آخر الأخبار

جريدة القدس || صورة من الزمن الجميل بين الأصالة والحميمية والعيش في "الفقاعة الإلكترونية"

شارك الخبر

أهلاً بكم في القدس العتيقة.. صورة من الزمن الجميل بين الأصالة والحميمية والعيش في "الفقاعة الإلكترونية" ... المقاهي خزّان الحكاوي

 

أجواء عثمانية يُميزها لابسو الطرابيش والقهوة "العُصملّية" والتمباك وطاولة الزهر و"الشَّدّة" والحكواتي 

 

  • الفنان حسام أبو عيشة: مقاهي زمان شيء واليوم شيء آخر.. كانت تنبض بالحياة "مش الواحد قاعد مع حاله"
  • الأديب محمود شقير: المقاهي قديماً معالم حضارية احتضنت اللقاءات السرية واجتماعات مرشحي البرلمان الأردني
  • الكاتب عزام أبو السعود: المقاهي كان يقصدها القرويون صباحاً و"الأفندية" بعد الظهر و"الراديو" يجذب الجميع مساءً
  • بائع الصحف يحيى شبانة: مقهى زعترة كان ملتقى للسياسيين والمثقفين والأكاديميين والوجهاء وممنوع دخول الزعران 
  • الشاب أحمد منى: هناك ارتباط بين مقهى منى التاريخي ومقهانا الثقافي.. نوفر مساحة للقراءة ونعتمد على السيّاح

 

 

فجّرت مسرحية قهوة زعترة المونودرامية -من شخص واحد- الحنين إلى مقاهي أيام زمان أو الزمن الجميل الماضي، حيث يعيش كل إنسان دائماً حنينه إلى الماضي، ويشتاق إليه بصورةٍ أو بأُخرى.

في هذا التقرير، تسلّط "القدس" والقدس دوت كوم الضوء على نوعٍ من الصراع غير المعلن بين الماضي والحاضر، ماضي العراقة والأصالة، وحاضر عصر السرعة والروبوت والانطواء على الذات في زمن "الفقاعة الإلكترونية". فمقاهي زمان لها سماتها وأجواؤها وطقوسها الخاصة، وما شكّلته من حياة اجتماعية وثقافية وفنية وسياسية. أما مقاهي اليوم "العولمية" وما تبثه من أجواء ذاتية منغلقة اجتماعياً، مع أنها مفتوحة على الفضاء الكوني على اتساعه، فإنها تفتقد وتفتقر إلى العلاقة الدافئة والحميمية بين رُوادها المحبوسين في قوقعاتهم الذاتية من أجهزة خليوية وذكية ولوحات إلكترونية محمولة.

 

 

مقاهي زمان.. صورة عن نبض البلد

 

الفنان والممثل المسرحي حسام أبو عيشة، صاحب مسرحية قهوة زعترة، مؤلفها، ومنتجها وممثلها الأوحد، يرى أن "مقاهي زمان شيء ومقاهي هذا الزمن شيء آخر تماماً، فقهوة عن قهوة بتفرق، فمقاهي اليوم روادها شباب وصبايا واهتماماتهم ومشروباتهم وأحاديثهم مختلفة جداً عن مقاهي زمان، فالجلوس في المقهى الحديث في أغلبه فردي وانطوائي، وكل واحد "داق راسه"  وقاعد في   "حلسه وحلاسه" هو وجهازه الذكي، وتغيب فيه العلاقة الإنسانية والصحبة الحميمية".

ويقول أبو عيشة: "زمان كانت المقاهي تنبض بالحياة؛ الاجتماعية والثقافية والفنية والاقتصادية والسياسية، وتكاد تكون صورة حقيقية عن نبض البلد بمختلف شرائحه، فهي تجمُّعٌ لهذا كله"، مشيراً إلى "مقهى الصعاليك" في الباب الجديد، الذي كان من أشهر رواده في ذلك الزمن التربوي الكبير خليل السكاكيني، وغيره من رجالات وأعلام القدس وفلسطين".

ويوضح أبو عيشة أن "مقاهي زمان كانت تضج بحكايات وقصص الحكواتي؛ الزير سالم، وعنترة بن شداد، وسيف بن ذي يزن، وأبو زيد الهلالي، وذياب بن غانم، وكان يرتادها في زمنٍ ما كبار قُرّاء القرآن من مصر، مثل: الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، ومصطفى إسماعيل، وغيرهما .

 

قهوة زعترة في حارة السعدية.. و"الجبّية"

 

ولأن الفنان أبو عيشة نشأ في حارة السعدية في البلدة القديمة، وعمل مع والده الشيخ صالح في قهوة زعترة، فقد استوحى من عالمها إضافة إلى مقاهٍ أُخرى، مثل: "صيام" و"الباسطي" و"منى"- شارع الواد، و"علّون"- باب حُطة، و"الشعب" و"خبيني"- باب العمود، و"بلاط الرشيد"، و"الروضة"، وإن كانت هاتان الأخيرتان قد تميزتا بالمقامرة، ومن مقاهي "حَيَلّا بَيَلّا". 

ومن خلال عمله، ولاحقاً معالجاته الفنية والمسرحية، تَمكّن الفنان أبو عيشة من رسم صورة نابضة بالحياة للمقاهي القديمة التي كان لها نمط حياتي يحفظ المجتمع، ويؤسس لنظام اجتماعي مبني على التكافل والتعاضد، حتى أنه أفرز مصطلحات تكرس هذه المفاهيم مثل كلمة "الجبية"، أي أنّ الذي يسبق الآخر يقدم للقادم الجديد ضيافة المقهى بعبارة (أنا جبيتك)، وهكذا حتى يتم توزيع العبء بالتساوي على رواد المقهى، وهم من مختلف فئات المجتمع.

 

أخبار وعبد الباسط والحكواتي.. وكل خميس سهرة أُم كلثوم 

ويقول أبو عيشة: "كانت تُقدَّم في المقاهي فقراتٌ متلاحقة، وهي نشرة الأخبار التي يسودها الصمت والسكون، وأبرزها خطابات الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وقراءات الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، ثم سهرة أم كلثوم كل خميس من كل شهر". 

ويضيف: "أما الحكواتي، فهو الشيخ صالح خميس الذي يثير الحماس بحكاياته، خاصة عندما يتوقف عند مشهد حاسم من الحكاية، فتتعالى الأصوات مطالبة بالمزيد، فيسارع للقفز إلى مقهى آخر قد يكون فيه إكمالٌ للمشهد، فيلحق به الذين لا يستطيعون الانتظار حتى الحكاية القادمة، وهكذا تكون ليالي القدس بهيجة، بالرغم من مارد الظلام "الاحتلالي" الجاثم والكاتم على أنفاسها". 

 

أُخوّة دينية وحرص على الآداب العامة

 

والأجواء الطاغية على تلك المقاهي كانت الأجواء العثمانية من لابسي الطرابيش والقهوة العثملية أو كما يلفظها المقدسيون "العُصملية" والتمباك وطاولة الزهر وورق الشدة للتسلية.

وكانت المقاهي حريصةً على الآداب العامة، وتعكس طبيعة المجتمع المقدسي وفسيفسائه دون استثناء، لأن الحياة بين مختلف المقدسيين وفئاتهم وطبقاتهم قائمةٌ على الجيرة والتقارب والتعامل بالحسنى، والمقهى كان عبارة عن صهريج الصَّهر الكبير للكل المقدسي.

ويقول الفنان حسام أبو عيشة لـ"القدس": في أجواء المقاهي تلك، نشأت ونمت علاقات أُخوّة ومحبة بين الجميع بمختلف أُصولهم ومنابتهم وانتماءاتهم وطوائفهم، لدرجة أن المسيحي من أصل أردني منصور صوالحة "أبو شبلي" من مأدبا كان  يُحفّظ والدي صالح أبو عيشة القرآن الكريم، بحكم الجيرة والاختلاط في المقاهي الشعبية.

 

محطاتٌ سياسيةٌ ولإصلاح ذات البَين اجتماعياً

 

ويتذكر أبو عيشة تلك الأيام الجميلة، ويقول: "تبقى طقوس المقاهي الشعبية القديمة عصية على الفهم، لما تميزت به من دقةٍ ونظامٍ أخلاقيٍّ نابعٍ من نفوس ودواخل أُناسٍ أُمّيين في معظمهم، عندما يحضر ماسحو الأحذية أمام المقاهي للاسترزاق، وعندما تُوزَّع "الصفيحة" على رواد المقهى لينال كل واحد نصيبه، وليسترزق خلقُ الله بطريقةٍ غايةٍ في الاحترام وحفظ الكرامة".

ويتابع أبو عيشة: "عداك عن التدخل لفض النزاعات بين الأفراد والعائلات، وإجراء مراسم الصلح، إلى العمل السياسي السري؛ من توزيع مناشير الجبهة الوطنية والحزب الشيوعي أيامها أوائل السبعينيات، التي تدعو إلى الإضراب العام، تحت الأطباق والصواني التي توزَّع عليها المأكولات الخفيفة أو المشروبات على رواد المقاهي".

 

استقرار نسبي بين عامي النكبة والنكسة

 

 أما الأديب والكاتب محمود شقير، فيصف المقاهي قديماً بأنها "تُعدّ من السمات الحضارية التي جعلت المدينة مدينة بحق، وفي زمن الاستقرار النسبي الذي شهدته القدس بين النكبة الكارثة عام 1948،  والنكسة الهزيمة عام 1967، كثرت المقاهي في القدس وازدهرت، وكان جمهورها في الأساس من أبناء الطبقة الوسطى المقدسية، ومن أبناء الريف والقرى المحيطة بالقدس، ومن الزوار القادمين من مدن فلسطينية وأردنية". 

ويضيف شقير: "كان مقهى زعترة الواقع في أول باب العمود يشهد اجتماعات حاشدة لمرشحي البرلمان الأردني، وكان مقهى منى الواقع في طريق الواد يشهد لقاءات مخاتير القرى لحل بعض الإشكالات العائلية، وبعد هزيمة حزيران كنا، أنا وطاهر النمري وعمر القاسم وآخرون، نستخدمه لعقد اجتماعاتنا السرية الخاصة باتحاد المعلمين الذي تشكَّلَ بعد الاحتلال مباشرة".

 ويتابع شقير: "قبل الاحتلال كنا نحن كُتاب مجلة الأفق الجديد المقدسية نتردد على كافتيريا في شارع صلاح الدين، وعلى "باتسيري سويس"، بالقرب من شركة الكهرباء وعلى الجندول، ومقهى القدس في شارع الزهراء. اليوم اندثر أغلب هذه المقاهي وأصبحت محال بيعٍ للأحذية أو الملابس أو الحلويات".

 

أدوار سياسية واجتماعية واقتصادية.. والتباهي بالتمباك العجمي

 

بدوره، يقول: "الكاتب عزام أبو السعود إن دور مقاهي القدس كان مهماً جداً في الثلاثينيات من القرن الماضي، أقصد دورها السياسي أكثر من الترفيهي. في الصباح، عادةً يجلس فيها القرويون بانتظار موعد الصلاة، وتكون مكاناً لمقابلة بعض سكان القدس، لأمور تتعلق إما ببيع الزيت أو التوسط لإنجاز معاملات في دوائر الحكومة، أو دفع إيجارات أراضٍ، وأحياناً لاستدانة بعض المال، وبعد الظهر أفندية القدس يجلسون في المقاهي للعب طاولة الزهر أو الدومينو أو "الشدّة"، وتدور فيها نقاشات سياسية، وكانت المقاهي تعجّ بعملاء للإنجليز ينقلون الأخبار لهم.

ويضيف: "مساء كان الراديو في القهوة هو الجاذب للناس لسماع نشرة الأخبار أو الأغاني، خاصة أغاني أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب".

ويشير أبو السعود إلى أنّ "الأرجيلة كانت أهم ميزات القهوة والتباهي بالتمباك العجمي، وكل زبون يُحضر معه تمباكه، وأحياناً بربيج الأرجيلة الخاص به، ليُثبت أنه أفندي أو بيك لا يستخدم بربيجاً يستعمله عامة الشعب".

 

مقهى زعترة وجار الرضا

 

أكثر من 60 عاماً وبائع الصحف المشهور في باب العمود يحيى شبانة جار الرضا لمقهى زعترة الذي أغلق أبوابه نهاية سبعينيات القرن الماضي، حيث كان يرتاده بشكل منتظم.

ويقول شبانة لـ"القدس": "كان رواد مقهى زعترة من رجالات البلد المحترمين ومن رموزها التعليمية والشعبية، ولا يسمح للزعران بالدخول إليه، ويشهد أمسيات شعرية لشعراء محليين ومن مصر وغيرها من البلدان العربية، حيث كانت المناظرات السياسية على أشدها".

ويضيف: "لكن بعد احتلال 67،  تراجع دور مقهى زعترة والمقاهي الأُخرى لفترة، ثم نشطت من جديد اجتماعياً وسياسياً بشكل سري، بسبب مراقبة عسس الاحتلال، فيما أصبحت تلك المقاهي، وبشكلٍ خاصّ مقهى زعترة، ملتقى لرجال العشائر والوجهاء المعروفين، من أمثال الوجيه أبو علي النتشة، وثلة من رجال التعليم والأطباء وعلّية القوم، إلى جانب رجال العشائر من ضواحي القدس، وفي طليعتهم رجال عشائر ومشايخ عرب السواحرة وجبل المكبر".

ويشير شبانة إلى أن "أبرز تلك المقاهي، إلى جانب "زعترة"، "منى" و"الباسطي"، في حين كانت باقي المقاهي الأُخرى  "نُص كُم"، أي "حَيَلّا بَيَلّا"، مثل "خبيني" و"الشعب" و"العربي" في بيت حنينا.

 

الجيل الجديد من المقاهي العولمية

 

الشاب الصاعد أحمد منى، من أصحاب مقهى الإنترنت- الكوفي شوب، "البوك شوب" التعليمي والثقافي الوحيد في مدينة القدس الذي جاء امتداداً  لفكرة المكتبة العلمية، يرى أن هناك ربما ارتباطاً بين مقهى منى الشعبي التاريخي في أول  شارع الواد بالقدس القديمة، الذي كانت تملكه عائلته الممتدة، وبين اختيارهم الاستثمار في عالم المقاهي الثقافية على النمط الغربي "الأوروبي" تحديداً".

ويوضح أن "هذا النمط من المقاهي الثقافية يعتمد بالأساس على الأجانب الذين يعيشون بين ظهرانينا أو القادمين كسُياح، وإلى حدّ بسيط على الجمهور المحلي"، مشيراً إلى أن نظام هذه المقاهي قائم على توفير مساحة حرة لقراءة الكتب والدراسة الذاتية، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة الأجهزة الذكية أو اللابتوب والاستفادة من خدمات المقهى المكتبية من الكتب وشرائها، واحتساء المشروبات الباردة والساخنة، وبعض ال ....

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
القدس المصدر: القدس
شارك الخبر

إقرأ أيضا