الحدث الإسرائيلي
يرى ضابط الاستخبارات الإسرائيلي السابق ميخائيل ميلشتاين أن إعلان وزير المالية في حكومة الاحتلال بتسلئيل سموتريتش المصادقة على خطط استيطانية جديدة في منطقة E1 قرب القدس، يمثّل ضربة قاصمة لفكرة الدولة الفلسطينية، ويجسّد رؤية سياسية تهدف إلى تكثيف الاستيطان ودفعه إلى نقطة اللاعودة. وبحسبه، فإن هذه الخطوة لا تقتصر على كونها قرارًا تقنيًا، بل تُعبّر عن مشروع استراتيجي يستهدف منع أي إمكانية مستقبلية للانفصال عن الفلسطينيين أو التوصل معهم إلى تسوية سياسية.
ويشير ميلشتاين إلى أن هذا الإعلان مرّ مرورًا عابرًا داخل "إسرائيل" المنشغلة بالحرب على غزة والصراعات الداخلية، لكنه أثار في المقابل موجة إدانات حادة في الساحة الدولية، بما في ذلك من حلفاء تقليديين للاحتلال. ويرى أن هذه التطورات تنذر بوقوع "تسونامي سياسي" قد يبلغ ذروته في سبتمبر المقبل، مع توقّع أن يشهد العالم اعترافًا واسعًا بالدولة الفلسطينية، في وقت تبدو فيه "إسرائيل" عاجزة عن صدّ هذه الموجة أو التخفيف من تبعاتها.
ويضيف أن الخطر لا يكمن فقط في البعد الرمزي للاعتراف الدولي، بل أيضًا في تداعيات اقتصادية وأكاديمية وعلمية بدأت ملامحها بالظهور بالفعل، وهو ما سينعكس على مجمل حياة الإسرائيليين. غير أن القيادة في تل أبيب – كما يقول – ما زالت تفسّر هذه الضغوط باعتبارها "معاداة للسامية"، بينما الواقع يعكس رفضًا عالميًا متصاعدًا للسياسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة.
ويلاحظ ميلشتاين أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يتأرجح بين خطاب متشدد يستحضر رموز "أرض إسرائيل الكبرى"، وبين لهجة أكثر مرونة كما حدث في واشنطن حين تحدث عن "إدارة ذاتية فلسطينية". ويؤكد أن تصوير الانتقادات الدولية على أنها كراهية لليهود ليس سوى محاولة لخلق شعور جماعي بالحصار وتشجيع المجتمع الإسرائيلي على الاصطفاف خلف القيادة وتبرير خياراتها المثيرة للجدل.
ويشدّد على أن سموتريتش يعتبر الحرب الراهنة فرصة لإحداث "تغيير في الحمض النووي" للضفة الغربية عبر تسريع الاستيطان، في مسعى لإغلاق الباب نهائيًا أمام أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية. ويرى أن ما يجري في الضفة قد يكون مقدمة لنموذج مشابه في غزة، حيث يتم فرض واقع جذري جديد تحت شعار "دروس 7 أكتوبر"، بينما يتم تجاهل رأي الشارع الإسرائيلي.
ويحذر ميلشتاين من أن هذه السياسات تستند إلى افتراضين خطيرين: الأول أن الولايات المتحدة ستظل داعمًا مطلقًا لـ"إسرائيل" حتى في خطوات الضم، والثاني أن الرأي العام العالمي غير ذي قيمة. لكنه يوضح أن الرهان على واشنطن يضيّق هوامش المناورة ويضر بالعلاقات مع عواصم غربية مؤثرة، كما يتجاهل طبيعة السياسة الأمريكية المتقلبة. أما الركيزة الثانية فتستند إلى مفاهيم توراتية مثل "إبادة عمليق" و"عقيدة يشوع بن نون"، وهي إشارات تُثير قلقًا دوليًا واسعًا حول طبيعة التحولات الفكرية داخل الدولة العبرية.
ويخلص ميلشتاين إلى أن أخطر ما يلوح في الأفق هو الانزلاق نحو واقع "الدولة الواحدة"، وهو جوهر الخطة التي طرحها سموتريتش عام 2017، وتقضي بإنشاء كيان واحد بين البحر والنهر يضم شعبين متقاربين عددًا لكن في إطار نظام يمنح امتيازات غير متكافئة. ويرى أن هذا السيناريو يشكل تهديدًا مباشرًا للمشروع الصهيوني، إذ ينذر بصراعات داخلية شبيهة بما جرى في البلقان، وبعزلة دولية تُقارب تهمة الفصل العنصري، فضلًا عن معضلة ديموغرافية تهدد الاستقرار.
ويختم بالقول إن العزلة الدولية قد بدأت بالفعل، غير أن ذروتها لم تأت بعد، مرجّحًا أن تظهر ملامحها في الأسابيع المقبلة. أما الخطر الأشد – بحسبه – فيتمثل في ابتلاع الضفة الغربية بصمت تحت غطاء الحرب. ولذلك يدعو المجتمع الإسرائيلي إلى طرح أسئلة جوهرية على قيادته بشأن سياساتها في الضفة، تلك الساحة التي تبدو هادئة في ظاهرها لكنها تحمل بذور كارثة استراتيجية.