محللون لـ الحدث:
الاحتلال يعربد ويستولي ويسرّع من مخططاته لأنه يشعر بمأزق حقيقي قادم
أقوى ما لدى الفلسطينيين وحدتهم الوطنية ويجب وضع أجندة للتفكير في الخطوة التالية واتخاذ قرارات مجمع عليها يتحملها الجميع
الحدث - سجود عاصي
مع تصاعد النقاش الدولي حول الاعتراف بالدولة الفلسطينية، لاحقا للاحتجاجات الشعبية العالمية عقب مجازر الإبادة المروعة في قطاع غزة، تتحرك سلطات الاحتلال على الأرض في الضفة الغربية المحتلة بخطوات متسارعة تهدف إلى تقويض أي معنى فعلي للاعتراف المرتقب بالدولة الفلسطينية الشهر المقبل. ففي الوقت الذي تتزايد فيه المؤشرات السياسية على أن المجتمع الدولي قد يتجه لاتخاذ خطوات رمزية أو عملية تجاه الاعتراف بفلسطين كدولة، يرد الاحتلال بمحاولات ميدانية ممنهجة لفرض واقع جديد، يقوم على تكثيف الاستيطان، توسيع الضم الفعلي، شن حملات اعتقال واسعة، وتصعيد الاقتحامات، بالتوازي مع إطلاق العنان للمستوطنين ليمارسوا اعتداءاتهم وعربداتهم بشكل غير مسبوق.
هذا التوازي بين الحراك الدبلوماسي الخارجي والاعتداءات في الضفة الغربية؛ يعكس استراتيجية الاحتلال في تفريغ أي خطوة سياسية لصالح الفلسطينيين من مضمونها العملي، وتحويلها إلى مجرد إعلان شكلي -إذا تم الاعتراف بفلسطين كدولة بشكل فعلي- لا يغيّر من موازين السيطرة على الأرض شيئًا، رغم النظر إليه فلسطينيا كخطوة تحمل بعداً سياسياً ومعنوياً كبيراً، غير أن سلطات الاحتلال تقرأ هذا التوجّه بوصفه تهديدا استراتيجيا لمشروعها الاستيطاني ولروايتها القائمة على نفي الوجود الفلسطيني، ولذلك تسعى إلى إجهاض أي أثر فعلي للاعتراف عبر تسريع الوقائع الميدانية على الأرض بالقمع والاعتداءات والعمليات العسكرية، التي هي في مضمونها إبادة ثانية في الضفة بالتزامن مع الإبادة المستمرة مع قطاع غزة.
من أبرز ملامح هذه السياسة تسريع مشاريع الضم الزاحف والاستيطان المكثف، حيث تتعامل حكومة الاحتلال مع كل إعلان دولي محتمل لصالح الفلسطينيين كإشارة للرد بتوسيع السيطرة على الضفة الغربية؛ فخلال الأشهر الأخيرة، صعّد الاحتلال من وتيرة المصادقة على مخططات البناء الاستيطاني، بالتوازي مع إجراءات قانونية إسرائيلية تسعى لتكريس الضفة كجزء من "السيادة الإسرائيلية" الفعلية، رغم مخالفة ذلك للقانون الدولي.
كما يعتمد الاحتلال على تكتيكات ميدانية مباشرة لفرض واقع الخوف والتفريغ السكاني، مثل الاعتقالات الجماعية، الاقتحامات اليومية، وترك المستوطنين يعربدون في القرى والبلدات الفلسطينية، وهذه الممارسات لا يمكن فصلها عن سياق محاولة الاحتلال خلق مشهد على الأرض يجعل أي اعتراف بدولة فلسطينية فاقداً للجدوى، لأن الدولة حينها ستقوم – إن قامت – على أراضٍ مجزأة ومطوّقة، وبلا سيادة حقيقية.
أجمع محللون سياسيون تحدثوا لـ صحيفة الحدث، على أن ما يجري على الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، هو خطوات استباقية ومتسارعة في محاولة لتفريغ "الاعتراف" بالدولة الفلسطينية المرتقب، من مضمونه، لذلك، اتجهت سلطات الاحتلال إلى عمليات متسارعة تشمل الضم والاستيطان والاعتقالات بالجملة وكذلك الاقتحامات غير المسبوقة وغير المعهودة بالإضافة إلى "إفلات" المستوطنين ليعربدوا في الضفة كما يشاؤون؛ لفرض أمر واقع جديد.
خطوات الاحتلال الاستباقية لتفريغ الاعتراف بالدولة الفلسطينية
يقول المحلل السياسي والكاتب محمد القيق، إن إجراءات تكثيف عمليات الاقتحامات في الضفة المحتلة والحواجز على مداخل المدن والبلدات والقرى بشكل لم يكن معهودا سابقا؛ تحمل رسالة سياسية مباشرة للاتحاد الأوروبي بأن "ما نتوقع أن تقومون به، سيكون وهما وسراطا، لأننا نسيطر على الضفة الغربية كاحتلال"، وهذه الرسالة لجس نبض المجتمع الدولي كذلك.
وأضاف القيق، أن هذا التصعيد الإسرائيلي في الضفة، يريد تثبيت معادلة، أن هناك مناطق محددة في الضفة الغربية يستطيع الفلسطينيون التحرك فيها وهي تلك المصنفة أ و ب، أما المناطق المصنفة ب؛ فهي تحت تصرف المستوطنين لإقامة وتوسع دولتهم فيما يسمى بـ "يهودا والسامرة"، مشيرا إلى أنهم يسمون الفلسطيني الذي يعيش فيها بـ"العربي المؤقت"، حيث يشير هذا المصطلح في مناهجهم إلى مؤشر ليس بالإيجابي على التحرك الميداني القادم من خلالهم سواء بإنشاء المستوطنات أو بالعمليات العسكرية الموسعة في الضفة الغربية المحتلة، أو بإطلاق العنان ليد المستوطنين.
ويرى القيق في مقابلة خاصة مع "صحيفة الحدث"، أن هذه الخطوات، تبعث برسالة إسرائيليا، ذات أبعاد اقتصادية ومالية بامتياز، اللذان هما رأس السيادة في كل دولة أو منطقة، مثل قطع أموال المقاصة وإرباك الحالة المالية الفلسطينية ورفض التعامل مع موضوع أزمة فائض الشيقل التي خلقت وستخلق مشاكل اقتصادية ضخمة تشمل الاستيراد والتصدير والحوالات المالية والإيداع، وهذا مربك للاقتصاد الفلسطيني والاستثمار فلسطينيا، ناهيك عن اقتحام وإغلاق مداخل المدن والقرى بالسواتر والبوابات الحديدية والحواجز العسكرية وفرض قيود على تنقل الفلسطيني.
وهذا وفق القيق، فإن الاحتلال يسير على ثلاثة أوتار بالتزامن؛ أولها الاقتصاد وتدميره ومحاولة إضعاف السيادة والسيطرة الفلسطينية، وثانيها الحالة الأمنية في المدن الرئيسية وفي النهار على وجه التحديد حتى تصبح الحياة اليومية للفلسطيني مقلقة، بالإضافة إلى توسيع المستوطنات، وهذه كله يصب في مخطط "إسرائيل الكبرى"، الذي فيما لو نجح الاحتلال في ملفي غزة والضفة فإنه يكون قد أنهى المرحلة الأولى نحو مخطط "الشرق الأوسط الجديد" الذي يسعى له وباركه ترامب والاتحاد الأوروبي بشكل غير مباشر، لذلك فإن رئيس حكومة الاحتلال والمطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بنيامين نتنياهو يسرع في خطواته قبل نهاية سبتمبر أيلول المقبل وهو الموعد المرتقب للإعلان عن الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
تكثيف الاقتحامات والاعتقالات: رسالة سياسية للمجتمع الدولي
أما الأكاديمي والمحلل السياسي أحمد رفيق عوض، فاعتبر أن إسرائيل تريد أن تعمق الهجوم على الضفة الغربية المحتلة وتوسعه كذلك، لأنها عمليا ترغب في تغيير التركيبة الجغرافية والديمغرافية للضفة الغربية المحتلة، ما يشير إلى أن إسرائيل فعليا تهدف إلى إحراج السلطة الفلسطينية وإضعافها أمام جمهورها الفلسطيني.
وقال عوض في لقاء خاص لـ "صحيفة الحدث"، إن الاحتلال الإسرائيلي يريد أن يقول للعالم حتى ولو كان زاعما، إن في الضفة بنية عسكرية وتمويلا عسكريا وفيها جبهة قد تنذر بعمليات مقاومة كعملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023، معتبرا أن الضفة الغربية جبهة حقيقية لا يستهين بها الاحتلال، بما يخفي تحته النية الإسرائيلية المبيتة لفرض السيادة وتفكيك الضفة على المستوى السياسي والاجتماعي، من خلال الاقتحامات والاعتقالات واستباحة الأرض الفلسطينية وخلق الأزمات أمام السلطة مثل الوقود والطرق والرواتب والحواجز وغيرها.
وأكد، أن ما يجري يؤكد بوضوح أن إسرائيل تريد استباق الاعتراف الأوروبي بالدولة الفلسطينية، بإفراغ هذا الاعتراف من مضمونه، بما يشمل الضم والاستيطان ومحاولة إضعاف السلطة والاعتقالات والاقتحامات وغيرها، مشيرا إلى أن هذه الاقتحامات قد تكون لاختبار ردة فعل الفلسطينيين وكسر حاجز تصنيفات المناطق ( أ، ب، ج)، وتطبيع العين والحياة اليومية بجانب الجيب الإسرائيلي والآلة الإسرائيلية العسكرية وكذلك تدريب الإسرائيليين أنفسهم على الاقتحامات لمراكز المدن وسط ازدحامها بالناس، مؤكدا أن الميدان سيكون له وقع مهم في الفترة المقبلة، إما بالصمت أو بالرد.
ووفق المحلل السياسي القيق، فإن السلطة في مأزق كبير جدا، بعدما نفذت ما أرادته أمريكا وإسرائيل من خلال الشروط الأمنية والحالة الاقتصادية، لذلك تفاجأت بأن الموضوع ليست له علاقة بالترتيبات الأمنية والسياسية، وإنما له علاقة بالوجود الفلسطيني، وأن الإسرائيلي غير راغب بهيكل السلطة الحالي، ولا يريدون سوى فلسطينيين في تجمعات سكانية منقطعة الجغرافيا والإدارة والسيادة بحيث تكون تجمعات سكانية ضمن "دولة وسيادة إسرائيل"، وهذا ما يدل عليه التأجيل المتكرر لمشروع E1، للبقاء ضمن الحالة الأمنية والسياسية القائمة، حتى أعادت إسرائيل هيكلة الأمر الواقع في الضفة والقدس، حيث بات الإسرائيلي ينظر للسلطة على أنها جسم يجب أن يقسم على مجموعات، وبالتالي هذا ما استشعرته السلطة مؤخرا، بحسب القيق.
خيارات السلطة الفلسطينية والفلسطينيين أمام الواقع الجديد
وأوضح، أن أمام السلطة خيارين؛ الذهاب إلى حالة وفاق وطني ووحدة وطنية لتقوية الموقف الفلسطيني الداخلي أمام جامعة الدول العربية والمجتمع الدولي، وخيار المقاومة الشعبية يبدو أنه عمليا فشل وتم إعدامه طالما قطعت رواتب الجرحى والأسرى والشهداء، موضحا: أي مقاومة لهجوم المستوطنين مثلا سيتم اعتقال الفلسطيني ولن يكون هناك أي معيل لعائلته وهذا انعكس سلبا على أداء المقاومة الشعبية في الآونة الأخيرة" وفقا للقيق.
وأكد، أن الفلسطينيين لديهم في جعبتهم الكثير، وأقوى ما لديهم الوحدة الوطنية التي هي كفيلة بتجديد الشرعية للرئيس الفلسطيني محمود عباس، وإعادة الثقة في البيت الفلسطيني الداخلي وترتبه على أساس التوافق الفلسطيني والثوابت الفلسطينية المشتركة، دون أن يحاول طرف على الصعود على حساب الآخر، لأن الإسرائيلي لا يريد للفلسطيني وجودا في الضفة الغربية، ودون أن تبقى حالة الحزبية طاغية يستفيد منها الاحتلال، ووضع أجندة للتفكير في الخطوة التالية ووجود قرار وطني استراتيجي مجمع عليه يتحمله الجميع.
وعن الاعتراف بالدولة الفلسطينية، رغم استبعاد القيق أن تتم هذه الخطوة على أرض الواقع؛ قال: سنكون أمام واقع جديد، رغم أن الأوروبي يكذب ويدرك جيدا أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية تتبعه خطوات قانونية وسياسية هو ليس في وارد أن يتحملها، مثلا التعامل مع المستوطنين الذين يحملون الجنسية الفرنسية، وغير ذلك الكثير مما سيضع بعبء كبير على أوروبا، مشيرا إلى أن الدول الأوروبية انصاعت للضغوط الشعبية بخصوص الدولة الفلسطينية لكنها لن تسير للنهاية في هذا الملف الذي سينعكس على الفلسطينيين.
ويرى أحمد رفيق عوض، أن السلطة الفلسطينية هوامشها ضيقة بالعمل، وإسرائيل وحليفتها أمريكا تديران الظهر للسلطة الفلسطينية بنوايا إحباطها وإضعافها، وتأثيرها على الأحداث أيضا قليل جدا، خاصة وأن إسرائيل ذاهبة إلى النهاية وتحاول أن تملي بشروطها على المنطقة كلها.
وتسيطر نقاشات سياسية حادة في على الاجتماعات السياسية لدى الاحتلال، عقب تسريب كشفته الصحيفة ذاتها، يفيد بأن وزير الشؤون الإستراتيجية في حكومة الاحتلال رون ديرمر أبدى دعمه في اجتماع مصغّر مع رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو لخطوة فرض السيادة على الضفة الغربية، وذلك في ظل التوجّه الفرنسي نحو الاعتراف بدولة فلسطينية، حيث إن “السيادة ستُفرض في الضفة الغربية، والسؤال فقط على أي جزء منها”.
ودعا عضو الكنيست سمحا روتمان من حزب “الصهيونية الدينية” نتنياهو وأعضاء حكومته إلى استغلال اللحظة، مؤكدًا أن “السيادة على أرض إسرائيل ليست ردًا على خطوات دولية، بل هي الخيار الوحيد لضمان مستقبل الدولة العبرية”.
وكانت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية قد كشفت كواليس النقاشات الدائرة داخل أروقة حكومة الاحتلال حول مسألة فرض “السيادة الإسرائيلية” على الضفة الغربية، وبحسب الصحيفة قد تكون الظروف السياسية والدبلوماسية مواتية أكثر من أي وقت مضى لتنفيذ هذه الخطوة، خصوصًا مع اقتراب موعد انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر، حيث يُتوقّع أن تعلن فرنسا وعدد من الدول عن الاعتراف بدولة فلسطينية.