الحدث الإسرائيلي
أكد خبراء قانونيون من داخل دولة الاحتلال أن قرار اجتياح قطاع غزة، المتوقع أن يُطرح على طاولة المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية (الكابينيت) مساء اليوم، ينطوي على مخاطر جسيمة على الصعيد القانوني الدولي، وقد يُدخل الاحتلال في مواجهة مباشرة مع مؤسسات العدالة الدولية، ويُعرضه لعزلة خانقة وتبعات استراتيجية قد تُغير موقعه في النظام الدولي. ورغم أن القانون الدولي لا يحظر الاحتلال العسكري بحد ذاته، إلا أنه يفرض شروطًا صارمة تجعل من الصعب على سلطات الاحتلال تلبية الحد الأدنى من متطلباته.
وبحسب الدكتورة دنا وولف، المتخصصة في القانون الدولي ورئيسة قسم القانون والأمن في جامعة رايخمان، فإن الاحتلال لا يُعدّ شرعيًا إلا إذا كان مؤقتًا، ويهدف فقط إلى حفظ النظام العام وسلامة السكان المدنيين، دون المساس بحقوقهم أو مواردهم. وتوضح أن الاحتلال يُعرّف بأنه سيطرة فعلية لقوة أجنبية معادية على أرضٍ ليست لها، ويترتب عليه التزامات ثقيلة تجاه السكان الواقعين تحت السيطرة، وفي مقدمتها ضمان أمنهم، وتوفير الخدمات الأساسية لهم، واحترام البنية التحتية وعدم استغلالها.
أما الدكتور إيرن شمير بورير، الرئيس السابق لقسم القانون الدولي في النيابة العسكرية، والمدير الحالي لمركز الأمن القومي في “المعهد الإسرائيلي للديمقراطية”، فيشير إلى أن سلطات الاحتلال قد تكون أصبحت، بحكم الأمر الواقع، قوة احتلال كاملة على أغلب مناطق القطاع، حتى قبل اتخاذ قرار رسمي. ويستند في ذلك إلى تقارير تفيد بأن جيش الاحتلال يسيطر حاليًا على نحو 75% من مساحة قطاع غزة، وهو ما يجعل كثيرًا من الدول تنظر إلى “إسرائيل” على أنها بالفعل تتحمل مسؤولية قانونية كاملة كقوة احتلال.
ويضيف شمير بورير أن مجرد إدخال بعض المساعدات لا يعفي الاحتلال من المسؤولية، إذ عليه أن يضمن وصول هذه المساعدات للسكان، وإن لم تكفِ، فعليه توفيرها من موارده الخاصة. وفي حال تفشي الأوبئة، ستكون “إسرائيل” مطالبة بتوفير اللقاحات والرعاية الطبية، وهو أمر شبه مستحيل في ظل الدمار الهائل في قطاع الصحة والبنية التحتية، وفي ظل الحصار المستمر وانعدام الكهرباء والمياه النظيفة. ويؤكد أن الاحتلال سيكون مسؤولًا عن أكثر من مليوني فلسطيني، أي ما يعادل خمس عدد سكان الداخل المحتل، في منطقة مدمّرة لا تتوافر فيها أدنى مقومات الحياة.
ووفق وولف، فإن فرض السيطرة العسكرية على قطاع غزة دون الوفاء بالالتزامات القانونية، أو التورط في خطوات مثل الضم، أو مصادرة الموارد، أو إقامة مستوطنات، يرتقي إلى مستوى جرائم الحرب. وتحذر من سيناريو تُبقي فيه حكومة الاحتلال على السيطرة دون أن تخصص موازنات أو ترسل قوات كافية لضمان إدارة فعالة، خاصة في ظل أزمة التجنيد وتوسيع الإعفاءات. وترى أن ما يُطرح من خطة للاجتياح هو، بحسب تقديرها، “احتلال غير قانوني من حيث المبدأ والتطبيق”.
وتحذر من أن الاحتلال غير القانوني قد يؤدي إلى عواقب وخيمة على مكانة “إسرائيل” عالميًا، بما في ذلك فرض عقوبات اقتصادية وسياسية واسعة النطاق. وتضيف: “نتجه نحو كارثة، نحن على طريق أن نصبح جنوب أفريقيا في سنوات نظام الفصل العنصري. قد تمتنع الشركات الدولية عن العمل معنا، وقد تُقاطعنا الجامعات العالمية، وترفض شركات مثل أمازون وغوغل التعاون مع أي جهة إسرائيلية”.
المخاوف القانونية لم تقتصر على الأوساط الأكاديمية وحدها. فقد وجّه 16 أستاذًا مرموقًا في القانون الدولي من الجامعات الإسرائيلية، من بينهم البروفيسور يوفال شاني، وأيال غروس، وموشيه هيرش، رسالة إلى رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، حذّروا فيها من أن استمرار العدوان على قطاع غزة، وتوسيع رقعته، قد يفقده أي أساس قانوني، بل ويرقى إلى جريمة عدوان تستوجب المساءلة الجنائية الفردية بحق قادة الاحتلال السياسيين والعسكريين.
التحذيرات المتواترة من خبراء القانون تعكس إدراكًا متزايدًا داخل دوائر الحكم في دولة الاحتلال بأن اجتياح قطاع غزة لا يمثل فقط مخاطرة عسكرية، بل هو مغامرة قانونية ودبلوماسية قد تُغيّر قواعد اللعبة بالكامل، وتضع الاحتلال في مواجهة مباشرة مع النظام الدولي، في وقت يتعاظم فيه الغضب العالمي إزاء الجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني.