آخر الأخبار

جريدة القدس || حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة في المرآة

شارك الخبر
مصدر الصورة

لقد مر عام منذ أن توغل مقاتلو حركة المقاومة الفلسطينية "حماس" في إسرائيل في السابع من تشرين الأول. وقد شنت حماس هجوماً مفاجئا ، أطلقت عليه اسم عملية طوفان الأقصى، أسفر عن مقتل 1200 إسرائيلي، بينهم 311 جندي واحتجاز أكثر من 250 رهينة وأخذهم إلى قطاع المحاصر بحسب الرواية الرسمية لسلطات الاحتلال الإسرائيلي. 


بدورها، وبحسب كل المصادر، بادرت إسرائيل إلى تنفيذ "توجيه هنيبعل"، الذي يقضي بقتل كل من تواجد، فلسطينيا وإسرائيليا، كي لا يصبح الإسرائيليين المأسورين عبئا على جيش الاحتلال في ذلك اليوم، فقتلت عشرات المدنيين لمنع نقلهم إلى غزة.


وفي أعقاب الهجوم، تأمل الخبراء والمحللون السياسيون الغربيون في الأسباب التي دفعت حركة "حماس" إلى شن هجومها غير المسبوق. من وجهة نظر حماس، كان السابع من تشرين الأول رداً مبرراً على 75 عاماً من القمع والظلم والقتل الإسرائيلي للشعب الفلسطيني. ولم يقتنع (أو يتمكن الخبراء) بهذا المنطق من تفسير السابع من تشرين الأول بالكامل، ولجئوا إلى تفسيرات كلها تنطلق من موقف عنصري لا يعتبر الكارثة التي ألمت بالفلسطينيين بسبب قيام إسرائيل، أو الاحتلال الشرس المستمر لأكثر من 57 عاما في الضفة الغربية وغزة- رئيس الولايات المتحدة، جو بايدن قال يومها أن الدافع وراء الهجوم هو "قتل اليهود ولا شيء آخر"، دون الالتفات ولو للحظة للنكبة الفلسطينية المستمرة منذ عام 1948.


ولكن إذا نظرنا إلى الوراء، فربما تكون عناصر أخرى قد دفعت حسابات حماس الإستراتيجية لشن هجمات السابع من تشرين الأول.


بعض المشككين بالدوافع الوطنية لحماس (كالعديد من المؤسسات البحثية الأميركية) تعتقد أن أحد العوامل المحفزة وراء هجوم حماس هو عدم شعبية الحركة بين الفلسطينيين في غزة. (بحسب المعهد العربي الأميركي في واشنطن، أيد حوالي 20% من الفلسطينيين في غزة حماس قبل السابع من تشرين الأول. وجاءت واحدة من أبرز حالات العصيان العام في تموز 2023 عندما نزل آلاف الفلسطينيين إلى الشوارع ضد الجماعة الإسلامية بسبب الظروف الاقتصادية والمعيشية في غزة الناجمة عن الحصار الإسرائيلي الوحشي. وتم تفريق المظاهرات بعنف في ما اعتبر عرضا نادرا ولكنه قوي للإحباط ضد حكم حماس).


وبأخذ هذه العناصر في الاعتبار، سعت حماس إلى استخدام السابع من تشرين الأول كمحاولة لإعادة تشكيل صورتها كجماعة مسلحة مقاتلة تحمي الفلسطينيين ضد العدوان الإسرائيلي. واعتقدت حماس أنه من خلال تأطير السابع من تشرين الأول كعمل ثوري للمقاومة ضد إسرائيل، فإن الفلسطينيين سوف يرونهم حماة لنضالهم ويرون حماس في ضوء إيجابي.


كما ساهمت الاعتبارات الجيوسياسية في الشرق الأوسط في هجوم السابع من تشرين الأول. وشعرت حماس في نهاية المطاف بالحاجة إلى فضح الرواية القائلة بأن الشرق الأوسط يمكن أن يتجاهل النضال الفلسطيني بالكامل. على سبيل المثال، تخلت الأردن ومصر عن نفوذهما السياسي عندما أبرمت الدولتان السلام مع إسرائيل دون اشتراط إنشاء دولة فلسطينية.


في الأشهر التي سبقت هجوم حماس، كانت المملكة العربية السعودية على وشك تكرار نفس النمط من خلال تطبيع العلاقات مع إسرائيل. كانت واشنطن والرياض منخرطتين في مناقشات رفيعة المستوى سعى فيها السعوديون إلى إبرام اتفاقية دفاعية أمريكية. دفع البيت الأبيض المملكة إلى إسقاط مطالبها بأن يكون التطبيع مع تل أبيب مشروطًا بإقامة دولة فلسطينية.


لو تم تنفيذ مثل هذا الاتفاق، لكانت القضية الفلسطينية قد عانت من أضرار جسيمة. كان مغازلة المملكة العربية السعودية للتطبيع الإسرائيلي أيضًا جزءًا من اتجاه عام حددته اتفاقيات إبراهيم التطبيعية (بين إسرائيل ودولة الأمارات والبحرين والمغرب والسودلن)، والتي صُممت لتجاوز القضية الفلسطينية في المنطقة.


وهكذا، يفسر البعض هجوم حماس، على أنه كان مصممًا لقلب التطبيع الإسرائيلي السعودي الوشيك مع السعي إلى التغلب على العقبات الإقليمية التي فرضتها تكوينات اتفاقيات إبراهيم. وحتى الآن، نجحت حماس في هذا الصدد. لقد أدى هجومهم إلى نزع الشرعية عن اتفاقيات إبراهيم وإحباط التطبيع المحتمل بين إسرائيل والسعودية. ونتيجة لذلك، أعلنت المملكة العربية السعودية علنًا أنها لن تطبع مع إسرائيل ما لم تنهي احتلالها وتقيم دولة فلسطينية على حدود عام 1967 تعترف بها الأمم المتحدة.


في واقع الأمر، لم تنجح إسرائيل حتى الآن بتحقيق أهدافها المعلنة: تحرير المحتجزين بالقوة؛ اجتثاث حركة المقاومة الفلسطينيين وتغيير النظام في غزة نجحت إسرائيل في تهدئة حماس كجماعة مسلحة وحصرها في غزة في حين دمرت في الوقت نفسه إمكانية قيام دولة فلسطينية.


ولكن هناك أمر واحد مؤكد: وهو أن الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة منذ عام (وألان في لبنان) تتجاوز كل الحدود القيمية الأخلاقية التي يتشدق بها لغرب.  فقد قُتل واحد وأربعون ألف فلسطيني (وربما 120 ألف) معظمهم من النساء والأطفال ، ونزح معظم سكان غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة دون مأوى. ويعتبر الرد الإسرائيلي الوحشي ليس انتهاكاً صارخاً للاتفاقات الموقعة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فحسب، بل وأيضاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.


ولكن رغم قتامة المشهد وألمه - وفق عديد من المراقبين- فإن ما أنجزته المقاومة خلال هذا العام فاق تصورات أنصارها وأعدائها على حد سواء.


فقد ذكرت صحيفة   واشنطن بوسفي أحد تقاريرها- أن حركة المقاومة الإسلامية  (حماس) ما زالت راسخة في مواقعها بعد مرور عام من الحرب الإسرائيلية التي أعلنت أن القضاء على حماس أهم أهدافها.


ولا يمكن بحال من الأحوال غض النظر عن الهوس الإسرائيلي بما يمكن أن تفعله المقاومة في ذكرى الطوفان والسابع من تشرين الأول، فقد زاد الجيش الإسرائيلي تحصين مواقعه داخل القطاع، خاصة محوري فيلادلفيا) (جنوبا) ونتساريم (في الوسط) ومنذ أيام تعمل قوات الاحتلال على توسيع المحور لمواجهة أي طارئ قد يحدث في ذكرى السابع من تشرين الأول أوبعده.


وما زالت الحرب في أوجها وهي بعيدة عن الحسم حاليا، وكلما طال أمدها زاد احتمال اتساعها وهو ما يحدث حاليا، ولكن هناك عديدا من المؤشرات لصالح المقاومة، خاصة في ظل أسلوب الاستنزاف الذي تتبعه مع الاحتلال.


فقد أحبطت حماس مخطط إسرائيل، واتخذت قرارا بشن حرب خاطفة ومدمرة على القطاع المحاصر، وجاء هجوم المقاومة ليخلط الأوراق كافة، ويجر إسرائيل للدخول في مربع رد الفعل والاستنزاف المتراكم والمتدحرج بشريا وعسكريا واقتصاديا


ويمكن رصد الخطة الإسرائيلية عبر تصريحات مسؤولين إسرائيليين في نيسان 2023، عندما قال وزير الأمن المستوطن، إيتمار بن غفير إن "الوقت قد حان لتتدحرج الرؤوس في قطاع غزة". وذكر بن غفير أن "الحكومة التي أنا عضو فيها يجب أن ترد بقوة على إطلاق الصواريخ من غزة. صواريخ حماس تحتاج لرد يتجاوز قصف الكثبان الرملية ومواقع غير مأهولة، حان الوقت لتتدحرج الرؤوس". وتوعد وزير المالية بتسليل سموتريتش بـ"احتمال إعادة احتلال قطاع غزة، كحل جذري للاشتباكات المتكررة مع الفصائل الفلسطينية في القطاع".


بعد أشهر من الطوفان الفلسطيني، تدحرجت رؤوس كثيرة بمواقع القيادة في إسرائيل، إذ قدم عديد منهم استقالاتهم بشبب الإخفاق الذي مني به الاحتلال ذلك اليوم، فقد استقال رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية  ) أهارون هاليفا ، واللواء يوسي شارييل قائد 8200 وحدة الاستخبارات الإسرائيلية  كما استقال عدد كبير من المسؤولين بمكتب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي. ومن المنتظر استقالة آخرين ما أن تضع الحرب أوزارها.


وأخيرا، لا بد من الإشارة إلى أن أميركا بالأساس، تقف وراء استمرار حرب الإبادة الجماعية للفلسطينيين، مع صمت عالمي وعربي يصم الآذان.

القدس المصدر: القدس
شارك الخبر

إقرأ أيضا