سليمان بشارات: حرب الإبادة رغم مأساويتها دفعت القضية الفلسطينية من كونها صراعاً استعمارياً محلياً إلى قضية دولية
أحمد زكارنة: احتمالية إنهاء المأساة في غزة لا تبدو قريبة ونتنياهو يستغل استمرار الحرب للحفاظ على حكمه
سماح خليفة: "حماس" أدركت أنها أخفقت في الاعتماد على "وحدة الساحات" وأن إيران لم تقدم الدعم الكافي
داود كُتّاب: حرب الإبادة الجماعية المستمرة أفرزت وعياً غير مسبوق بالقضية الفلسطينية على المستوى العالمي
عدنان الصباح: للمرة الأولى أصبحت القضية الفلسطينية جزءاً من "حالة دولية" تساند المقاومة ضد الهيمنة الأمريكية
قبل عام من الآن وتحديداَ في السابع من تشرين الثاني/ أكتوبر 2023 استيقظ على الناس على فعلٍ مقاومٍ لم يعهدوه من قبل، حين تمكن تشكيل مقاتل من كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، من اختراق التحصينات والجدران الإلكترونية والدخول إلى العديد من المستوطنات والمقار العسكرية المهمة، بعد أن مهدت لذلك بقصف مكثف للصواريخ، ما شكل صدمة ومفاجأة غير مسبوقة لدولة الاحتلال.
وبالرغم من عدم تكشف كافة التفاصيل التي أحاطت عملية الاقتحام النوعية التي قامت بها كتائب القسام، سواء الهدف الحقيقي المخطط له من العملية أو ما رافقها من أحداث وتطورات، فإن دولة الاحتلال اعتبرت ما حصل تجاوزاً لكل الخطوط الحمراء، وتهديداً وجودياً لها، فسارعت إلى شن حرب عدوانية غير مسبوقة في وحشيتها، تجسدت فيها كل مقومات حرب الإبادة، من عمليات قتل طالت نحو 41 ألف شهيد عدا المفقودين تحت الأنقاض، وأكثر من مئة ألف جريح، إضافة إلى المعتقلين الذين لم يحدد عددهم بعد، والدمار الهائل في البيوت والمباني والمقار الرسمية والجامعات والمدارس والبنى التحتية وكل مقومات الحياة، وتشريد أكثر من 70 بالمئة من أبناء القطاع عن بيوتهم للعيش في ظروف غاية في القسوة والبؤس.
وعلى الرغم من ذلك، فإن كل هذه الويلات والجرائم بحق الإنسانية لم تكن كافية لتحرك حقيقي من قبل المجتمع الدولي لوقفها ووضع حد لها، رغم صدور قرارات من الهيئات والمحاكم الدولية، وقد واصلت دولة الاحتلال الإسرائيلي ارتكاب المجازر اليومية وعمليات التجويع والتشريد وكأنها دولة فوق كل القوانين الدولية، طالما وفرت لها الولايات المتحدة الغطاء السياسي والدبلوماسي، وفتحت مخازن أحدث الأسلحة الفتاكة والصواريخ أمامها لتمطر بها المواطنين الأمنين في البيوت وحتى في مراكز الإيواء من خيام ومدارس ترفع علم وكالة الغوث الدولية "الأونروا".
ويرى كتاب ومحللون وباحثون سياسيون، في أحاديث منفصلة لـ"ے"، أن حرب الإبادة على غزة باتت تحمل أبعاداً دولية قد تساهم في إعادة تشكيل النظام السياسي العالمي، مع تحول القضية الفلسطينية من قضية محلية إلى أزمة عالمية لها تداعياتها على الاستقرار الدولي.
وقال الكتاب والمحللون والباحثون إنه رغم المعاناة التي يعيشها الفلسطينيون، لكن القضية الفلسطينية باتت تشكل مفصلاً مهماً على المستوى الدولي، كما أن الحرب لم تكن فقط مأساة إنسانية، بل مرحلة مفصلية قد تحدد مستقبل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي لعقود مقبلة.
تأثيرات عميقة على المستويَين السياسي والثقافي
وقال الكاتب والمحلل السياسي سليمان بشارات إن حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، التي أتمت عامها الأول، قد تخلق واقعًا جديدًا يتجاوز الأبعاد العسكرية والميدانية، ليشمل تأثيرات عميقة على المستويات السياسية والثقافية، ليس فقط فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والمنطقة العربية، ولكن أيضًا فيما يخص الأبعاد الإقليمية والدولية.
ويرى بشارات أن هذه الحرب قد تؤدي إلى تحولات في النظام الدولي شبيهة بما حدث بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وغزو العراق، وربما بشكل أكبر وأعمق.
ولفت بشارات إلى أن الصراع في بداياته كان يرتبط بالحالة الاستعمارية بين الفلسطينيين وإسرائيل فقط، وكان يقتصر على المواجهات العسكرية، لكنه الآن اتسع ليصبح صراعًا دوليًا على الهيمنة، والطاقة، والثروات، وحتى الوجود البشري.
وتطرق بشارات إلى أن تسارع وتيرة الحرب الحالية قد يطال قطاعات حيوية مثل النفط والمقدرات الاقتصادية، ما يجعلها جزءاً من الصراع الدولي الأوسع على مصادر الطاقة والموارد.
إدارة الصراع وشرعنته
من جانب آخر، قال بشارات: إن ما يجري من جهود سياسية ومبادرات دولية لاحتواء الأوضاع في غزة أو لبنان، حتى اللحظة، يبدو أنها تسعى فقط إلى إدارة الصراع وشرعنته، دون إيجاد حل نهائي لإنهاء الحرب، فالولايات المتحدة وإسرائيل تعتقدان أن الظروف الدولية الحالية تصب في مصلحتهما لإعادة تشكيل المنطقة سياسيًا بما يتناسب مع مصالحهما الاستراتيجية الدولية.
وأضاف بشارات: "إن حرب الإبادة، رغم مأساويتها، دفعت بالقضية الفلسطينية من كونها صراعًا استعماريًا محليًا إلى قضية دولية تهم العالم بأسره، حيث أنه من الواضح أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين هو أحد أسباب عدم الاستقرار الإقليمي والدولي".
ويرى بشارات أن هذا التطور قد يؤدي إلى محاولات دولية شبيهة بما حدث في جنوب أفريقيا، حين شعرت القوى الدولية بالمسؤولية تجاه إنهاء الاضطهاد العنصري هناك، ومن الممكن أن تُجبَر دول العالم في المرحلة المقبلة على تبني رؤى تعطي الفلسطينيين حقوقهم الأساسية، وتفتح لهم أفقًا للأمل في المستقبل.
النظام السياسي الدولي أخفق في امتحان مبادئه وقيمه
وفي ما يتعلق بأداء المجتمع الدولي خلال عام من حرب الإبادة، أشار بشارات إلى وجود مأخذين رئيسيين، أولاً، الحضور العربي والإسلامي بدا غائباً بشكل ملحوظ، حيث لم يقدم الرؤية أو الجهود الكافية لإنهاء مأساة الشعب الفلسطيني.
أما المأخذ الثاني، حسب بشارات، فإن النظام السياسي الدولي فشل في اختبار المبادئ والقيم التي طالما روج لها بشأن حماية الشعوب المضطهدة، فالمجتمع الدولي، بمؤسساته المختلفة، لم ينجح في إنهاء معاناة الفلسطينيين أو تقديم حلول فاعلة تنهي الحرب وتضمن حقوقهم.
ويرى بشارات أن التحولات الكبرى التي قد تنتج عن هذه الحرب قد تعيد تشكيل النظام الدولي وتفرض على الجميع إعادة النظر في معادلات القوة والهيمنة، بما في ذلك القوى الكبرى التي تسعى لفرض إرادتها في المنطقة.
الحرب على غزة لم تحقق أهدافها المعلنة
من جانبه، قال الكاتب والباحث السياسي أحمد زكارنة: إن الحرب المستمرة على قطاع غزة، والتي مر عام على بدايتها، لم تحقق الأهداف المعلنة التي سعى إليها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لكن بالمقابل، تحققت أهداف غير معلنة، من بينها تحويل غزة إلى منطقة "غير قابلة للحياة"، وإعادة احتلال القطاع بشكل فعلي.
وأضاف: في الضفة الغربية تواصل إسرائيل سيطرتها المطلقة على الأرض، وتحاول تنفيذ خطة لإيجاد بيئة طاردة للسكان، ضمن مشروع وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش المسمى "خطة الحسم".
وأكد زكارنة أن إسرائيل لا تكتفي بالسيطرة على قطاع غزة والضفة الغربية، بل بدأت توسيع أطماعها التوسعية في المنطقة، حيث توجد تحركات نحو الساحات الأخرى لتوسيع رقعة الصراع، ما يعني زيادة التهديدات ضد دول المنطقة.
وتابع زكارنة: "هذا التوسع، يندرج ضمن مساعي إسرائيل لفرض هيمنتها على المنطقة بشكل أوسع".
ويرى زكارنة أنه ورغم المآسي الناتجة عن الحرب، فإن القضية الفلسطينية حققت إنجازات مهمة على الصعيدين السياسي والدبلوماسي الدوليين، حيث شهد العالم زيادة في الوعي والتضامن الشعبي والجماهيري مع الفلسطينيين.
وأشار زكارنة إلى أن احتمالية إنهاء المأساة ووقف الحرب على غزة لا تبدو قريبة، مشيراً إلى أن نتنياهو يستغل استمرار الحرب كفرصة للحفاظ على حكمه والبقاء في السلطة، خصوصاً في ظل الأزمات السياسية الداخلية التي تواجهه.
نتنياهو يدير حرباً زاحفة ومتصاعدة" في المنطقة
ولفت زكارنة إلى تورط نتنياهو في الانتخابات الأمريكية لصالح الرئيس السابق دونالد ترامب يزيد من تعقيد الأوضاع، حيث يدير نتنياهو حرباً "زاحفة ومتصاعدة" في المنطقة، من دون إعلان رسمي عنها، ويعمل على تحقيق توازن يسمح له بتجنب الاعتراف بأن الصراع بات إقليمياً، على الرغم من اتساع رقعته.
وأشار زكارنة إلى أن الإدارة الحقيقية للأمور في الولايات المتحدة ليست بيد إدارة الرئيس جو بايدن، بل تدار من قبل ما يُعرف بـ"الدولة العميقة" التي تتحكم في صناعة القرار الأمريكي.
وفي ظل هذه التطورات، شدد زكارنة على أن ما يجري حالياً لا يشير إلى أي أفق لحل الدولتين، وهو ما يعني فشل الجهود الدولية لتحقيق السلام في المنطقة.
من جانب آخر، قال زكارنة إن من أبرز النقاط السلبية التي تُؤخذ على الفلسطينيين في ظل هذه الحرب هي استمرار حالة الانقسام الداخلي بين الفلسطينيين، ما يضعف القدرة على مواجهة الاحتلال بصف موحد.
وأشار زكارنة إلى أن فكرة السابع من أكتوبر، التي حملت رمزية الصمود والمقاومة، حققت مكاسب على المستوى الدولي، لكنها في الوقت ذاته أضاعت قطاع غزة في سياق أهداف مرتبطة بما يسمى "محور المقاومة"، الذي تقوده إيران، والتي تسعى لتحقيق مكاسب خاصة بها ضمن معادلات إقليمية ودولية.
إسرائيل تتكبد خسائر غير مسبوقة
بدورها، قالت الكاتبة والمحللة السياسية سماح خليفة: إن الحرب الإسرائيلية على غزة، التي مر عام على بدايتها، لم تحقق أهدافها المعلنة التي وضعتها الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو، فلم تتمكن إسرائيل من تدمير البنية المدنية لحركة حماس، كما لم تنجح في القضاء على قدراتها العسكرية، أو إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة، كما فشلت في استعادة الأمن في المناطق الجنوبية، في المقابل، تكبدت إسرائيل خسائر غير مسبوقة في هذه الحرب الأطول في تاريخها.
وأشارت خليفة إلى أن إسرائيل لجأت إلى تصعيد استهدافها باغتيال قيادات حركة حماس وحزب الله وارتكبت جرائم إبادة ضد المدنيين، لكن هذه الهجمات لم تؤثر في بنية المقاومة، بل على العكس، زادت من قوتها وصمودها، وحشدت دعماً شعبياً أكبر، فالتضامن مع المقاومة تعزز، خاصة بعد استشهاد القادة الميدانيين الذين كانوا يُتهمون بأنهم بعيدون عن ساحة المعركة، ما أسقط تلك الاتهامات.
ولفتت خليفة إلى أن الشعوب القائمة على الإيمان بفكرة وعقيدة تواجه قرارات نتنياهو الخاطئة بثبات، معتبرة أن تلك القرارات تُلحق أضراراً جسيمة بأمن إسرائيل القومي وحياة الإسرائيليين.
وترى خليفة أن استمرار الحرب لن يؤدي إلا إلى مزيد من الخسائر لإسرائيل، إذ إن ميزان الربح والخسارة يختلف بين الفلسطينيين والإسرائيليين؛ فبينما يعيش الفلسطينيون منذ نكبتهم عام 1948، خسائر عديدة لكنهم يحاولون الحفاظ على كرامتهم وإنسانيتهم.
ردع نتنياهو قد يأتي من الشارع الإسرائيلي
وقالت خليفة: إن الرادع الحقيقي لنتنياهو قد يأتي من داخل الشارع الإسرائيلي نفسه، الذي قد يضغط على المؤسسة السياسية لإيقاف هذه الحرب.
وتطرقت خليفة إلى تقييم حركة حماس للوضع بعد عام من الحرب، حيث أشارت إلى أن الحركة أدركت أنها أخفقت في الاعتماد على ما يسمى "قواعد الاشتباك" و"وحدة الساحات"، وأنها ليست إلا حركة ....