الحدث الإسرائيلي
لم يمضِ أقل من شهرين على تولي رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي الجديد، الجنرال إيال زمير، مهامه وسط أجواء من الإطراء من قمة هرم السلطة، حتى وقعت الصدامات بين الجانبين، في مشهد وصفته صحيفة يديعوت أحرونوت بأنه تكرار محبط لنهاية ولاية سلفه.
وأوضحت الصحيفة أن عامًا ونصف من الحرب لم تكن كافية لدفع أعضاء الكابينيت إلى تغيير أسلوبهم، بل اكتفوا باستبدال هرتسي هليفي بزمير كهدف لهجماتهم، متجاهلين حقيقة أن رئيس حكومة الاحتلال هو من رسم سياسة الحرب التدريجية والتفاوض، التي تدار عبر مبعوثه الخاص وليس عبر من أنجزوا الاتفاقين السابقين.
ووفق ما أوردته صحيفة يديعوت أحرونوت، فإن المفاوضات مع حركة حماس متعثرة، بينما يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي "نزيفه في مواجهة تنظيم متمرس في حرب الكوماندوز المحدودة". وأشارت مصادر رفيعة للصحيفة إلى أن دور قطر في المفاوضات لا يسهم في التقدم، بل يمنح حماس دعماً لرفع سقف مطالبها، مما يستنزف الجيش أكثر. وأكدت المصادر أن الحل الأمثل يكمن بالاعتماد على الوساطة المصرية وحدها، لقياس مدى جدية حماس وقدرتها الفعلية على تنفيذ صفقة للإفراج عن الأسرى.
وبحسب تقرير صحيفة يديعوت أحرونوت، فإن المشهد الحالي هو الأسوأ، إذ لا تحقق الحرب أي تقدم نحو الحسم، وتسجل زيادة في إصابات جيش الاحتلال، في ظل تشدد مواقف حماس بدعم قطري. وأوصت المؤسسة العسكرية، بحسب الصحيفة، بتوسيع العمليات وزيادة الضغط العسكري، مع إدراك أن ذلك قد يرفع منسوب الخطر على حياة الجنود ويزيد من الغموض حيال مصير الأسرى.
بدلاً من أن يناقش الكابينيت الإسرائيلي البدائل بجدية ويتخذ قرارات قيادية، شهدنا مجددًا، كما وصفت صحيفة يديعوت أحرونوت، مشهدًا محرجًا يتمثل في انقضاض الوزراء والوزيرات على رئيس الأركان، مدعومين بجوقة إعلامية موالية لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو.
وهو، كما تذكر الصحيفة، من حدد الاستراتيجية القائمة على الضغط العسكري المحدود، أملاً بانتزاع اتفاق جزئي يعيد بعض الأسرى دون إنهاء الحرب أو إسقاط حماس.
وأضافت صحيفة يديعوت أحرونوت أن نتنياهو، كالعادة، لم يكلف نفسه عناء دعم زمير، الذي حاول الرد بأدب ولكن بحزم على هجمات وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزيرة النقل ميري ريغيف. وقد أدرك زمير، بحسب الصحيفة، أن الحقائق لم تعد مهمة؛ فحينما تصطدم السلطة بالواقع المرير، تجد كبش فداء ترتدي عليه الزي العسكري.
وفي تفاصيل إضافية، أوضحت صحيفة يديعوت أحرونوت أن الهجوم على زمير تمحور حول معارضته مشاركة جنود جيش الاحتلال في توزيع المساعدات الإنسانية.
وأكدت الصحيفة أن زمير لم يغير موقفه مطلقًا، إذ سبق أن عارض منذ البداية إرسال جنود “غفعاتي” لتوزيع المواد الغذائية، محذرًا من المخاطر الأمنية لذلك، وداعيًا إلى أن تتولاها شركات مدنية بإسناد أمني من الجيش. وقد تم بالفعل التوصل إلى هذا الحل يوم الخميس، مما جعل كل هذه المناكفات مجرد مسرحية إعلامية لمخاطبة القاعدة الشعبية.
وفي سياق آخر، أشارت الصحيفة إلى أن السياسيين الإسرائيليين كانوا أقل جرأة تجاه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي كشف يوم الجمعة أنه طلب من نتنياهو “أن يكون جيدًا مع غزة” لأن سكانها يعانون.
وأضافت الصحيفة أن مجرد ربع هذه التصريحات لو صدرت عن الرئيس السابق جو بايدن، لكانت كافية لإطلاق حملة شرسة ضده في إسرائيل. وأبرزت أن المثير للإحباط في تصريحات ترامب يكمن في إهدار نتنياهو للفرصة الذهبية التي منحها له الرئيس الأمريكي خلال المئة يوم الأولى من ولايته.
في هذا السياق، كشفت يديعوت أحرونوت أن إسرائيل اليوم مضطرة للاختيار بين خيارات كلها سيئة، إذ تطالب حماس بضمانات دولية لوقف إطلاق النار مدة خمس سنوات وإعادة جميع الأسرى.
وشددت الصحيفة على أن تحقيق هذا المطلب يحمل ثمناً باهظاً، إذ خلصت جميع تقارير التحقيق في فشل 7 أكتوبر إلى أنه لا يمكن التعايش مع فصيل مثل حماس على حدود غزة.
وأوضحت الصحيفة أن حماس، رغم الضربات القاسية التي تلقتها، لا تزال تحتفظ بقدرات على إطلاق الصواريخ المضادة للدروع، وزرع العبوات الناسفة، وتنفيذ الكمائن، وإطلاق القذائف الصاروخية. كما أن منظومتها القيادية والتحكمية لا تزال تعمل بمستوى معين. وأشارت الصحيفة إلى أن جنديين من جيش الاحتلال قتلا قبل يومين خلال عمليات توسيع “المنطقة العازلة” داخل القطاع، بهدف إقامة شريط أمني على الجانب الغزي من الحدود. وبينت أن الخروج من هذه المنطقة يعني غياب الحاجز الفاصل الفعلي بين حماس والمستوطنات.
وختمت صحيفة يديعوت أحرونوت تقريرها بالتأكيد على أن أحدًا لا يسعى إلى التخلي عن الأسرى أو تركهم لمصيرهم المجهول في غزة، لما يشكله ذلك من ضربة قاسية للقيم الأخلاقية اليهودية. لكنها شددت على أن أي تطور يجب أن يكون واضحًا في كلفته، خاصة لصناع القرار الذين يفضلون إلقاء اللوم على رئيس الأركان بدل مواجهة الجمهور بالحقيقة المؤلمة.