الحدث الفلسطيني
نظم مركز الأبحاث الفلسطيني، جلسة نقاشية لعرض ومناقشة ورقة بحثية بعنوان: "الخطط غير الفلسطينية لإعادة إعمار غزة: تهميش للدور الفلسطيني أم بالشراكة معه؟"، قدمها الباحث جورج زيدان، مدير مركز كارتر في فلسطين، وذلك بمشاركة نخبة من الباحثين والمتخصصين وممثلي المؤسسات الرسمية والأهلية.
وقد شارك في النقاش كل من: د. إسطفان سلامة، مستشار رئيس الوزراء السابق لشؤون التخطيط وتنسيق المساعدات، وأ. د. محمد زيارة، وزير الأشغال العامة السابق ورئيس لجنة إعمار غزة سابقًا، وادار الندوة د. منتصر جرار، مدير مركز الأبحاث الفلسطيني.
سلّطت الورقة الضوء على عدد من الخطط والمبادرات التي اقترحتها جهات دولية بشأن مستقبل إعادة الإعمار في قطاع غزة، في أعقاب الدمار الواسع الذي خلّفته الحرب الإسرائيلية الأخيرة، وذلك في ظل غياب خطة فلسطينية موحدة تتصدى لهذا التحدي.
وتناولت الورقة مقارنة بين ثماني خطط بارزة، كما استعرضت الورقة خططًا أخرى. وأشارت الورقة إلى أن الدور الفلسطيني كان غائبًا تمامًا في إعداد هذه الخطط، وأن معظمها يقصي السلطة الفلسطينية ومؤسساتها، ويفترض إسناد أدوار التنفيذ والإشراف إلى جهات خارجية أو عربية، مما يعيد إنتاج نموذج التبعية ويهدد بتكريس واقع سياسي جديد يتجاوز الإرادة الوطنية.
واظهرت الورقة ان هذه الخطط دُعمت من قبل مؤسسات لا تؤمن بحل الدولتين، ولا بحقوق الشعب الفلسطيني، بل تعارض السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية، ولا تطرح أي حل سياسي يضمن إنهاء الحرب أو الوصول إلى تسوية شاملة. ولفتت الورقة إلى أن هذه المبادرات لا تتطرق إلى الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الذي مارسته إسرائيل في غزة، ولا تشير إلى الربط الجغرافي والسياسي بين الضفة الغربية وقطاع غزة. كذلك، أكدت الورقة أن معظم الخطط تربط إعادة الإعمار بشروط أمنية إسرائيلية مشددة تشمل نزع السلاح، وإنشاء مناطق عازلة، دون أي التزام برفع الحصار أو الاعتراف بالحقوق الوطنية الفلسطينية.
في النقاشات التي أعقبت عرض الورقة، شدد المتحدثون على أن الخطر الحقيقي يتمثل في "إعادة إعمار غزة بدون أهلها"، أي بدون إشراك السلطة الفلسطينية الشرعية ومؤسساتها، وبدون تمثيل شعبي حقيقي، محذرين من أن بعض الخطط، رغم طابعها الإنساني المعلن، تخفي مشروعًا سياسيًا يعيد تشكيل المشهد الفلسطيني ويُضعف وحدة القرار الوطني، ويُجهض فرص الاستقلال الفعلي.
بلورة خطة وطنية ذات سيادة
خلصت الجلسة إلى مجموعة من التوصيات، من أبرزها رفض أي خطة إعمار لا تنطلق من توافق وطني شامل، وصياغة رؤية فلسطينية موحدة تقودها المؤسسات الرسمية، وتربط بين الإعمار والتحرر السياسي. ووضع خطة ذات طابع سيادي وتنموي تحفظ الاستقلال المالي والإداري، وتستند إلى الشفافية والرقابة الوطنية، مع رفض الوصاية الدولية أو الحلول المؤقتة التي تمس السيادة وتمدد الانقسام.، والدعوة إلى رقابة دولية مهنية ومحايدة على التمويل وآليات التنفيذ، بعيدًا عن أي أجندات سياسية.
ودعا المتحدثون إلى ضرورة انسجام أي خطة إعمار مع قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي، مشددين على أهمية التنسيق بين الضفة وغزة، وعلى أن تكون أي خطة تهدف إلى منع التهجير وضمان حرية دخول البضائع وتسهيل حياة الفلسطينيين.
وأكد المتحدثون وجود مخاوف من أن يتحول تأخير أو منع إعادة الإعمار إلى أداة لتهجير الفلسطينيين، حيث لا يوجد تهجير طوعي، فمن فقد بيته قد دُفع إلى الهجرة. وشدد المتحدثون على أن وقف الحرب هو شرط أساسي قبل عقد أي مؤتمر لإعادة الإعمار، مؤكدين على ضرورة الإبقاء على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) باعتبارها أداة للإغاثة والتنمية، وحافظة للذاكرة الوطنية الفلسطينية.
كما طرح المتحدثون تساؤلات مركزية، من أبرزها: إلى متى ستبقى إسرائيل في غزة؟، وما هو شكل حماس بعد الحرب؟، وتحت أي سيناريو يمكن أن تستلم السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير إدارة القطاع؟. مؤكدين أن ذلك يجب ألا يكون تحت ظل دبابة إسرائيلية أو في مواجهة مع حماس.
وشدد المتحدثون على أن الوحدة الوطنية شرط أساسي لإعادة الإعمار، محذرين من أن غياب الموقف الموحد سيؤدي إلى فشل العملية برمتها، وأكد على أن العملية يجب أن تُضبط من الداخل لضمان نجاحها.
كما أكدت الندوة في توصياتها على ضرورة تحميل إسرائيل المسؤولية الكاملة عن الدمار والقتل في غزة، وشدد المتحدثون على ضرورة ان لا يعمل صندوق إعادة الإعمار على تبرئة إسرائيل من جرائمها أو إعفائها من المسؤولي. وأن الخطط غير الفلسطينية تعكس أجندات الجهات التي أعدتها، ويجب ألا نتعامل معها كما هي. وأكد المجتمعون على ضرورة مواجهة الحرب التي تُشن على وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين، في الوقت الذي يستمر فيه تدمير المخيمات والقرى في الضفة الغربية، داعين إلى الدفاع عن دورها الحيوي في هذا السياق.
مركز الأبحاث: الإعمار مدخل للوحدة وليس للتبعية
تأتي هذه الجلسة في وقت يشهد فيه الملف الفلسطيني، لا سيما مستقبل غزة، زخمًا سياسيًا وتدافعًا إقليميًا ودوليًا على طرح نماذج ومشاريع للإعمار، قد تحمل في طياتها فرصًا للتفاهم، أو تهديدًا بتكريس واقع مفروض بعيدًا عن الإرادة الوطنية الفلسطينية.
ويؤكد مركز الأبحاث الفلسطيني أن إعادة إعمار غزة يجب أن تكون بوابة لإنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة الوطنية، لا وسيلة لفرض حلول مجتزأة أو إعادة إنتاج واقع الهيمنة. وأن تمكين الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره سياسيًا واقتصاديًا هو المدخل الحقيقي لأي عملية إعمار مستدامة وعادلة.