الحدث الإسرائيلي
يرى المحلل العسكري الإسرائيلي آفي يسخاروف أن مشهد الاحتفال بإطلاق سراح عشرين من الأسرى الإسرائيليين وإعادة أربع جثامين لا ينبغي أن يحجب حقيقة أن حركة حماس تستعد منذ الآن للمرحلة التالية من المواجهة مع إسرائيل. ويؤكد أن الأيام الأخيرة في غزة أظهرت بوادر عودة “السلطة” بيد الحركة واستعادة السيطرة على بعض المناطق التي تحولت خلال الحرب إلى شبه حكم ذاتي، وقد رافق ذلك، بحسبه، ممارسات قاسية انتشرت مقاطعها على الشبكات كالإعدامات لمن يُشتبه بتعاونه مع إسرائيل. وبرأيه، فإن حماس التي تقول في كل مناسبة إنها قد تتخلى عن الإدارة المدنية لصالح السلطة الفلسطينية، تتصرف ميدانيًا كمن لن يتخلى عن السيطرة الفعلية ولا عن السلاح بأي ثمن.
يشدد يسخاروف على أن أقصى ما قد تقبل به الحركة هو التنازل عن بعض مظاهر الإدارة، لكنها غير مستعدة لنزع سلاحها. ويتوقع أن تبادر في الأسابيع المقبلة إلى تجنيد آلاف العناصر في غزة، وتزويدهم بأسلحة خفيفة، مع محاولات لإحياء منظومة تصنيع الصواريخ ووسائل القتال الأخرى. ومن هنا تتبدى، برأيه، معضلة أمام الحكومة الإسرائيلية بعد إعلان الرئيس دونالد ترامب انتهاء الحرب في غزة: هل ستحافظ إسرائيل على حرية العمل وتعاود ضرب أهداف للحركة، أم تعود إلى “وهم 6 أكتوبر” باعتبار حماس “مردوعة” وربما تتيح مجددًا دخول الأموال القطرية إلى القطاع تحت لافتة “أغراض إنسانية”؟
يستحضر يسخاروف تجربة صفقة شاليط التي أفضت إلى الإفراج عن 1,027 أسيرًا وأسيرة فلسطينيين، والتي منحت حماس، كما يقول، رصيدًا شعبيًا ضخمًا في الضفة والقطاع معًا، واستثمرت الإفراج عن يحيى السنوار وآخرين لتثبيت قبضتها على غزة وتحسين قدراتها العسكرية والتحول إلى جيش عصابات منظم ومُدرّب. ومن ثم يحذّر: إذا لم تُنفَّذ خطة ترامب في شقَّي تفكيك سلاح حماس واستبدال الحكم في غزة، فقد نعود خلال سنوات قليلة، وربما أشهر، إلى مواجهة جيش عصابات لا يقل خطورة.
ويعتبر أن اللحظة الراهنة قد تحمل فرصة سياسية إذا أحسنت الحكومة الإسرائيلية استثمارها؛ إذ إن دولًا عربية، بما فيها دولتان تعدّان من أقرب الحلفاء لحماس كتركيا وقطر، أعلنت تأييدها لخطة ترامب القائمة على نزع سلاح الحركة وبناء بديل للحكم في القطاع. لكن هذا التأييد، كما ينقل، مشروط بإدخال قوة فلسطينية تستند إلى السلطة الفلسطينية للعمل داخل غزة وتولّي الإدارة هناك والمضي في مسار نزع السلاح. ويرى أن على إسرائيل استغلال هذا القدر من التوافق العربي والتعاون مع فكرة إدخال قوات تابعة للسلطة بدل الوقوف ضدها، وإلا ستجد نفسها سريعًا داخل غزة مجددًا، تطارد “نصرًا حاسمًا” سوّقه نتنياهو وحلفاؤه بلا طائل.
يقول يسخاروف إن يوم الإفراج عن عشرين أسيرًا يتيح مساحة للابتسام والفرح، لكن الصورة تبقى منقوصة: آلاف القتلى الإسرائيليين خلال العامين الماضيين تركوا عائلات وأزواجًا وأصدقاء يثقلهم الألم، ولم تُستعد جميع جثامين الأسرى، فيما تواصل حماس إطالة أمد إعادة الجثامين. ويخلص إلى أننا عدنا عمليًا إلى ما قبل 6 أكتوبر داخليًا وفي ما يتعلق بغزة: الحركة استعادت السيطرة، ولا يوجد ترتيب مستقر ينظم العلاقة بينها وبين إسرائيل.
ويحذر من أن الانقسام الداخلي في إسرائيل لم يلتئم بعد الحرب، بل يبدو أنه ازداد حدة. فالشرخ الذي فجرته معركة “الإصلاح القضائي” منذ يناير/كانون الثاني 2023 أضعف التماسك الداخلي وأرسل إشارات ضعف إلى الخصوم، على حد وصفه. حتى لحظات التلاحم والروح المعنوية العالية التي رافقت لقاء العائلات بالأسرى، وتظاهرات الدعم في “ساحة الأسرى”، تلاشت سريعًا، بينما غذّت ممارسات بروتوكولية وسياسية مثيرة للجدل الشعور بأن قواعد النظام تُطوَّع لفئات بعينها.
ومن أجل مصالحة حقيقية، يطالب يسخاروف بتشكيل لجنة تحقيق رسمية تفحص ما جرى في 7 أكتوبر/تشرين الأول وما سبقه من سنوات، وتقدّم للرأي العام كشف حساب عن إخفاقات الدولة ومنظومتها الأمنية في ذلك اليوم، على أمل أن تقود استنتاجاتها إلى حماية أفضل للمدنيين واستعادة شيء من الوحدة الداخلية ومنع تكرار الدائرة ذاتها من الصراع وثمنه الإنساني الفادح.