آخر الأخبار

جريدة القدس || عام على الحرب على غزة

شارك الخبر

في السابع من تشرين الأول 2023، شن مقاتلو حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية، "حماس" هجوماً على منطقة غلاف غزة (جنوب إسرائيل) بهدف تحطيم الوضع الراهن غير المستدام بشكل لا رجعة عنه. ورغم أن الأزمة التي استمرت الآن لمدة عام كامل اندلعت بالفعل في ذلك اليوم، إلا أنها كانت في طور التكوين على مدى عقود، حيث قالت المقاومة الفلسطينية أن هجومها كان ردا على "اعتداءات قوات الاحتلال والمستوطنين الإسرائيليين المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني وممتلكاته ومقدساته، ولا سيما المسجد الأقصى في القدس الشرقية المحتلة".


يومها ، قام مقاتلو حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى بقتل عدد من الإسرائيليين، تقول إسرائيل أن عددهم بلغ 1200 شخص، وبحسب بيانات جيش الاحتلال ، يشمل هذا العدد 311 جندي، فيما تقدر تل أبيب وجود 101 أسير في غزة حاليا من أصل 239 إسرائيليا على الأقل تم أسرهم في 7 تشرين الأول الماضي ، بادلت عشرات منهم خلال هدنة مؤقتة في الأسبوع الأخير من شهر تشرين الثاني الماضي، وأعلنت حماس مقتل عشرات آخرين في غارات إسرائيلية عشوائية.


كان رد الفعل الأولي لسلطات الاحتلال الإسرائيلية هو إطلاق حملة إبادة جماعية ضد المواطنين الفلسطينيين في قطاع غزة. وبدافع الانتقام والرغبة في إراقة الدماء، كانت الحملة مصممة ليس فقط للقتل والتدمير على نطاق واسع، بل ولجعل قطاع غزة غير صالح للسكن البشري، وعلى مدى عام كامل، واصلت إسرائيل ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية في قطاع غزة، مستمدةً الجرأة للقيام بذلك، من الدعم السياسي وعسكري اللامحدود من الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية، ووهن الدول العربية والإسلامية.


كانت الإبادة الجماعية هي الثمن الذي كان رعاة إسرائيل الغربيون على استعداد لدفعه مقابل جعل قطاع غزة عبرة للآخرين، وبالتالي إعادة تأسيس قوتها الرادعة المحطمة.


ولضمان قدرة إسرائيل على الاجتياح في قطاع غزة دون عقاب والإفلات من أي مساءلة عن أفعالها، قام رعاة إسرائيل الغربيون وحلفاؤها، بقيادة الولايات المتحدة، بتمزيق كل قواعد القانون الدولي والمعايير والقيم التي تدعمه عن طيب خاطر.


إن كل محاولة إسرائيلية لمحو خط أحمر آخر ـ قصف وتدمير المستشفيات والمدارس ومراكز اللاجئين، وتحويل أجهزة الاتصالات إلى قنابل يدوية، وقتل وجرح المئات من أجل إنقاذ أربعة أسرى (على سبيل المثال يوم 8 حزيران) ـ كانت مبررة باعتبارها عملاً مشروعاً من أعمال الدفاع عن النفس.


وبحسب المنطق، فقد تحول العالم بسبب هذه الحرب الشرسة إلى مكان أكثر خطورة بالنسبة للجميع، على مذبح الإفلات الإسرائيلي من العقاب.


لقد فشلت إسرائيل طيلة العام الماضي ليس فقط في تحقيق أي شيء ذو أهمية عسكرية في قطاع غزة، بل إنها فشلت أيضاً في صياغة إستراتيجية واضحة. والواقع أن شعارات مثل "النصر الكامل" وعقدة تشرشل لا تشكل بديلاً عن الرؤية السياسية.


ويبدو أن هذا الوضع بدأ يتغير الآن. فقد أدى اغتيال إسرائيل للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، ومعه تقريباً كل القيادة العسكرية للحزب ، إلى منحها الثقة في قدرتها على تفكيك التحالف المعروف باسم محور المقاومة.


إن المبادرة الرئيسية التي اتخذتها إسرائيل في هذا الصدد هي غزو لبنان الجاري حاليا، والذي يتم فيه تجاوز كل الخطوط الحمراء التي انتهكت في غزة مرة أخرى، ومرة أخرى دون أي صوت من العواصم التي اعتادت أن توعظ المنافسين والأعداء وغيرهم من الكائنات الأقل شأنا حول قدسية سيادة القانون وحقوق الإنسان والمبادئ المماثلة.


وكما كان واضحا منذ البداية، فإن الهدف النهائي لإسرائيل هو تغيير الأنظمة في غزة ولبنان والنظام في إيران، على افتراض خاطئ مفاده أن الحكومة الإيرانية المنفصلة عن الصراع مع إسرائيل ستحول الفلسطينيين، والعرب بشكل عام، إلى كيانات عاجزة.


ويبدو أن إسرائيل مقتنعة بأن الطريق إلى طهران يمر عبر الضاحية الجنوبية لبيروت.


وقد أكد رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ذلك في الثلاثين من أيلول عندما تعهد بأن الإيرانيين سوف يحققون قريبا "الحرية" من قادتهم.


وتتطلب أجندة إسرائيل منها هندسة مواجهة عسكرية مباشرة بين واشنطن وطهران.


هذه الحرب التي واجهت خلالها إسرائيل اتهامات بارتكاب "جرائم حرب"، خلفت حتى الجمعة 4 تشرين الأول الجاري 41 ألفا و802 قتيل فلسطيني، بينهم 17 ألف طفل ، و97 ألف جريح، وفق وزارة الصحة بقطاع غزة.


وأعلنت الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة الأميركية (التي تقود الحرب عمليا) وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا، مئات المرات أنها ستدعم "إسرائيل في الدفاع عن نفسها وشعبها" بعد 7 تشرين الأول 2023، وهو بالفعل ما جرى ويجري، فقد أرسلت الولايات المتحدة أكثر من 70 ألف طن من الأسلحة والذخائر لإسرائيل (أكثر من 23 مليار دولار من الأسلحة)، وحالت دون تمرير أي قرار في مجلس الأمن باستخدام حق النقض "الفيتو" أربع مرات منذ 18 تشرين الأول 2023، وبدلا من ذلك لم تتوقف أميركا ولو ليوم واحد عن إرسال الأسلحة الفتاكة التي مكنت إسرائيل من قتل 42 ألف في غزة، (والآلاف في لبنان حاليا)، حيث قالت مصادر أميركية رسمية تحدثت إلى رويترز، إن واشنطن أرسلت إلى إسرائيل في الفترة ما بين 7 تشرين الأول  و28 حزيران ، ما لا يقل عن 14 ألف قنبلة من طراز "MK-84" تستخدم في قاذفات القنابل، و6 آلاف و500 قنبلة تزن الواحدة منها 227 كيلوغرامًا.


وذكرت هذه المصادر أن واشنطن أرسلت أيضاً صواريخ هيلفاير جو-أرض موجهة، وألف قنبلة خارقة للتحصينات، و2600 قنبلة صغيرة الحجم يتم إسقاطها جواً وذخائر أخرى.


وبحسب بحث أجرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية، فإنه في الفترة من 7 تشرين الأول 2023 إلى تموز 2024، أقلعت 173 طائرة شحن عسكرية ومدنية من الولايات المتحدة والقواعد العسكرية الأمريكية حول العالم باتجاه إسرائيل وعلى متنها أسلحة وذخائر.


ومؤخراً ذكرت وزارة الدفاع الإسرائيلية في بيان يوم 26 أيلول الماضي الماضي، أن المدير العام لوزارة الدفاع إيال زمير وقع اتفاقا في واشنطن تحصل بموجبه تل أبيب على حزمة مساعدات حربية أمريكية بقيمة 8.7 مليارات دولار.


ولم تترك إسرائيل ، الممكنة أميركيا، سلاحًا أو ذخائرا في الترسانة العسكرية الغربية المشتركة إلا واستخدمتها ضدّ المدنيين العزل في قطاع غزة خلال حرب الإبادة الجماعية الممتدة منذ عام كامل، ، من بينها قنابل "MK82"،"MK83"،"MK84" وجميعها أمريكية الصنع وذات أحجام وأوزان مختلفة.  وكانت قنبلة "MK84" من أكبر القنابل التي ألقت بها طائرات الاحتلال، إذ يبلغ وزنها الإجمالي قرابة طن (1000 كيلوغرام)، وهي تحتوي على 425 كيلوجرام من المواد شديدة الانفجار، وهي ذات قوة تدميرية هائلة. 


في أميركا، لقد شكل عام الحرب الذي أعقب هجمات السابع من تشرين الأول آراء جيل من الشباب، الذين يرون الآن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ودور أميركا فيه بطرق مختلفة تماما عن نظرات كبار السن.


وبحسب ما قالته كارميل أربيت، الزميلة البارزة في برامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي في واشنطن: "سوف ينتقل هذا الجيل الجديد من الحرم الجامعي إلى قاعات الحكومة في نهاية المطاف. وسوف يكون للأحداث التي أعقبت السابع من تشرين الأول تأثير حقيقي على نظرتهم للعالم" ، حيث بات يرى الجيل الأصغر الشعب الفلسطيني على أنه الطرف الأضعف، وأنه يجب لا يستمر الصمت أمام الإبادة الإسرائيلية للفلسطينيين. وقد أظهرت استطلاعات الرأي في العام الماضي باستمرار أن جيل Z والشباب من جيل الألفية يميلون إلى التعاطف مع الفلسطينيين ويريدون من الولايات المتحدة التوقف عن دعم جهود الحرب الإسرائيلية بمعدلات أعلى من الأميركيين الأكبر سنا.


وقد شهدت المدن الكبرى والمئات من الجامعات الأميركية في جميع أنحاء البلاد احتجاجات ومخيمات ضخمة مؤيدة للفلسطينيين في الربيع الماضي، والتي استؤنفت هذا الخريف.


لمدة عام، انتشرت صور مدمرة من غزة في جميع أنحاء العالم على وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الأخبار. فقد قُتل أكثر من 41600 فلسطيني، وفقًا لبيانات وزارة الصحة التي تديرها حماس في غزة.


لا شك أن معظم الساسة في واشنطن ما زالوا يدعمون إسرائيل بشكل لا لبس فيه. وقد تم التصويت على إقصاء بعض الذين انتقدوا إسرائيل في السباقات التمهيدية، لكن حرب إسرائيل على غزة ترددت صداها في جميع أنحاء الولايات المتحدة" وأصبحت قضية محلية لا يستطيع الساسة تجاهلها. ومع ضغوط الشباب على ساستهم، وصعودهم في النهاية إلى السلطة بأنفسهم، قد تبدأ السياسة الأميركية في التحول بطرق عميقة.

القدس المصدر: القدس
شارك الخبر


إقرأ أيضا