الحدث الإسرائيلي
كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية عن إرجاء عقد اجتماع كان من المقرر عقده هذا الأسبوع في قيادة المنطقة الجنوبية بجيش الاحتلال الإسرائيلي، وكان يفترض أن يشارك فيه كبار الضباط، بمن فيهم قائد المنطقة الجنوبية يانيف عَسور، وكبار ضباط سلاح الجو، بمن فيهم قائده تومر بار.
التأجيل جاء في ظل تصاعد التوتر داخل جيش الاحتلال الإسرائيلي، والذي بدأ يتحوّل إلى أزمة ثقة واضحة بين قيادة المنطقة الجنوبية وسلاح الجو، وفق ما صرّح به مسؤول أمني رفيع، حذّر من أن غياب المعالجة الفورية قد يفضي إلى أزمة حقيقية بين الطرفين.
ووفقا للصحيفة، الخلاف الأساسي يتمحور حول ما يُعرف بـ”الضرر الجانبي”، وهو المصطلح العسكري المستخدم للإشارة إلى مقتل مدنيين خلال ضربات جوية لم تكن موجهة إليهم. في جيش الاحتلال الإسرائيلي، يُمنح قائد المنطقة الجنوبية صلاحيات واسعة في إدارة المعركة داخل قطاع غزة، بما في ذلك تحديد الأهداف العسكرية، استناداً إلى معطيات استخباراتية من وحدات مختلفة مثل جهاز الشاباك وشعبة الاستخبارات العسكرية (أمان). أما سلاح الجو، فيحدّد طبيعة الهجوم ونوعية الذخائر، لكنه لا ينفّذ أي ضربة دون موافقته، مع أن القرار النهائي بالتنفيذ يصدر عن قائد المنطقة الجنوبية.
وأوضحت الصحيفة أنه خلال الشهرين الأخيرين، تزايدت مظاهر التوتر بين قيادة المنطقة الجنوبية وسلاح الجو، خاصة على خلفية تزايد أعداد القتلى المدنيين في غزة نتيجة ضربات جوية منذ استئناف العمليات.
وتكشف مصادر عسكرية إسرائيلية عن أن قائد سلاح الجو بات يوافق شخصياً على كل عملية قصف جوية تنفّذها قواته في القطاع، في رسالة للطواقم مفادها أن القيادة ستضمن احترام “قيم الجيش”، وأنها لن تسمح بإطلاق نار غير منضبط قد يعرّض حياة الأسرى الإسرائيليين للخطر.
وأشارت "يديعوت أحرونوت" إلى تفاقم هذا التوتر بعد حالات متكررة أظهرت تفاوتاً بين التقديرات الأولية للضحايا المدنيين قبل القصف، وبين الأعداد الفعلية التي تظهر لاحقاً، حيث تفيد التقارير بأن الطيارين يكتشفون أرقاماً مرتفعة بعد انتهاء المهام.
على سبيل المثال، السبت الماضي أُبلغ عن استشهاد 52 فلسطينياً في غزة حتى الساعة السابعة مساءً. وعندما حاول سلاح الجو التحقيق لاحقاً في تفاصيل الضربة، لم يحظَ بتعاون كافٍ من قيادة المنطقة الجنوبية، وفقاً لمصادر مطلعة.
وعلى الرغم من ذلك، يؤكد مسؤول في سلاح جو الاحتلال للصحيفة أن التعاون مع قيادة المنطقة الجنوبية لا يزال قائماً بشكل يومي، وأن الخلاف لا يشمل اختيار الأهداف التي يتم التوافق عليها مسبقاً. لكن الإشكالية الكبرى تكمن في المعلومات الاستخباراتية الأولية، وفي آلية التعامل مع نتائج الضربات، إذ يشير مسؤولون إلى أن تكرار الأخطاء دون مساءلة يعكس استخفافاً بأرواح المدنيين واستخداماً غير منضبط للقوة.
ونقلت الصحيفة عن مصادر تساؤلها: لماذا يثار هذا الجدل الآن بعد مرور أكثر من 18 شهراً من القتال ومقتل آلاف المدنيين في غزة؟ الجواب، وفق قيادات في سلاح الجو وشعبة الاستخبارات، أن هنالك تدهوراً ملحوظاً في الآونة الأخيرة، يعزونه إلى بدء مرحلة جديدة من العمليات، وتآكل في “أهداف نوعية”، وتولي يانيف عَسور قيادة المنطقة الجنوبية، وهو معروف بنزعته الهجومية وسعيه لتحقيق “انتصار حاسم”، وفق المفهوم الجديد المتّبع في قيادة الجيش.
ويحذر ضباط في سلاح جو الاحتلال من أن تصعيداً مفرطاً في الهجمات وتراجعاً في مراعاة حياة المدنيين، لا ينعكسان إيجاباً على النتائج العملياتية. ويضيفون أن قائد المنطقة الجنوبية يملك القدرة على وضع شروط للعمليات العسكرية بهدف تقليص الأضرار الجانبية، كما يملك صلاحية الموافقة أو الاعتراض على أي عملية في وقت التنفيذ.
ومع الخطاب التحريضي الذي يصدر عن شخصيات مثل وزير المالية في حكومة الاحتلال بتسلئيل سموتريتش، والذي يقلل من أهمية استعادة الأسرى، يجد سلاح الجو نفسه في مواجهة معضلة الشكوك المتزايدة بشأن أهداف الحرب وأولوياتها. هذه الشكوك ظهرت بوضوح في العريضة التي وقعها عدد من الطيارين، والتي ردّ عليها قائد سلاح الجو بصرامة، معلناً أن الموقعين لن يُسمح لهم بالاستمرار في الخدمة، وإن لم يُسرّحوا كلياً من الاحتياط.
وبينت الصحيفة أن هذا الانقسام يأتي في توقيت بالغ الحساسية، حيث يواصل سلاح جو الاحتلال استعداداته المحتملة لتنفيذ هجوم واسع على المنشآت النووية الإيرانية. ويعتمد السلاح في أدائه على نموذج وحدات الطيران التي تمزج بين الكادر النظامي والمحتَرفين من قوات الاحتياط ذوي الخبرة العالية، ما يجعل الانضباط المهني والتماسك القيمي شرطاً أساسياً لاستمرارية الأداء.