قد تُعيق جهود توسيعها.
وأكد الكاتب الإسرائيلي أبراهام بورغ أن وزير المالية الإسرائيلي بيتسئيل سموتريتش يعيش تناقضا صارخا في سخريته من السعوديين بشأن ركوب الجمال، ويجسد في نفسه الشخص المتخلف والجاهل المتغطرس الضيق الأفق، إذ يعيش على خطاب كراهية عنصري، ويمثل طائفة طفيلية تتغذى على الخوف والكراهية.
ويقول "عندما يسخر سموتريتش من السعوديين بشأن ركوب الجمال، فهو يكشف عن نفسه كإنسان متخلف ومحرج، متغطرس في المظهر وبغيض من الداخل، يجسد طائفة طفيلية تعتمد على اقتصاد التكنولوجيا وتتغذى على الكراهية والخوف والجهل. ليس السعوديون هم البدائيين، بل هو الذي بقي عالقا في ظلمات العصور الوسطى".
ويتابع بورغ، أن "ركوب الجمال رياضة قديمة ومذهلة. بينما اقتلاع أشجار الزيتون على أيدي المستوطنين هو جريمة يهودية جديدة وبغيضة. الخطوات السعودية لفتح المملكة للعالم هي مسار استراتيجي مثير للإعجاب. بينما أمنية سموتريتش أن تلد زوجته في غرفة خالية من العرب، هي هاوية أخلاقية". ويؤكد أن "سموتريتش هو النموذج الأولي للبدائي الإسرائيلي، المتغطرس في المظهر والبغيض من الداخل. هو لا يحافظ على التقاليد، بل يضخم تصورات العالم لدى العنصريين الألمان والأوروبيين من القرون الخوالي".
ويضيف "أحيانا تزيح الجمل الغبية كل الأقنعة. عندما يقول أنهم سيستمرون في ركوب الجمال، فهو لا يصف السعودية، بل يكشف عن نفسه. إنه رجل تعيش طائفته بشكل طفيلي على اقتصاد التكنولوجيا المتقدمة، وروحه مظلمة كأحلك أيام العصور الوسطى. هو ممثل لجيل وطائفة نشأت على الخوف المعد مسبقا، والكراهية المخطط لها، وتمجيد الجهل كقيم يهودية. لغته ليست لغة الإيمان الحقيقي، بل بلاغة عنصرية بحتة وساذجة. ، لم يتبق سوى غطرسة أولئك الذين أصبح مفهوم (الشعب المختار) عندهم ترخيصا أخلاقيا لكل فعل شائن".
ويؤكد بورغ أن سموتريتش "يؤمن بإله عنصري مثله. إله عقارات يوزع الأراضي، ويحدد الحقوق، ويقرر من هو جدير بالحب ومن هو محكوم عليه بالكراهية. هو، وزير المالية الحقير، يقتبس آيات ولا يفهم مضمونها وسياقها. يقف على رأس حزب وجمهور فقدا كل ذاكرة تحفظ الأخلاق. الاحتلال هو ديدنهم، وقمع شعب بأكمله ليس ظلما بل أقدس وصية في توراتهم".
ويوضح بورغ: "هكذا تدهورت التقاليد اليهودية وتحولت إلى آلة لارتكاب الفظائع الشنعاء. شعب الكتاب سابقاً أصبح عصابة اقتباسات جوفاء، منفصلة عن السياق الوحيد الذي منحها معنى حقيقيا".
ويضيف الكاتب الإسرائيلي أن "البدائي المخجل سموتريتش ليس ظاهرة منعزلة. هو ثمرة عملية طويلة استبدلت فيها إسرائيل التوراة بأيديولوجية قومية متطرفة، والإيمان بجيش يقدس العنف، والروح بسياسة انتهازية ضيقة الأفق.. العدل تحول عندهم إلى اتباع لنهج السيطرة والانتقام.. (وأحبب قريبك كنفسك) تحول إلى احتقار للمختلف والآخر".
ويشير الكاتب إلى خوف سموتريتش "من حرية الاختيار لدى الآخر، هو خوف من التنوع الطبيعي في الوجود نفسه. كل ما لا يخضع للنموذج الذكوري اليهودي الخاص به وبربانيته المتخلفة هو تهديد وجودي. هذا هو جوهر البدائية: ليس فقط نقص المعرفة بل عدم القدرة الإدراكية على تحمل التعقيد. من ذا يحتاج إلى عالم كل شيء فيه موحد في رتابته: عرق واحد، إيمان واحد، ميول جنسية واحدة، أرض واحدة وقائد واحد يطلب منا أن نعيش في عالم خال من الحياة".
ويشرح بورغ أن "الأمير السعودي الذي يتقن عدة لغات، ويتحرك بحرية بين الجامعات الغربية هو على النقيض منه، إنسان حديث، حتى لو لم يكن غربيا بالمعنى الكلاسيكي. هو يفهم أن الثقافة لا تفقد هويتها عندما تنفتح على العالم. بل على العكس، تثرى وتتجدد".
ويضيف أن "وزير المالية الإسرائيلي، بالمقارنة معه، أخرق بلاغيا ومتغطرس فكريا. الإنجليزية التي يتحدثها محرجة، وهو إنسان ضيق الأفق يفتقر إلى التعليم العام. وبينما الجذور لدى ولي العهد السعودي هي منصة للنمو؛ نرى أن الجذور لدى الوزيرسموتريتش هي حبل مشنقة. الأمير يسعى لفتح نوافذ على العالم؛ والوزيرسموتريتش يصر على إغلاق الستائر وحجب الضوء".
ويقول الكاتب الإسرائيلي "هذا هو الفرق بين التقدم والانغلاق، بين الإيمان المتجدد والعقيدة المتجمدة. العالم العربي، رغم كل قيوده التاريخية، بدأ عملية طويلة من المراجعة الذاتية الثقافية. بحثا عن طرق لدمج التقاليد بالابتكار، والدين بالعلم، والهوية بالانفتاح. بينما إسرائيل تنغلق على ذاتها، على داخلها. تعبر عن أوهام بتصريحات جوفاء، وتحمل اسم الله باطلا لتبرير كراهية معدة مسبقا. تهرب من بشارات محتملة للمنطقة". ويشير بورغ إلى أنه "هكذا نشأ عبث ثقافي غير مسبوق: فبينما تسعى السعودية إلى أن تصبح نموذجا للتقدم الاقتصادي والانفتاح الاجتماعي، تتبنى إسرائيل التي يمثلها سموتريتش لغة مضطهديها العظام، اللغة الروحية لأولئك الذين قاسوا وصنفوا البشر حسب العرق والدين والأصل. هو يحتقر العرب لكنه ينسى أن شعبه كناية عن غرباء في أراض لا تخصهم. هو يكره المختلف لكنه يتجاهل حقيقة أن اليهودية نفسها ولدت من الاختلاف، من صراع أخلاقي مستمر ضد القوة الغاشمة والعنف الأعمى. يدعي التحدث باسم التقليد لكنه لا يسمع التحذير المتكرر في جميع المصادر بأننا إذا نسينا عذابات العبودية والمنفى، فسنصبح أسيادا قساة لا يقلون بقساوة عن أولئك الذين قمعونا ولا يختلفون عنهم".
ويؤكد الكاتب الإسرائيلي أن "بدائية سموتريتش ليست تعبيرا مضحكا أو معزولا. إنها كارثة ثقافية حقيقية. لأنها لا تتوقف عنده. لقد تسربت بالفعل إلى الجيل التالي. إلى نظام تعليم يقدس نزعة دينية جوفاء، إلى إعلام يتعامل مع العنصرية كرأي شرعي في الفضاء الديمقراطي، وإلى مواطنين يفضلون الكراهية البدائية البسيطة على الحقيقة المعقدة. مجتمع بأكمله يعتاد على رؤية الظلام كشجاعة، والتمييز كنصر، والجهل كإيمان نقي. الظل بالنسبة له هو النور".
ويضيف "أمام كل هذا، يجب أن نسأل ليس السعودية بل أنفسنا: من سيقود إسرائيل إلى الأمام. المؤمنون بالنور والإنسان، أم أنبياء الظلام والخوف؟".
ويتابع "ركوب الجمال، كما قيل، شيء جميل. إنه يحافظ على الاتصال بين الإنسان والطبيعة، بين الجسد والمنظر الطبيعي، بين إيقاع الحياة والمشاعر الداخلية. الجِمال لا تخجل من بطئها الواعي. إنها تسير في طريق طويل ومستقر - الطريق الذي تولد منه الثقافة الحقيقية.. لكن من يقود شعبه بفظاظة، وغضب مخطط، وكراهية متأصلة، هو من يتراجع إلى الوراء. هناك، في تلك الخنادق التاريخية المظلمة، يتجول سموتريتش، الممثل البارز لعالم بدائي حقا. في هذه اللحظة، السعودية هي الفيلا وسموتريتش هو الحيوان المتوحش الذي يمثل الغابة البدائية الإسرائيلية".
المصدر:
الحدث