آخر الأخبار

جريدة القدس || طبيب العظام د. جياب سليمان يروي لـ"القدس" مشاهداته وانفعالاته حول الوضع الصحي بالقطاع

شارك الخبر

طبيب العظام د. جياب سليمان يروي لـ"ے" مشاهداته وانفعالاته حول الوضع الصحي بالقطاع....الوضع كارثي والنظام الصحي على شفا الانهيار


-    أكثر الحالات تأثيراً كانت لرجل نجا بأعجوبة بعد أن دُفن أربعة أيام تحت الأنقاض وفقد كامل عائلته

-    كنا نرى أشخاصاً فقدوا كل شيء وفقدوا الأمل.. هذا الشعور بالعجز أمام هذه المأساة كان مؤلماً

-    كل ابتسامة كنا نراها على وجه مريض بعد العلاج كانت تكافئنا على الجهد الذي بذلناه

-    كان المشهد مؤلماً في المستشفى الأوروبي.. نساء وأطفال ينامون في الممرات بلا موارد وبلا خصوصية

-      كنا نعمل بموارد محدودة وهذا جعل العمليات أكثر خطورة وصعوبة.. غزة بحاجة إلى الدعم الفوري



(بلوك مظلل)

طفلة في الثانية عشرة تعرضت لحروق شديدة نتيجة الفوسفور الأبيض، وكانت ملفوفة بالشاش.. سألتني إن كان بإمكاني أن أُحضر لها وجبة باذنجان.. أخبرتني أنها فقدت جميع أفراد عائلتها في القصف، لكنها ظلت متماسكة بطريقة أثرت فيّ بعمق. 


 في أعقاب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023، تدفقت فرق الإغاثة الطبية من جميع أنحاء العالم إلى المنطقة لتقديم المساعدة في ظل ظروف إنسانية قاسية، من بين هؤلاء الدكتور جياب سليمان، جراح عظام فلسطيني مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية، جاء للعمل الإغاثي والجراحي في مستشفيات غزة. 

 ينقل لنا الدكتور سليمان في مقابلة خاصة بـ"ے"، مشاهداته وتجربته الشخصية في العمل الطبي في ظل الدمار الواسع النطاق، حيث عالج الجرحى وأشرف على تنسيق الفرق الطبية وسط نقص حاد في الأدوية والمعدات، مستعرضاً قصصاً إنسانية من قلب المأساة.


رحلة طويلة إلى غزة


"بدأت العمل الإغاثي في غزة قبل سنوات من الحرب، وكنت دائماً على اتصال مع أهل القطاع، زرنا غزة عدة مرات قبل الحرب، وقدمنا المساعدة في علاج الأطفال والمصابين، سواء في غزة أو عبر نقل بعضهم إلى الولايات المتحدة لتلقي العلاج". بهذه الكلمات بدأ الدكتور سليمان حديثه لـ"ے".

يشرح الدكتور سليمان كيف أن العمل الإغاثي في غزة لم يكن أمراً جديداً بالنسبة إليه، فقد عمل على مر السنين مع منظمات إنسانية مثل مؤسسة "رحمة حول العالم" التي أسهمت في تقديم المساعدة الطبية لأهل غزة. وقال "في عام 2023، كنا نعلم أن الأمور تتجه نحو الأسوأ بعد هجوم 7 أكتوبر، ولذلك بدأنا فوراً البحث عن طريقة للوصول إلى غزة".

وأوضح سليمان أن رحلته والفريق الطبي من الولايات المتحدة إلى غزة كانت معقدة وطويلة. وقال: "الوصول إلى غزة لم يكن سهلاً، فقد كان علينا التنسيق مع عدة جهات، بما في ذلك مؤسسات إغاثية في إسرائيل، للحصول على التصاريح اللازمة لدخول القطاع عبر معبر رفح".

دخل الدكتور سليمان غزة في كانون الأول/ ديسمبر 2023، بعد شهرين على اندلاع الحرب، وعند وصوله إلى مستشفى غزة الأوروبي في خانيونس، فوجئ بحجم الدمار والمعاناة. وقال "ما رأيته كان يفوق كل توقعاتي، المستشفى كانت مليئة بالنازحين؛ حوالي 25,000 شخص كانوا يعيشون في أروقة المستشفى، بما في ذلك النساء والأطفال".

ويصف سليمان الوضع قائلاً: "كان المشهد مؤلمًا للغاية، النساء والأطفال ينامون في الزوايا وفي الممرات، بلا موارد، بلا خصوصية، وبلا مكان يذهبون إليه. كانت هناك أمهات يحاولن حماية أطفالهن وسط كل هذا الخراب".


مصدر الصورة


العمل الجراحي وسط نقص الإمكانات


كانت المستشفيات في غزة، كما وصفها الدكتور سليمان، في حالة من الانهيار التام. وأضاف: "عندما بدأنا العمل، كان هناك نقص كبير في كل شيء تقريبًا، الأدوية الأساسية كانت غير متوفرة، والمعدات الطبية كانت نادرة، وكنا نعمل بموارد محدودة جداً”.

وأوضح سليمان أن الجراحين في غزة كانوا يواجهون صعوبات هائلة في إجراء العمليات الجراحية، مضيفاً: "في الولايات المتحدة، نعمل وفق معايير عالمية، حيث نملك كل ما نحتاجه لإجراء العمليات بأمان. لكن في غزة، كنا نعمل بموارد محدودة، وهذا جعل العمليات أكثر خطورة وصعوبة".

وأضاف: "واحدة من أكثر الحالات تأثيراً كانت لرجل نجا بأعجوبة بعد أن دفن لأربعة أيام تحت أنقاض منزله الذي دمره القصف الإسرائيلي، وعندما وصل إلى المستشفى، كان جسمه مغطى بالشاش بالكامل. لقد فقد عائلته، وكان الناجي الوحيد.. كانت هذه واحدة من تلك اللحظات التي تشعرك بمدى الألم الذي يعيشه الناس في غزة".


قصص إنسانية من قلب المأساة


إلى جانب العمل الجراحي، واجه الدكتور سليمان قصصاً إنسانية مؤثرة، واحدة من القصص التي أثرت فيه بشكل خاص كانت لطفلة تبلغ من العمر (١٢ عامًا)، تعرضت لحروق شديدة نتيجة قصف بالفوسفور الأبيض، حيث قال: "عندما وصلت إليها في المستشفى، كانت الطفلة محروقة بالكامل، وملفوفة بالشاش، كانت تتحدث بصوت خفيض، وسألتني إن كان بإمكاني أن أحضر لها وجبة باذنجان، حيث كانت تفتقد لأبسط الأشياء".

وتابع: "بعد أن سألت الطفلة عن حالتها، أخبرتني أنها فقدت جميع أفراد عائلتها في القصف، لكنها ظلت متماسكة بطريقة أثرت فيّ بعمق. هذه الطفلة، على الرغم من كل ما مرت به، كانت تظهر صموداً عظيماً في وجه هذه الكارثة".


استجابة سريعة وسط الفوضى


وعن التنسيق بين الفرق الطبية بعد وصوله وفريقه إلى غزة، تحدث الدكتور سليمان حول التحدي الأكبر الذي واجههم، وهو تنظيم العمل الطبي بين الفرق المختلفة. وقال: "كان علينا تنسيق الجهود بين الأطباء القادمين من مختلف الدول، وتحديد التخصصات المطلوبة لكل مستشفى. لم يكن الأمر سهلًا، خاصة في ظل النقص الحاد في الأدوية والمعدات".

وأضاف: " كان الفريق الطبي يواجه ضغطاً كبيراً، حيث كان عليهم التعامل مع إصابات معقدة نتيجة القصف المدفعي والجوي. في بعض الأيام، كنا نعمل على علاج أكثر من ١٥٠ حالة في اليوم الواحد. كان الأمر مرهقًا، لكننا كنا نعلم أن كل دقيقة مهمة لإنقاذ حياة".


معاناة مضاعفة

وتحدث الدكتور سليمان عن التأثير النفسي والاجتماعي المدمر للحرب على النساء والأطفال في غزة، قائلاً: "كانت النساء اللواتي فقدن أزواجهن وأطفالهن يعشن في حالة من الصدمة. الأطفال كانوا الأكثر تضرراً، حيث فقدوا شعورهم بالأمان. رأيت أطفالاً في المستشفى يحفظون القرآن في محاولة للتكيف مع الوضع الرهيب الذي يعيشونه".

ولفت إلى أن العديد من النساء اللواتي قابلهن في المستشفى كن يعانين من صدمات نفسية نتيجة فقدان أحبائهن ونتيجة للتشريد. وقال: "الكثير منهن لم تكن لديهن أدنى فكرة عن كيفية المضي قدمًا في حياتهن بعد أن فقدن كل شيء".



تحديات يومية


وتطرق الدكتور سليمان إلى نقص الأدوية والمعدات، وكيف كان يمثل تحدياً يومياً للفريق الطبي، بقوله: "في بعض الأحيان، كنا نعمل بدون أدوية تخدير كافية، وكنا نضطر لإجراء العمليات في ظروف صعبة للغاية". 

وأضاف: "في إحدى المرات، كان لدينا مريض بحاجة إلى عملية طارئة، ولكن لم تكن لدينا أية معدات مناسبة. كان علينا التعامل مع هذه الظروف بأقصى درجات الابتكار، لكن هذا لم يكن كافياً دائماً”.

وتابع: "حاولنا جلب بعض المعدات الطبية من الخارج، لكن الحصار والقيود المفروضة على غزة جعلت إدخال هذه المعدات أمراً بالغ الصعوبة".


مصدر الصورة


التأثير النفسي على الفريق الطبي


لم تكن التحديات في غزة محصورة فقط في المرضى والمصابين، بل امتدت إلى الفريق الطبي نفسه، حيث يقول الدكتور سليمان: "العمل في ظل هذه الظروف كان مرهقاً نفسياً وجسدياً، كنا نعمل لساعات طويلة بدون راحة، وكان علينا أن نبقى متيقظين طوال الوقت للتعامل مع الإصابات الجديدة التي تصلنا باستمرار".

وأوضح أن أحد أكثر الأمور التي أثرت فيه هو رؤية هذا الكم الهائل من المعاناة الإنسانية، وقال: "كطبيب، ترى معاناة المرضى كل يوم، لكن في غزة، كان الأمر مختلفًا. كنت ترى أشخاصًا فقدوا كل شيء، ولم يكن لديهم أي أمل في تحسين حياتهم. هذا الشعور بالعجز أمام هذه المأساة كان مؤلمًا".


قصص ملهمة


وأشار الدكتور سليمان في حديثه إلى أنه وعلى الرغم من كل المعاناة، كانت هناك لحظات من الأمل والصمود. وقال: "رأيت أشخاصاً يواجهون ظروفاً لا يمكن تخيلها، ومع ذلك كانوا يظهرون قدرًا كبيرًا من الصمود والقوة. كان هناك طفل صغير تعرض لإصابة بالغة في قدمه، وعندما سألته كيف يشعر، أجابني بابتسامة وقال: "سأكون بخير، يا دكتور".

هذه اللحظات، كما يقول الدكتور جياب، كانت تلهم الفريق الطبي وتدفعهم للعمل بكل جهد لإنقاذ الأرواح "كل مرة كنا نرى فيها ابتسامة على وجه مريض بعد العلاج، كانت تلك اللحظة تكافئنا على كل الجهد الذي بذلناه".


الحاجة إلى تدخل عاجل


في نهاية حديثه، وجه الدكتور سليمان رسالة إلى المجتمع الدولي حول الحاجة الماسة إلى دعم غزة بشكل فوري، قائلاً: "الوضع في غزة كارثي، والنظام الصحي على وشك الانهيار. المستشفيات تحتاج إلى إمدادات طبية عاجلة، والأطباء يحتاجون إلى دعم دولي لاستمرار العمل".

وأكد أن استمرار الحصار والهجمات سيزيد من معاناة الناس، وأن التدخل الدولي أصبح ضرورياً لمنع حدوث كارثة إنسانية أكبر "لا يمكن للعالم أن يقف مكتوف الأيدي، فيما يعاني ملايين الأشخاص في غزة من هذا الدمار".

بعد مرور عام على الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة، تبقى ذكريات الدكتور جياب سليمان عن عمله في القطاع شهادة على حجم المعاناة التي يعيشها سكان غزة يومياً. من خلال هذه المقابلة، حاولنا نقل بعض من هذه القصص الإنسانية، التي تؤكد أن الأمل والتضامن ما زالا موجودين بالرغم من كل شيء. غزة بحاجة إلى دعم العالم، ومثل هذه الجهود الطبية، على الرغم من أهميتها، ليست كافية بمفردها للتعامل مع حجم الكارثة.


مصدر الصورة


القدس المصدر: القدس
شارك الخبر

إقرأ أيضا