آخر الأخبار

أوهام السيادة الجديدة تقود إسرائيل نحو الانعزال والانهيار الداخلي

شارك

الحدث الإسرائيلي

اعتبر الخبير الإسرائيلي في الشؤون الفلسطينية وضابط الاستخبارات السابق ميخائيل ميلشتاين أن الجدل الذي أثاره قانون “السيادة” والتصريحات المهينة التي أطلقها الوزير بتسلئيل سموتريتش ضد السعودية، لا يتعلق فقط بالأزمة مع واشنطن أو بالانقسامات الداخلية، بل يعكس أزمة أعمق في طريقة تفكير صانعي القرار في إسرائيل وفهمهم للمحيط الإقليمي بعد السابع من أكتوبر.

وقال ميلشتاين إن تصريحات سموتريتش التي نصح فيها السعوديين “بركوب الجِمال في الصحراء بدلًا من السعي للتطبيع”، تعبّر عن ازدراء متجذّر وجهل بالعالم العربي. وأوضح أن هذا النمط من التفكير يتكرر داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية نفسها، مستشهدًا بتعليق ضابط استخبارات فرقة غزة حين وصف خطة “جدار أريحا” قبل عملية “طوفان الأقصى” بأنها “هراء عربي”، وبخطاب بنيامين نتنياهو المعروف باسم “خطاب الصنادل” الذي حمل نظرة دونية مشابهة.

يرى ميلشتاين أن ما يقف في خلفية هذا الخطاب هو ما يسميه “المفهوم الجديد”، أي القناعة بأن الظروف باتت ناضجة لخطوات ضمّ في الضفة الغربية. وتقوم هذه القناعة على ثلاث فرضيات خاطئة: أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب سيقف مع إسرائيل في كل الأحوال؛ وأنه يمكن تمرير “ضمّ خفيف” مثل ضمّ منطقة الأغوار دون اعتراض من واشنطن أو الدول العربية؛ وأن العالم العربي بات متعبًا من القضية الفلسطينية ومستعدًا للتطبيع رغم أي خطوة إسرائيلية أحادية.

ويشير الخبير إلى أن هذه الفرضيات انهارت بشكل مدوٍ، كما ظهر في تصريحات ترامب ونائبه جاي دي فانس اللذين أعلنا الأسبوع الماضي أن واشنطن “لن تسمح لإسرائيل بالضم”. بل إن ترامب نفسه لمّح إلى إعادة النظر في قضية الأسير الفلسطيني مروان البرغوثي، في رسالة سياسية واضحة لتل أبيب. وبرغم هذه “الصفعات”، كما يقول ميلشتاين، لا يزال أنصار فكرة السيادة متمسكين بأوهامهم القديمة، كما حدث عام 2020 حين تخلت الحكومة عن مشروع الضم لصالح توقيع “اتفاقيات أبراهام”.

ويضيف ميلشتاين أن من صاغوا “مفهوم السابع من أكتوبر” هم أنفسهم الذين يروّجون اليوم لأوهام جديدة انهارت بدورها في قطاع غزة، مثل مشروع GHF الذي أُهدرت فيه مليارات الشواقل دون نتيجة، ومبادرة “الهجرة الطوعية” التي رافقها إنشاء وحدة بيروقراطية في وزارة الجيش، وكذلك “فانتازيا” تسليح العائلات والمليشيات المحلية لتكون بديلاً عن حماس، والتي انتهت في الأشهر الأخيرة باعتقال أفراد تلك المجموعات أو تصفيتهم.

ويرى أن إسرائيل، التي لم تحقق في فشلها يوم السابع من أكتوبر، ترفض أيضاً مراجعة هذه الأوهام الجديدة. بل إن صانعي القرار أنفسهم يواصلون إنتاج “خيالات” بديلة مثل خطة “غزتين”: إحداهما مزدهرة تحت السيطرة الإسرائيلية والدولية، وأخرى فقيرة ومنهارة تحت حكم حماس، في محاولة لتفكيك المجتمع الفلسطيني وترويضه. لكن هذه الخطط، بحسب ميلشتاين، تعيد إنتاج المنطق ذاته الذي قاد إلى الكارثة — من الثقة المفرطة بالنفس، وسوء فهم طبيعة الفلسطينيين، والعجز عن إدراك حدود القوة الإسرائيلية.

ويحذر ميلشتاين من أن “المفهوم الجديد” الذي تروّج له حكومة نتنياهو، وخصوصاً تيار الصهيونية الدينية، أخطر من المفهوم الذي سبق السابع من أكتوبر، لأنه لا يقوم على خطأ في التقدير بل على إيمان ديني مشبّع بالأوهام. هذا التيار، كما يقول، يؤمن بمقولة “في الأمم لا نأبه”، ويتعامل مع الانتقادات والعزلة الدولية بوصفها “عقبات على طريق الخلاص”.

ويضيف أن قادة هذا التوجه وعلى رأسهم سموتريتش لا يبالون بالعقوبات أو بالعزلة، ولا يرون مشكلة في فرض حكم عسكري في غزة أو في الاستيلاء على مزيد من الأراضي. إنهم يتحركون وفق منظومة قيم توراتية ترى في “إبادة عماليق” نموذجاً يُحتذى، وتتبنى رواية تبسيطية تقول إن “العرب لا يفهمون إلا حين تُؤخذ منهم الأرض” وإن “حيث يوجد استيطان لا يوجد مقاومة”.

هؤلاء، بحسب ميلشتاين، يقدمون أنفسهم كمن “تعلموا دروس” فشل 7 أكتوبر، لكنهم في الواقع يعيدون إنتاجه على نطاق أوسع، بدافع من قناعة دينية بأن التاريخ منحهم “فرصة معجزة” لإعادة تشكيل الواقع الجغرافي والديمغرافي والسياسي بين البحر والنهر.

ويخلص ميلشتاين إلى أن على المجتمع الإسرائيلي أن يدرك خطورة هذا “المفهوم الجديد” الذي لا يحظى بإجماع داخلي، لكنه يغيّر تدريجياً ملامح الدولة. فالسعي المحموم لدمج الضفة الغربية ضمن “إسرائيل الكبرى” يفتح الباب أمام واقع بلقاني دموي يعيش فيه شعبان متنافران بلا حدود فاصلة.

ويقول إن الخلاف لم يعد حول الوسائل أو الأهداف الاستراتيجية، بل حول هوية إسرائيل ذاتها: هل هي دولة تسعى لتكون جزءاً من المجتمع الدولي وتعيش بتواصل مع محيطها؟ أم أنها تتحول إلى حصن ديني منعزل يتمسك برؤية خلاصية متطرفة، يقوده رجال لم يتعلموا شيئاً من التاريخ اليهودي، ولا سيما كيف أن الغطرسة الدينية والجمود الأيديولوجي لطالما قادا إلى الخراب.

الحدث المصدر: الحدث
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا