لو قُدّر لي أن أستعير، لدقائق معدودات، ريشة الفنان ورسام الكاريكاتير في الصحيفة، الزميل ناصر الجعفري، لرسمتُ خيمةً تحمل شعار "الأونروا"، منصوبةً أمام المبنى الزجاجي للهيئة الدولية، المقام على ضفاف النهر الشرقي وسط نيويورك، وفي داخلها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ومديرها العام فيليب لازاريني، وعددٌ من موظفيه، يلتحفون البطّانيات، ويُشعلون بابور الكاز لأغراض التدفئة وإعداد الطعام.
فإذا كان أجدادي وأبي وأُمي ضحايا النكبة الأُولى، بخروجهم القسريّ من قرية بيت عطاب عام 1948، ولجوئهم "المؤقت"، الذي أصبح دائماً في مخيم الدهيشة، فإن الوكالة الدولية التي قدمت لهم ولمئات آلاف اللاجئين، ممن توزّعوا في الوطن والشتات، خدمات التعليم والصحة والإغاثة، وبناء المساكن "المؤقتة"، أصبحت لاجئةً مثلهم تسكنُ خيمة.
فلولا "الأونروا"، لم يتسنَّ لي أن أكون كاتباً لهذا العمود اليومي، ورئيساً لتحرير الصحيفة الأكبر في الوطن، فإليها يعود الفضل في تعليمي، وإنقاذ عائلتي من مسغبة الفقر والمرض والعوز والجهل وبؤس المسكن، التي وجد اللاجئون أنفسهم أمام أنيابها بعد أن تقطّعت بهم سُبل العيش الكريم.
واليوم، إذ تضاف "الأونروا" نفسُها إلى قائمة اللجوء، فذلك هو الطامة الكبرى للمنكوبين الذين يُقتلون صباح مساء في غزة، ويموتون جوعاً وفقراً؛ ففي اللحظة التي هُم فيها الأكثر حاجةً لخدمات وكالة الغوث، يجري رفع خيمتها عنهم، وتركهم فريسةً للقتل والجوع والترويع والتهجير.
تعود إسرائيل بعد نحو ثمانية عقود إلى سيرتها الأُولى، كعصابةٍ تُمارس جرائم الإبادة، وقد اطمأنت لإفلاتها من العقاب، أو حتى مجرد المساءلة، وكأنّها لا تُسأل عما تفعل!
أوقفوا حرب الإبادة الآن!