آخر الأخبار

جريدة القدس || في الذكرى العاشرة لوفاته.. سميح القاسم: حديث لم ينشر

شارك الخبر

‫أنا ابن جبال الجليل وصحراء العرب.. مَن يتخلى عـن هذه النعمة: العَـروض؟! ‬

أرى الأفق أكثر رحابةً أمام قصيدتي وأعمالي الأخيرة من طراز الـمطولات

مارستُ مغامرتي الشكلية بلا حدود ويُؤخذ عليّ التزامي بالهَمّ الوطني

‫فلسطين ليست قميصاً ولا ديكوراً لقصيدتي فكيف أكفّ عن الكتابة عنها؟‬

أؤمن بالحرية المطلقة للمبدع كما أنه من حق القارئ أن يقول ما يشاء

بعض التعبيرات إذا استُخدمت باللغة الأصلية تصبح أكثر نفوذاً وتأثيراً

"العربية" لغة حياة وليست لغة متحف فلا مانع من استخدام كلمات عُرّبت



التزامك بالموسيقى هل مردُّه إلى أنك ابن بيئة جبلية؟

هذا أحد الأسباب، أنا ابن بيئة جبلية في حياتي الشخصية، لكنني أيضًا ابن الصحراء، أنا ابن الصحراء، لا أحد من سكان الصحاري العربية يعرف هذه الصحراء كما أعرفها، ولا يعيشها كما أعيشها. أنا ابن جبال الجليل وصحراء العرب، لست كائنًا مائيًّا، لست من كائنات البحر. لست إغريقيًّا ولست فينيقيًّا –والفينيقيون عرب- ولكنني ابن الصحراء والجبال. من يستطيع أن يتخلى عن هذه النعمة الإلهية: نعمة العروض!


يُلاحظ أنك تضمن أشعارك كلمات إنجليزية وعبرية، هل لهذا التضمين علاقة بالصدق الفني أم أنه استجابة للواقع؟


هذه ملاحظة متكررة، وهي غير مبررة، لأننا نعرف أن اللغة العربية حية تتفاعل مع كل لغات العالم. وفي القرآن الكريم –كتاب الكتب- عدد كبير من الألفاظ الأجنبية: من اليونانية، والفارسية، والهندية. وفي لغات العالم كلها هناك ألفاظ من اللغة العربية. لقد رأى كثيرون أن كلمة «الصراط» كلمة إغريقية، ومثلها كلمة «القلم»، لكن هذه الكلمات عُرِّبت وصارت جزءًا من العربية، لأن العربية لغة حياة وليست لغة متحف. وما دمنا في حياتنا اليومية نستعمل تعبيرات مثل «أوكيه»، فلماذا لا تدخل تلك الـ«أوكيه» إلى القصيدة كما تدخل إلى حياتنا اليومية؟!


هل هذا التناص في القصيدة يجمِّل أم يرقع؟

لا يعنيني إذا كان يجمل أو يرقع، يعنيني أنه صادق، وفي مكانه، وغير قابل للاستبدال. أعتقد أن كلمة «أوكيه» أكثر صدقًا في حياتنا اليومية من كلمة «حسنًا»، لأننا لا نستعمل «حسنًا» بل نستعمل «أوكيه». ليست لدي لفظة غير شعرية، هذه إحدى قناعاتي وأحد القوانين التي تقوم عليها عمارتي الشعرية، كيف تستعمل هذه اللفظة؟ أين تضعها؟ وفي إطار؟ كل هذه الأسئلة هي التي توضح إن كانت الكلمة شاعرية أم لا. 


هل يستوي وجود هذه الكلمات العبرية والإنجليزية في العمارة الشعرية؟

نعم، من دون شك، أنا أتحدث دائمًا بالحرية المطلقة للمبدع: من حقه أن يفعل ما يشاء ومن حق القارئ أن يقول ما يشاء، لكن أنا مقتنع بأن بعض التعبيرات إذا استعملت باللغة الأصلية تصبح أقوى وأكثر نفوذًا وأكثر تعبيرًا. مثلًا، لدي مجموعة شعرية اسمها “Persona Non Grata”، إذا كان ثمة شخص غير مرغوب في وجوده في إحدى الدول فإنهم يصدرون ضده قرارًا بأنه “Persona Non Grata”، بالتعبير اللاتيني القديم، فما المانع أن أستخدم هذا التعبير؟ وهناك أيضًا كلمات بالعبرية، ففي إحدى قصائدي استعملت أغنية أطفال من اللغة العبرية، ولم أستعملها عبثًا بل عن قصد.


هل استعمال هذه النصوص يرصِّع القصيدة؟

 ليست ترصيعًا، بل ضرورة فنية بعيدة كل البعد عن الافتعال.


يرى النقاد أن التجديد في شعرك تجديد شكلي أكثر من كونه تجديدًا في اللغة والبناء، كيف ترد عليهم؟

يجب أن نتفق أولًا على معنى التجديد الشكلي ومعنى تجديد اللغة والبناء.


يقصدون أن قصيدتك تتغير شكلًا لكن تبقى بالمضمون ذاته؟

هذه مسألة أخرى، أما من حيث التجديد الشكلي فهذه مسألة مبتوتة نقديًّا لأنني مارست مغامرتي الشكلية بلا حدود، بل مارستها بشكلٍ يجعل متابعتي صعبة أحيانًا على النقاد. أما من حيث المضمون، فإنه يؤخذ عليَّ أنني لم أتخلَّ عن الهَمّ الفلسطيني، إذا كان هذا مأخذًا فليكن، إنني مقرٌّ بهذه التهمة يا سادتي القضاة، لكنني أتشرف بهذه التهمة وأعتز بها. الهَمّ الوطني ليس قميصًا، والقضية ليست ديكورًا لقصيدتي، فكيف يطلبون مني أن أكف عن الكتابة عن فلسطين؟ ما دام الجرح نازفًا، ما دامت الأرض مشتعلة، ما دام الدم صاخبًا غضبًا ونورًا ونارًا، وما دام الحريق مشتعلًا - كيف يريدون لي أن أبتعد بلغتي الشعرية عن لسع النار وعن هدير الحريق! هذا الطلب له منطلقان، أحدهما السياسي وهذا يمثله الذين لا يتعاطفون مع الهَمّ الفلسطيني ولذلك من الطبيعي أن يضجروا من تشبُّثي بالتعبير عن همي الشخصي، وهو بمحض الصدفة همُّ الآخرين من أبناء الشعب الفلسطيني، أنا أعبر عن همِّي الشخصي. وثمة فئة أخرى تعاني من ضحالة القراءة لتجاربي الشعرية، ويفوتهم أن يقفوا على معنى الشعر ومعنى التعبير الفني. لذلك أنا غير ملزم بتوجهاتهم، لا أختار موضوعاتي حسب الموضة، أمارس حريتي المطلقة في التجديد، وأمارس حريتي المطلقة في الصدق مع ذاتي ومع القصيدة.


شكَّلت قصيدتك فتحًا في الشعر العربي في لحظة الهزيمة والانكسار، هل ترى الآن أن هذه القصيدة وصلت إلى طريق مسدود؟

على العكس، أنا أرى الأفق أكثر رحابةً أمام قصيدتي، فقصائدي الأخيرة، وهي من طراز المطوَّلات الشعرية، فيها من التدفق الشعوري والمغامرة الفنية ما ينفي نفيًّا قاطعًا أي كلام عن نهاية طريق أو سدودٍ أو حواجز أو عقبات. إن البعض يربط بين التعبير الشعري والوضع السياسي، ولا يخفى على أحدٍ أننا في مأزقٍ سياسي بسبب التعنت الإسرائيلي والتواطؤ الأمريكي والغربي وتفاهة الوضع العربي... نحن بلا شك في مأزق سياسي، لكن وجود مأزق سياسي لا يعني أن يكون هناك بالضرورة مأزق في التعبير الشعري أو الفني. الفنانون التشكيليون والشعراء الفلسطينيون ما زالوا يبدعون، بإمكانك أن تحول المأزق والاحتقان النفسي أيضًا إلى انفجارات شعرية وفنية بلا حدود، انفجارات أشبه بانفجارات المجموعة الشمسية.


القدس المصدر: القدس
شارك الخبر

إقرأ أيضا