آخر الأخبار

7 أكتوبر وقيادة الاحتلال العسكرية.. من الذين أطاح بهم هذا اليوم؟

شارك

متابعة الحدث

بعد مرور عامين على عملية طوفان الأقصى، ما زالت تداعيات السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 تُلقي بظلالها الثقيلة على المؤسسة العسكرية والأمنية والسياسية في إسرائيل. لم يكن الحدث مجرد هجوم مباغت اخترق الحدود وأسقط مئات القتلى وأسر العشرات، بل كان زلزالًا عميقًا أطاح برؤوس كبرى في القيادة، وكشف عجزًا غير مسبوق في البنية الأمنية التي طالما افتخرت بأنها الأكثر تطورًا في المنطقة. ومع مرور 732 يومًا على الهجوم وبقاء 48 أسيرًا في غزة، تواصلت الانقسامات الداخلية والاعترافات العلنية، في مشهد يعكس حجم الفشل الذي لم تتمكن إسرائيل من محوه رغم كل ما تلا من حرب مدمرة.

في الأسابيع والأشهر التالية للعملية، تهاوت استقالات قادة كبار، كان أبرزهم رئيس الأركان هرتسي هليفي الذي أعلن تنحيه مطلع 2024 متحدثًا بوضوح عن فشل الجيش في أداء مهمته الأساسية في حماية المواطنين. اعترافه بأن هذا الفشل سيلازمه مدى الحياة شكّل صدمة للرأي العام الإسرائيلي، وفتح الباب أمام موجة من استقالات مشابهة. بعده جاء دور قائد المنطقة الجنوبية يارون فينكلمان، الذي قال في رسالة وداعه إنه فشل في حماية سكان النقب الغربي وإن هذا الفشل محفور في داخله إلى الأبد. لم يكن هذا مجرد استقالة شكلية، بل خطوة حملت في طياتها إقرارًا بأن المؤسسة التي قادت الحروب لعقود لم تعد قادرة على إخفاء إخفاقاتها.

الاستقالات لم تتوقف عند هذا الحد. رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية أهارون حليوة قدّم استقالته بعد أن اعترف بأن أمان أخفقت في تقديم التحذيرات اللازمة وأن “الفشل الاستخباري” كان أصل الكارثة. كان أول من بادر إلى الاعتراف العلني في أيام الحرب الأولى، الأمر الذي منحه لقب “الضابط الذي لم ينكر”. أما قائد فرقة غزة أبي روزنفلد فكتب في استقالته أن مهمة حياته كانت حماية الغلاف، لكنه لم ينجح فيها. إلى جانبهم، قدّم أوديد باسيوق رئيس شعبة العمليات استقالته هو الآخر بعد ضغوط كبيرة، رغم أن التحقيق لم يُثبت تقصيرًا مباشرًا في أدائه.

في موازاة هذه الموجة من الاستقالات الطوعية، جاءت الإقالات بقرار سياسي من بنيامين نتنياهو الذي اختار التضحية بعدد من المسؤولين لتفادي تحميل نفسه المسؤولية. وزير الحرب يوآف غالانت أُقيل في تشرين الثاني/نوفمبر 2024، بعد أن كان قد ظهر في البداية رمزًا للتماسك. إقالته الثانية خلال أقل من عامين عكست مدى تفاقم الخلاف داخل القيادة السياسية–العسكرية. رئيس الشاباك رونين بار لقي المصير ذاته في آذار/مارس 2025، بعد صدام مباشر مع نتنياهو وفي ظل ما عُرف بفضيحة “قطر-غيت”. بار ردّ باتهام القيادة السياسية بتجاهل تحذيرات جهازه قبل الهجوم، مؤكدًا أن سبب الإقالة سياسي بالدرجة الأولى، وأن نتنياهو اختار التخلص منه بعد أن رفض الاستقالة طوعًا.

لم تخلُ الساحة من أصوات غاضبة استغلت لحظة الخروج من الخدمة لتوجيه نقد لاذع للجيش. نمرود ألوني، الذي قاد فرقة غزة قبل طوفان الأقصى وعاد لاحقًا إلى قيادة “مقر العمق”، ألقى خطابًا ناريًا في وداعه قال فيه إنه يغادر جيشًا “دُنس فيه مفهوم المسؤولية” ولم يعد قادرًا على مواجهة إخفاقاته بصدق. في المقابل، كان موقف أمير برعام نائب رئيس الأركان ملتبسًا، إذ قدّم استقالته بداية 2024 بحجة أن مساهمته أصبحت محدودة، لكنه عاد بعد أسابيع ليُعيّن مديرًا عامًا لوزارة الأمن، وهو ما اعتبره كثيرون تهربًا من المسؤولية أكثر من كونه اعترافًا بها.

رغم هذا السيل من الاستقالات والإقالات، تمسّك بعض القادة بمواقعهم. نتنياهو في المقدمة، رافضًا الاعتراف بمسؤوليته المباشرة، مكتفيًا بالقول إن “الامتحان اليومي أمام الرأي العام هو الحكم”. هذا الموقف اعتُبر مراوغة سياسية واضحة، إذ ظل يحمّل مسؤولية الفشل لغيره بينما يتباهى بالنجاحات العسكرية اللاحقة. رئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي لم يقدم بدوره أي استقالة، رغم أن المجلس أُنشئ أصلًا عقب حرب 1973 لتفادي تكرار الإخفاقات. أما تومر بار، قائد سلاح الجو، فقد اختار إكمال ولايته حتى النهاية، ليكون واحدًا من آخر من تبقى من قيادة ما قبل الطوفان في منصبه.

كل هذه التطورات تعكس أن طوفان الأقصى لم يكن مجرد معركة عابرة أو هجوم استثنائي، بل تحول إلى أزمة قيادة وطنية تهدد تماسك الكيان من الداخل. الاعترافات العلنية بالمسؤولية من قادة الجيش والاستخبارات قوّضت صورة المؤسسة العسكرية كحصن منيع، فيما كشفت المواقف السياسية عن حالة إنكار وعناد يقودها نتنياهو ودوائر الحكم. وبين من اعترفوا بفشلهم ومن تمسّكوا بمقاعدهم، ظلّ المشهد الإسرائيلي يعيش أزمة ثقة متصاعدة، ليس فقط بين الجيش والجمهور، بل بين المجتمع والدولة نفسها. إنها أزمة مركبة، عنوانها الأبرز أن السابع من أكتوبر لم ينتهِ مع انتهاء المعركة، بل يستمر كجرح مفتوح ينهش شرعية المنظومة بأكملها.

الحدث المصدر: الحدث
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا