د. طارق الحاج: غياب اقتصاد قوي يُضعف قدرة الفلسطينيين على تحقيق استقلال اقتصادي يُعزز من تطلعاتهم السياسية
أيهم أبو غوش: استبعاد الإفراج عن الأموال المحتجزة أو وقف الاقتطاعات في المرحلة الحالية والوضع يتطلب حلاً سياسياً
د. ثابت أبو الروس: التحذير الأمريكي الذي وُجّه لنتنياهو بشأن مخاطر انهيار الاقتصاد الفلسطيني حقيقي وجاد
طلعت علوي: تدهور الوضع الاقتصادي لا يقتصر على السلطة وحدها بل يمتد ليشمل مختلف قطاعات المجتمع الفلسطيني
يواجه الاقتصاد الفلسطيني أزمة غير مسبوقة، وسط تحذيرات أطلقتها الولايات المتحدة الأمريكية وسبعة من حلفائها، تشير إلى خطر انهيار شامل للاقتصاد الفلسطيني إذا استمرت الأوضاع الحالية دون معالجة.
ويرى عدد من الخبراء والمحللون الاقتصاديون، في أحاديث منفصلة لـ"ے"، أن هذه التحذيرات هي جزء من رسالة سياسية ضمنية تهدف إلى ثني الفلسطينيين عن اتخاذ مواقف سياسية مستقلة بعيداً عن النفوذ الأمريكي.
وفي المقابل، لفت المحللون والخبراء إلى مؤشرات حقيقية على انهيار الاقتصاد الفلسطيني، بما في ذلك تصاعد معدلات البطالة، وتزايد الدين العام، إضافة إلى القيود الإسرائيلية المتصاعدة على الأموال الفلسطينية، ما يعمق هشاشة الاقتصاد الفلسطيني الذي يئن تحت وطأة القيود الإسرائيلية.
وأكد الخبراء والمحللون أن السلطة الفلسطينية تجد نفسها أمام خيارات صعبة، تتراوح بين السعي للحصول على الدعم الدولي وتطبيق إجراءات تتعلق بالشفافية، وأخرى تقشفية صارمة، في وقت تحتاج فيه لمساندة دولية حقيقية لوقف الإجراءات العقابية الإسرائيلية المستمرة بحق الاقتصاد الفلسطيني.
التحذير الأمريكي رسالة مبطنة إلى الفلسطينيين
وقال الخبير الاقتصادي البروفسور د. طارق الحاج: إن التحذيرات الأمريكية وحلفائها السبعة بشأن الوضع الاقتصادي الفلسطيني هي بمثابة تحذيرات، مشيراً إلى أنها تعكس مؤشرات حقيقية على انهيار الاقتصاد الفلسطيني إذا ما استمرت الظروف الراهنة لمدة ستة أشهر إضافية.
وأوضح الحاج أن هذا التحذير يعتمد على تقارير حديثة للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، والتي تطرقت إلى حالة الانكماش الاقتصادي التي يعيشها الاقتصاد الفلسطيني، معتبرةً أن هذا الانكماش قد يكون مرحلة تمهيدية لانهيار شامل.
وأشار الحاج إلى أن التحذيرات استندت إلى الوضع في قطاع غزة الذي يعكس جزءاً من هذا الانهيار، حيث أصبح القطاع مُدمراً بشكل كامل، والوكالات الدولية عاجزة عن العمل فيه بسبب نقص الموارد الغذائية وتصاعد عمليات التهجير.
ولفت الحاج إلى أسس أخرى استند عليها التحذير من انهيار الاقتصاد الفلسطيني وهي القرارات الإسرائيلية الأخيرة، مثل التحكم بفائض الشيقل وقرصنة أموال المقاصة، وهي تُفاقم الوضع الاقتصادي وتُثير قلق بعض الأطراف الإسرائيلية التي تؤمن بالسلام.
وتطرق الحاج إلى أمر آخر استند إليه التحذير وهو أرقام البطالة والفقر المتزايدة، حيث أن مؤشرات الفقر والبطالة وصلت إلى مستويات قياسية، في حين تزايدت نسبة الشيكات المرتجعة، ما يُبرز حجم الأزمة المالية، كما أن المديونية الحكومية بلغت نسبة 140% من الناتج المحلي، وهي نسبة عالية تعكس حجم العجز المالي للسلطة الفلسطينية، لا سيما مع عدم اعتماد موازنة للسنة الثانية على التوالي، ما يخلق حالة من الغموض حول الأوضاع المالية المستقبلية.
سيطرة إسرائيل على الموارد المالية والأراضي
وحسب الحاج، فإن التحذير الأمريكي يُعد بمثابة رسالة مبطنة تهدف إلى ثني الفلسطينيين عن التطلع إلى حلول سياسية دون الولايات المتحدة، حيث إن غياب اقتصاد قوي يُضعف من قدرة الفلسطينيين على تحقيق استقلال اقتصادي يُعزز من تطلعاتهم السياسية.
ويوضح الحاج أن الرسالة تحمل تهديداً بأن الحل السياسي لا معنى له في ظل هذه الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، في ظل سيطرة إسرائيل على الموارد المالية والأراضي، مما يُعرقل أي محاولات جادة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
ويشير الحاج إلى انه رغم التزام القيادة الفلسطينية بالاتفاقيات الدولية، غير أن الحكومة الإسرائيلية تسعى لاستغلال الوضع عبر خطة تهدف إلى السيطرة الكاملة على الأراضي الفلسطينية وتقويض الاقتصاد الفلسطيني.
ويؤكد الحاج أن الولايات المتحدة على دراية تامة بالإجراءات الإسرائيلية، وأنها قد تتدخل لتغيير الوضع إن أرادت.
وحول الخيارات أمام السلطة الفلسطينية لتجاوز الأزمة المالية الحالية، يوضح الحاج أنها تشمل مدى التزامها بتفاهماتها مع الاتحاد الأوروبي لدعم رواتب الموظفين عبر ما يُعرف بـ"اتفاق النوايا".
ومن بين الخيارات وفق الحاج، الجهود الأوروبية بإنشاء منصات تنسيق لدعم السلطة الفلسطينية، ثم خيار إعمار قطاع غزة، ومن سيتولى إدارة السلطة الفلسطينية بعد هذه الأزمة وما مدى الاستعداد الدولي لدعم استقرارها.
ومن أهم الخيارات وفق الحاج، الوحدة الفلسطينية، والشفافية في إدارة المال العام، وتفعيل المجلس التشريعي الفلسطيني ليتحمل مسؤولياته.
الاقتصاد الفلسطيني والتوترات السياسية والأمنية
بدوره، لفت الصحفي المختص في الشأن الاقتصادي أيهم أبو غوش إلى هشاشة الاقتصاد الوطني الفلسطيني، الذي يعاني من آثار التوترات السياسية والأمنية، مع تصاعد المخاطر التي باتت تهدد بنيته.
وأشار أبو غوش إلى أن التحذيرات الأمريكية، وأيضاً تحذيرات حلفاء واشنطن لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حول خطورة انهيار الاقتصاد الفلسطيني، تضع الواقع الاقتصادي في مرحلة خطيرة وغير مسبوقة.
وأوضح أبو غوش أن الأرقام الأخيرة التي أعلن عنها رئيس الوزراء د. محمد مصطفى تبين حجم الأزمة، حيث إشار إلى تسجيل الاقتصاد الفلسطيني انكماشاً بنسبة 35%، وهو رقم لم يُشهد من قبل، مما يزيد من مؤشرات الأزمة ويؤكد خطورة الوضع.
ويرى أبو غوش أن استمرار الضغوطات المتعددة على الاقتصاد الفلسطيني، ومن بينها احتجاز إسرائيل لعائدات المقاصة، ومنع نحو 200 ألف عامل فلسطيني من الوصول إلى أعمالهم داخل الخط الأخضر، إلى جانب القيود المفروضة على حركة التجارة والاستثمار التي تشمل الحواجز الإسرائيلية والحصار المفروض على الأراضي، كلها تساهم في تفاقم أزمة الاقتصاد الفلسطيني وتدفعه نحو حافة الانهيار، ويعزز هذه الضغوط أيضاً تهديد وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش بقطع العلاقات المصرفية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وهو إجراء إذا ما تم تنفيذه، قد يزيد من حدة الأزمة ويؤدي إلى الانهيار الذي يخشاه المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة.
وقال أبو غوش: "إن واشنطن، بالرغم من موقفها السلبي تجاه القضية الفلسطينية بشكل عام، إلا أنها لا ترغب في انهيار الاقتصاد الفلسطيني، لما لذلك من تبعات قد تؤدي إلى الفوضى في الضفة الغربية.
وبناءً على ذلك، يرى أبو غوش أن الضغط الأمريكي الجدي يتجه نحو منع هذا الانهيار عبر الضغط على الجانب الإسرائيلي لعدم قطع العلاقات المصرفية، مؤكداً أن العلاقة المصرفية ستظل على الأرجح قائمة بفضل الضغط الأمريكي.
وأشار أبو غوش إلى أن هذه العلاقات أصبحت ورقة ضغط سياسية يستخدمها سموتريتش واليمين الإسرائيلي في محاولة لابتزاز الجانب الفلسطيني.
الإفراج عن الأموال المحتجزة أو وقف الاقتطاعات لا زال مستبعداً
أما فيما يتعلق بقرار إسرائيل اقتطاع أموال المقاصة، أوضح أبو غوش أن الضغوط الأمريكية والدولية على إسرائيل قد تبقى محدودة التأثير حالياً، إذ يعتمد القرار على مصادقة الكنيست الإسرائيلي، ولهذا فإن الإفراج عن أموال المقاصة أو وقف الاقتطاعات منها قد يظلان بعيدَي المنال في الوقت الراهن.
لكن أبو غوش لفت إلى أن الضغط الدولي قد يحقق بعض التخفيف في التوجهات الإسرائيلية أو يحد من تصعيدها، خاصة فيما يتعلق باستمرار العلاقة المصرفية، وإن كان الإفراج عن الأموال المحتجزة أو وقف الاقتطاعات ما زال مستبعداً في المرحلة الحالية.
وبالنسبة للخيار المالي المتاح أمام السلطة الفلسطينية، أكد أبو غوش أنه ضيق للغاية، حيث وصلت إمكانية الاقتراض المحلي إلى حدها الأقصى، ما دفع السلطة للبحث عن قرض مجمع من البنوك العاملة في فلسطين على غرار القرض الذي حصلت عليه العام الماضي، لسد بعض الالتزامات كدفع الأقساط المستحقة على قروض الموظفين، أو الحصول على قرض مباشر وإعادة جدولة التزاماتها. إلا أن هذه الحلول تظل مؤقتة وغير جذرية.
وأوضح أبو غوش أن الوضع يتطلب حلاً سياسياً شاملاً يُنهي العدوان ويعالج الأزمة الاقتصادية من جذورها، إلى جانب عودة الدعم المالي الدولي، واستئناف المساعدات المالية للسلطة، مع ممارسة ضغط حقيقي على إسرائيل للإفراج عن أموال الضرائب المحتجزة ووقف الاقتطاعات منها.
ويرى أبو غوش أن السلطة الفلسطينية، في ظل استمرار هذه الضغوط، ستبقى عالقة في أزمة مالية خانقة قد تتفاقم مع الوقت إذا لم تتوفر حلول جذرية تضمن الدعم الدولي وتحمل إسرائيل مسؤولياتها الاقتصادية تجاه الأراضي الفلسطينية.
مطلوب إجراءات دولية عاجلة
من جانبه، قال المحلل الاقتصادي د. ثابت أبو الروس: إن التحذير الأمريكي الذي وُجّه لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بشأن انهيار الاقتصاد الفلسطيني هو حقيقي وجاد كون ذلك التحذير مدعوماً بمواقف سبع دول حليفة للولايات المتحدة، حيث يُشير هذا التحذير إلى أن الاقتصاد الفلسطيني يواجه خطر الانهيار الوشيك، وهو ما يعكس قلقاً دولياً واسعاً من انعكاسات هذا التدهور على الأوضاع السياسية والأمنية في المنطقة.
وأكد أبو الروس أن هذا التحذير يستند إلى تقارير صادرة عن مؤسسات دولية رفيعة، منها البنك الدولي والاتحاد الأوروبي، والتي تعتمد عليها واشنطن بشكل رئيسي في تشكيل رؤيتها حيال الاقتصاد الفلسطيني.
ووفقاً لتحليل أبو الروس، هناك ارتباط وثيق بين التحذير الاقتصادي والأثر السياسي المتوقع، لافتاً إلى أن التقارير الدولية التي تتابع الوضع منذ السابع من أكتوبر، تؤكد على ازدياد التهديد بانهيار المنظومة الاقتصادية الفلسطينية.
وأشار أبو الروس إلى أن هناك خشية من أن أي انهيار في الاقتصاد الفلسطيني من شأنه أن يزيد من حدة التوتر في الضفة الغربية وقطاع غزة، مما يُهدد بخلق حالة من "التدهور الأمني"، وهو السيناريو الذي لا ترغب الولايات المتحدة ولا إسرائيل في رؤيته يتحقق، نظراً لما قد يجلبه من تداعيات أمنية غير محمودة.
وفي هذا السياق، يرى أبو الروس أن التحذيرات الأمريكية تتسم بالجدية، وأنها موجهة بشكل أساسي للحكومة الإسرائيلية لتأخذ الإجراءات المناسبة.
إسرائيل تدرك خطورة الوضع الاقتصادي الفلسطيني
وأشار أبو الروس إلى أن إسرائيل تدرك جيداً خطورة الوضع الاقتصادي الفلسطيني، ويتضح ذلك من تعاملها المستمر مع ملف المقاصة المالية للسلطة الفلسطينية، حيث تقوم إسرائيل إما بتحويل مستحقات المقاصة بشكل متقطع أو سحب الفائ ....