الحدث الإسرائيلي
اعتبرت صحيفة يديعوت أحرونوت أنّ فوز الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في انتخابات نوفمبر الماضي أثار موجة تفاؤل عارمة في أوساط أحزاب الصهيونية الدينية والمستوطنين. هؤلاء رأوا في عودته إلى البيت الأبيض فرصة تاريخية لتحقيق مشروع ضم الضفة الغربية. وزير مالية الاحتلال بتسلئيل سموتريتش أعلن حينها أن عام 2025 سيكون “عام السيادة”، بينما سارع وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير للترحيب من على منصة الكنيست قائلاً: “حان وقت السيادة”.
غير أنّ الصحيفة العبرية أشارت إلى أنّ هذه الآمال اصطدمت بتصريحات ترامب الأخيرة من البيت الأبيض، حيث أكد أنه لن يسمح بضم الضفة الغربية. فقد قال بالحرف: “لن أسمح لإسرائيل بضم الضفة. هذا لن يحدث. آن الأوان للتوقف”. وبحسب يديعوت أحرونوت، شكل هذا الموقف خيبة أمل عميقة لقيادات المستوطنين الذين كانوا يعتبرون فوزه ضوءًا أخضر لمشروع “أرض إسرائيل الكبرى”.
وتوضح الصحيفة أنّ قادة المستوطنات عززوا خلال الفترة الماضية علاقاتهم مع الحزب الجمهوري، معتقدين أن ذلك سيمهّد الطريق لتحويل البؤر الاستيطانية إلى مستوطنات شرعية وتوسيع البناء، بل وحتى التوجه لإقامة بؤر جديدة في شمال قطاع غزة مستغلين الحرب الدائرة هناك. وأضافت يديعوت أحرونوت أن سموتريتش، مستندًا إلى موقعه في وزارة الجيش، وجّه تعليمات لإعداد “البنية التحتية القانونية” تمهيدًا لفرض السيادة على الضفة.
كما نقلت الصحيفة أنّ حكومة الاحتلال صادقت على خطط مثيرة للجدل، منها بناء 3,400 وحدة استيطانية في المنطقة المعروفة بـE1 قرب القدس المحتلة، وهو المشروع الذي وصفته الأوساط الإسرائيلية اليسارية بأنه “مسمار أخير في نعش الدولة الفلسطينية”. ووفق يديعوت أحرونوت، شملت القرارات أيضًا إقامة مستوطنة جديدة جنوب الخليل والاعتراف بمئات الدونمات في نابلس كـ”أراضي دولة”، ما يفتح الباب لتوسيع بؤر استيطانية وتحويلها إلى مستوطنات رسمية.
وأشارت الصحيفة إلى أنّ هذه الخطوات أثارت موجة رفض دولية واسعة. فبريطانيا، إلى جانب كندا وأستراليا ونيوزيلندا والنرويج، فرضت عقوبات على سموتريتش وبن غفير، فيما شدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمام الأمم المتحدة على أنّ “الأسوأ لم يأت بعد”. أما الرئيس الفلسطيني محمود عباس فقد استغل خطابه أمام الجمعية العامة ليجدد الدعوة إلى وقف الاستيطان، مندّدًا بما وصفه بـ”سياسات الاحتلال التي تعزل القدس وتوسع البناء في منطقة E1”.
وأضافت يديعوت أحرونوت أنّ القلق الأبرز جاء من الإمارات، الدولة التي قادت مسار اتفاقيات التطبيع. فقد حذرت أبوظبي من أنّ الضم سيكون “خطًا أحمر” يهدد العلاقات، فيما نقلت وكالة “رويترز” عن مصادر خليجية أنّ أي خطوة إسرائيلية بهذا الاتجاه قد تؤدي إلى خفض مستوى العلاقات أو حتى سحب السفير. وبحسب الصحيفة، فإنّ ترامب نفسه طمأن قادة عرب في نيويورك بأنه لن يسمح بالضم، ما زاد الضغط على حكومة الاحتلال.
وتابعت الصحيفة العبرية أنّ ما يسمى “مجلس يشع” الاستيطاني أعلن عن إرسال “بعثة طوارئ” إلى نيويورك للقاء نتنياهو قبل اجتماعه مع ترامب، في محاولة لدفعه إلى إعلان السيادة في الأمم المتحدة. ووفق ما نقلته يديعوت أحرونوت عن يوسي دغان رئيس مجلس مستوطنات شمال الضفة، فإن “الكرة في ملعب نتنياهو”، داعيًا إلى فرض السيادة فورًا “لمنع قيام دولة فلسطينية”.
لكن في المقابل، نقلت الصحيفة عن رئيس مجلس بيت إيل أنه توقّع هذا الموقف الأميركي، معتبرًا أنّ أولويات نتنياهو الحالية تبقى الحرب على غزة وتصفية حماس، وأن الضم قد يتأجل قليلًا لكنه “سيأتي في النهاية”. أما بقية قادة المستوطنات فواصلوا، وفق يديعوت أحرونوت، المطالبة باستغلال الظرف الدولي ووجود ترامب في الحكم لتمرير مشروع الضم، حتى ولو كان بشكل جزئي أو متدرّج.
وبهذا، خلصت يديعوت أحرونوت إلى أنّ نتنياهو يقف اليوم بين سندان ضغوط المستوطنين الذين يرون في الظرف الحالي فرصة تاريخية، ومطرقة التهديدات الدولية والعربية التي تحذّر من أن أي خطوة أحادية الجانب قد تعني نهاية “اتفاقيات أبراهام” ومزيدًا من العزلة. وبين هذه الضغوط، يبقى مستقبل مشروع الضم رهينة حسابات سياسية معقدة في الداخل والخارج.