آخر الأخبار

خاص الحدث| أيهم كممجي من الأسر للمنفى: غزة كانت حارس بوابة حريتنا

شارك

الحدث - مثنى النجار

في لحظة تختصر وجع السنين ودماء الأحرار، خرج أيهم كممجي، أحد أبطال عملية نفق جلبوع، من خلف القضبان الإسرائيلية بعد رحلة طويلة من الأسر والمطاردة والعذاب، ليجد نفسه مبعدًا إلى مصر، بعيدًا عن مدينته جنين التي أحبّها كما يحبّ المقاتل بندقيته الأولى.

سنوات من القهر تحوّلت إلى رمز مقاومة عالمية، حكاية ستة أسرى هزّت أركان المنظومة الأمنية الإسرائيلية، لتتحول إلى درس في الإرادة والصمود.

في هذا الحوار الخاص، يفتح أيهم قلبه، بين ألم الفقد وفخر الحرية، بين جراح غزة المشتعلة وأحلام فلسطين الواحدة، ليحكي بصراحة عن النفق، والأسر، والمنفى، وما تعنيه كلمة حرية بعد كل هذا الثمن.

الحدث: بعد سنوات من الأسر، كيف تصف لحظة تحررك من السجن ووصولك إلى مصر؟

كممجي: الشعور كان متداخلًا، مزيجًا من الفرح والوجع. حين خرجنا شعرنا بأن قلوبنا تُشقّ نصفين؛ فرحنا بالحرية، لكن حين علمنا حجم الكارثة التي عاشها أهل غزة من أجلنا، انقلب الفرح إلى وجع. أدركنا أن شعبنا قدّم تضحيات عظيمة وثمنًا باهظًا مقابل حريتنا، فحملنا هذا الثمن كدين ثقيل في أعناقنا.

الحدث: عندما وطأت قدماك أرض الحرية، ما أول ما خطر في بالك؟

كممجي: أول ما خطر في بالي أن غزة كانت الحارس الحقيقي لبوابة حريتنا. ولو عاد بي الزمن، ربما لما وافقت على الخروج من السجن، أهل غزة قدّموا أغلى ما يملكون في سبيل حرية غيرهم، ولن يفيهم حقهم إلا الله تعالى.

الحدث: كيف تلقيت قرار الإفراج وكذلك الإبعاد إلى مصر؟

كممجي: عندما أخبرني ضابط الشاباك لدى الاحتلال أنني مبعد عن جنين، قالها بوضوح: "لو رجعت، سنعيدك إلى السجن". لم أكن أتوقع أن تكون مصر هي الوجهة، لكن حين وصلت، وجدت فيها دفء العروبة الصافية. المصريون احتضنونا كأهل وأكثر، فشعرت أن الغربة تحوّلت إلى بيت.

الحدث: بعد مرور سنوات على عملية “نفق جلبوع”، ماذا علق في ذاكرتك من تلك الليلة؟

كممجي: كانت ليلة وداعٍ بلغات العيون، مليئة بالأحداث التي لا تُنسى. لم أكن أتصور أن حفرة صغيرة في أرض سجن “جلبوع” ستفتح فجوة بهذا العمق في جدار المنظومة الأمنية الإسرائيلية. كانت لحظة حقيقية من كسر الهيبة.

لكن بعد ما شهدناه في غزة من صمودٍ أسطوري، نخجل أن نتحدث عن نفق جلبوع كإنجاز شخصي؛ فالتضحيات هناك تفوق أي نصر رمزي. ومع ذلك، كانت تلك الليلة علامة فارقة في تاريخنا الوطني.

الحدث: كيف عشت لحظات الاعتقال مجددًا بعد تلك الحرية القصيرة؟

كممجي: كانت أصعب اللحظات حين حاصروا البيت الذي احتمينا به في جنين. لم يكن صاحب البيت يعرف من نحن. أطلق الجيش النار لمدة 32 دقيقة متواصلة، والرصاص يخترق الجدران والأرواح. في تلك اللحظة، شعرت أن الموت أقرب من التنفس، لكني بقيت أتمسك بالإيمان أن الحرية لا تموت وإن اعتقلوا أجسادنا.

الحدث: من خلف القضبان، كيف كنت ترى العالم؟ وهل شعرت أن العملية حققت هدفها رغم إعادة اعتقالكم؟

كممجي: كنا نتنفس من خُرم إبرة، لكن الأمل ظلّ حيًا. حين سمعنا خطابات “أبو عبيدة” و“أبو حمزة”، شعرنا أن العملية لم تنكسر، بل تحولت إلى رمز. الاحتلال تلقى ضربة أمنية غير مسبوقة، والهزيمة المعنوية كانت أعمق من أي سجن.

ولأول مرة في تاريخنا، سُجل نصر بلا دم، بلا سلاح، بل بإرادة وذكاء. تحوّلنا نحن الستة إلى رموز، وفتحنا بابًا جديدًا للأمل في الوعي العربي والعالمي.

الحدث: ما أكثر ما كان يؤلمك خلال سنوات الأسر؟

كممجي: الحرمان من حضن الأم. استُشهدت والدتي مريم وأخي سأش وأنا في السجن. لم أودّعهما، ولم ألمس كفّيهما. أكثر ما يؤلمني أني لم أكن هناك لأقول لهما شكرًا.

كانت أمي تخدم المجاهدين، تطهو لهم وتغسل ملابسهم. كانت تؤمن أن خدمة المقاومة شرف، وأنا اليوم أعيش على ذكراها.

الحدث: كيف هي علاقتك اليوم برفاقك في “نفق جلبوع”؟

كممجي: كنا ستة، لكن خلفنا رجال ظلٍّ آخرون في السجون. علاقتنا ما زالت روحية متجذرة لا تمحوها المسافات.

نذكر دائمًا الشهيد نعيم الزبيدي، ورفاقنا الذين بقوا في الأسر كغصة في القلب. ما زلت أشعر أن جزءًا مني هناك، بين جدران الزنازين، ينتظر الحرية مثلهم.

الحدث: في الجانب الإنساني، ماذا تعني لك كلمة “حرية” اليوم؟

كممجي: الحرية هي جنة الله على الأرض. كنا في الجحيم وأصبحنا في الجنة. أن تتنفس دون إذن، أن تصلي دون قيود، أن تنام دون خوف من الطرق على الباب — هذا هو المعنى الحقيقي للحرية.

أينما ذهبت، أرى في عيون الناس حبًّا واحتضانًا لقضيتنا، وخاصة في مصر؛ لقد فتحوا لنا القلوب قبل البيوت.

الحدث: ماذا لو أتيحت لك العودة للوطن؟

كممجي: لو أُتيح لي أن أعود، لما ترددت لحظة. جنين بالنسبة لي ليست مكانًا فقط، بل هواء أتنفسه. وسأظل مؤمنًا أن العودة قدر لا مفرّ منه.

الحدث: ما رسالتك لعائلات الشهداء والأسرى والمفقودين بعد حرب الإبادة على غزة؟

كممجي: أنحني أمامكم بكل فخر واعتزاز. أنتم عزّنا ومجدنا. الطينة التي خُلقت منها أرواحكم ليست طينة البشر العاديين. ما قدمتموه دين في أعناقنا لا يُسدد. أنتم من منحتم للحرية معناها وللوطن قداسته.

الحدث: كيف ترى المشهد الفلسطيني اليوم بعد ما جرى في غزة والضفة؟

كممجي: شعبنا أنهكه الحصار والقتل، ويحتاج إلى “استراحة مقاتل” ليستعيد عافيته. لكن المقاتل الحقيقي لا يرتاح إلا ليصلي، ثم يعود ليكمل الطريق.

آن الأوان للوحدة، لأن دماء الشهداء لن تسامحنا إن لم نوحّد الصف.

الحدث: هل ترى أن تجربة “نفق جلبوع” ما زالت تُلهم الجيل الجديد من الشباب؟

كممجي: نعم، وأكثر من أي وقت مضى. أرى في عيون الشباب شعلةً لم تنطفئ. جيل جديد يعرف أن الحرية لا تُمنح، بل تُنتزع.

وإن قلت للعالم كله جملة واحدة أختصر فيها تجربتي، فهي: "نحن شعبٌ وُلد ليحيا حرًّا، وسننتزع حقّنا بالحياة مهما طال ليل السجن".

الحدث المصدر: الحدث
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا