آخر الأخبار

هجوم الدوحة وعقيدة "لا مكان آمن للعدو"

شارك

متابعة الحدث

الهجوم الإسرائيلي على الدوحة أعاد خلط الأوراق الإقليمية بصورة غير مسبوقة، إذ استهدف قادة حماس في قلب دولة ترتبط بعلاقات سياسية وأمنية مع “إسرائيل” دون أن يكون بينهما اتفاق سلام، ودون أن تشكل قطر جبهة مواجهة مباشرة. ما يجعل العملية سابقة تاريخية هو أنها ضربت في العمق الدور الوسيط الذي لعبته الدوحة خلال السنوات الماضية في التهدئات المتكررة في غزة، بل وخلال الحرب الراهنة في مفاوضات الأسرى. الإعلام العبري نفسه أقر بأن العملية تشكل مقامرة غير محسوبة، وأن المؤسسة الأمنية في “إسرائيل” متشككة في نتائجها وجدواها خاصة وأن هدفها المركزي باغتيال قادة حماس قد فشل.

التداعيات السياسية بدت فورية، فـقطر اتهمت “إسرائيل” بممارسة “إرهاب دولة” وأكدت أن العملية تهدد كل قنوات الوساطة. وفي تقارير عبرية تسرّبت أجواء من التوتر في العلاقة مع واشنطن، وصلت إلى حد تلميح مسؤول قطري بارز أمام المبعوث الأميركي ويتكوف بأن الدوحة قد تبحث عن شريك أمني آخر. هذه الرسالة، إن صحّت، تمثل انقلابًا في معادلة طالما اعتبرت أن وجود قاعدة العديد الأميركية هو ضمانة للأمن القطري. أما على المستوى الدولي، فقد انعقد مجلس الأمن بدعوة عربية وسط انتقادات علنية من عواصم غربية حليفة تقليديًا لـ”إسرائيل”.

الإدانات العربية والدولية أكدت عزلة “إسرائيل” بعد هذه الضربة، إذ سارعت عواصم عربية مركزية مثل السعودية ومصر وتركيا وسوريا والكويت والجزائر للتعبير عن رفض واضح، فيما رأت موسكو وبكين أن ما جرى انتهاك صريح لسيادة دولة عضو في الأمم المتحدة. اللافت أن بعض الصحف العبرية أشارت إلى أن القاهرة وأنقرة كانتا قد حذرتا قيادة حماس قبل أسابيع من رفع مستوى الحذر بسبب معلومات عن نية “إسرائيل” تنفيذ اغتيالات خارجية. هذا يعكس خشية هذه الدول من أن يتوسع نطاق الاستهداف إلى أراضيها وما يحمله ذلك من تهديد مباشر لمعادلات أمنية دقيقة.

على المستوى العسكري-العقائدي، ينظر إلى ضربة الدوحة كجزء من مسار أوسع من كسر المحرمات في عقيدة “إسرائيل” الهجومية. فهي امتداد لاستهداف منشآت نووية إيرانية، واحتلال أراضٍ وضربات شبه يومية في سوريا، وعمليات علنية في لبنان، وحتى هجمات على أهداف مرتبطة بأنصار الله. العقيدة الجديدة، كما تصفها تحليلات عبرية، تقوم على قاعدة “لا ملاذ آمن للعدو”، لكن الثمن هو توسيع ساحة الصراع إلى فضاءات إقليمية ودبلوماسية كانت حتى وقت قريب خارج معادلة النار المباشرة.

أما تهديد نتنياهو بملاحقة قادة حماس “في كل مكان” فيكشف معضلة المحاذير. في تركيا، أي عملية اغتيال ستعني صدامًا مع عضو في الناتو، وتحمّل “إسرائيل” تبعات دولية كبرى. وفي مصر، المسألة أخطر، فهي ترتبط باتفاق سلام وبحدود سيناء الحساسة، وأي اختراق لسيادتها يعني انهيار تفاهمات استراتيجية عمرها عقود. الصحف العبرية نفسها حذرت من أن ضرب قادة حماس في أنقرة أو القاهرة سيخلق أزمة وجودية في العلاقات.

انتهت عملية الدوحة إلى نتائج عكسية: إدانات واسعة، ارتباك في ملف الأسرى، وتهديد بانهيار منظومة الوساطة. لذلك يمكن تقدير أن ما جرى لن يكون ضوءًا أخضر لـ”إسرائيل” بل كابوسًا من المحاذير. فالتجربة القطرية رفعت كلفة المخاطرة، وأظهرت أن المكاسب التكتيكية لا توازي الثمن السياسي. التقدير المرجح أن صانعي القرار في “إسرائيل” سيدرسون بعناية كل خطوة لاحقة، وأن الدوحة ستظل نقطة تحذير قصوى تجعل تكرار السيناريو في عواصم أخرى أشبه بمقامرة تهدد بانفجار إقليمي أكبر.

الحدث المصدر: الحدث
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا