ترجمة الحدث
اعتبر المحلل العسكري في صحيفة "إسرائيل اليوم" العبرية يوآف ليمور أن الاشتباكات بين جيش النظام السوري والدروز بدت وكأنها تتجه للانتهاء بعد يومين من التصعيد الدموي، شهدت خلالهما تدخلًا مباشرًا من جيش الاحتلال وعبور دروز من داخل الأراضي المحتلة نحو الجانب السوري لمساندة أبناء طائفتهم.
وأوضح ليمور أن هذا التطور جاء بعد تعهد تلقته "إسرائيل" بأن يصدر رئيس النظام السوري بنفسه أوامر لقواته بالانسحاب من مدينة السويداء ذات الغالبية الدرزية، كجزء من اتفاق لوقف إطلاق النار بين الطرفين.
وبحسب ليمور، فإن هذه الأحداث، إن كانت قد انتهت فعلًا، يجب أن تُقرع في "إسرائيل" جرس إنذار صارخ، بل سلسلة أجراس تستدعي إعادة تقييم شاملة. فقد كشفت التطورات عن ثغرات خطيرة في الجبهة الداخلية، وفتحت الباب أمام تهديدات متزايدة تتطلب تعاملًا فوريًا لتفادي كارثة أكبر في المستقبل.
ويرى يوآف ليمور أن أول إنذار يتعلّق بسوريا، وتحديدًا بالرئيس أحمد الشرع. فبينما سعت "إسرائيل" والغرب إلى اعتباره شريكًا محتملاً في رسم خريطة جديدة للمنطقة، تداولت تقارير عن لقاءات بينه وبين رئيس جهاز "الموساد" دادي يارنيع، ورئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي، وآخرين، بهدف بلورة اتفاقات مستقبلية. لكن ليمور يشكك في نجاعة هذا الرهان، قائلاً إن الشرع قد لا يكون الشخصية التي يأملون فيها، وحتى لو كان، فمن غير المؤكد أنه قادر على تحقيق المطلوب.
وبحسب المحلل العسكري الإسرائيلي ليمور، فإن الخطر الثاني ينبع من طبيعة السلطة الحاكمة حاليًا في سوريا، والتي يصفها بأنها جماعة جهادية لها سجل دموي وأيديولوجية متطرفة لا تترك مجالًا للتسامح مع خصومها. فقد نكّلت هذه الجماعة بالعلويين في مجازر طالت اللاذقية وطرطوس، وهي الآن تستهدف الدروز، ومعهم الشيعة، ما يعني أن اليهود قد يكونون الهدف المقبل إذا توفرت لهم الظروف المناسبة.
ويضيف أن الإنذار الثالث يتعلّق بمصير الدروز داخل سوريا. فوقف إطلاق النار لا يُنهي النزاع الدموي، ومن المرجح أن يتجدد العنف نظرًا لطبيعة النظام المسيطر هناك. وهنا، يتوجب على "إسرائيل" أن تحسم موقفها: هل تكتفي بتوفير مظلة جوية لحلفائها، أم أنها مستعدة لإرسال فرق عسكرية برّية إذا استدعت الحاجة، ولفترة غير معلومة؟.
ويرى ليمور أن الإنذار الرابع يتجلى في احتمال اضطرار دروز سوريا إلى الهروب وطلب اللجوء في "إسرائيل"، رغم عدم وجود مؤشرات واضحة على رغبتهم في ذلك. إلا أن ديناميكيات الشرق الأوسط قد تدفعهم لاتخاذ قرارات سريعة، كما حدث مع عناصر جيش لبنان الجنوبي خلال انسحاب الاحتلال عام 2000. ويحذّر من غياب خطة حكومية لاستيعاب آلاف الدروز، مشيرًا إلى أن التحضير لهذا السيناريو يجب أن يبدأ فورًا، وبالتنسيق مع أبناء الطائفة في الداخل.
ويتابع أن الإنذار الخامس يخصّ الدروز داخل الأراضي المحتلة، مؤكدًا على عمق التحالف معهم، لكنه يدعو إلى حوار مفتوح معهم لتحديد حدود التحرك. فاقتحام الآلاف منهم للحدود والعبور إلى سوريا يعرّضهم للقتل أو الأسر، ويورط "إسرائيل" في معركة معقدة. ورغم أن "إسرائيل" أوضحت التزامها بحماية حلفائها في سوريا، إلا أن عليها – بحسب ليمور – أن تبيّن بوضوح أن هذه المهمة تقع ضمن مسؤولية جيش الاحتلال، وليس أفرادًا من المجتمع المحلي.
ويشير إلى إنذار سادس يتعلق بأداء جيش الاحتلال. ففي مايو 2011، عبر آلاف الفلسطينيين من سوريا إلى الجولان المحتل، ما دفع "إسرائيل" إلى إنشاء فرقة عسكرية خاصة (الفرقة 210) وبناء حاجز متطور. إلا أن هذه الإجراءات انهارت خلال الأحداث الأخيرة. فرغم زعم الجيش بأن مسؤوليته تقتصر على منع التسلل إلى الداخل وليس منع الخروج، يصف ليمور هذا الادعاء بـ"التنصل" ويطالب بتحقيق جديّ وتوفير حلول تمنع تكرار ما جرى.
ويضيف أن الإنذار السابع يتمثل في بطء قراءة الواقع الميداني. فبينما بدأت حركة القوات نحو السويداء مساء الإثنين، لم تقم "إسرائيل" بتعزيز قواتها إلا بعد اشتداد الاشتباكات، رغم تنفيذها ضربات تحذيرية رمزية. ويعزو ليمور هذا التأخر إلى تقديرات خاطئة من قبل القيادة السياسية والأمنية، وربما إلى ثقة مفرطة بـ"الشريك-العدو" الشرع.
ويحذّر في إنذاره الثامن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو مباشرة، مسترجعًا تصريحه بعد السابع من أكتوبر بأن أحدًا لم يبلّغه بالمؤشرات التحذيرية التي سبقت هجوم حماس. هذه المرة – كما يقول ليمور – كانت كل العلامات أمامه: الشرع، المفاوضات، التحذيرات، توتر الدروز، ومع ذلك لم يأمر بتعزيز القوات ولا بتحركات لاحتواء الغضب الدرزي في الداخل. كل هذه الخطوات اتُخذت بتأخير كبير، وكادت أن تزج بـ"إسرائيل" في مستنقع جديد.
ويرى ليمور أن في الأحداث الأخيرة بعض النقاط المضيئة. فالشرع، رغم كل الشكوك حول نواياه، يتصرف بعقلانية ويمكن التأثير عليه. كما أن للوسطاء – وعلى رأسهم الأمريكيون والأتراك والقطريون – دورًا فاعلًا في كبحه. ويعتبر أن وجوده في سوريا يشكّل تحديًا، لكنه في الوقت الراهن يخدم مصلحة "إسرائيل" عبر ضربه لمحور إيران وحزب الله.
ويختم يوآف ليمور بأن العلاقة المتينة مع الدروز داخل الأراضي المحتلة اجتازت اختبارًا حساسًا، ويجب استثمار ذلك بحل الخلافات العالقة معهم، خصوصًا قضية الأرض وموقعهم في ظل "قانون القومية". الآن – كما يقول – هو الوقت المناسب لذلك، قبل أن تنفجر الأوضاع مجددًا في سوريا