آخر الأخبار

جريدة القدس || في الذكرى العاشرة لوفاته.. سميح القاسم.. حديث لم ينشر

شارك الخبر

حبذا لو أُتيح لي أن أتفرغ لقصائد الحب لكن لا يمكنني تجاهل الاحتلال والقتل

ياسر عرفات رفيق نضال يحب الشعر ولا يريد استيعاب الشعراء لأنه يحترمهم

 أردت في جامعة  بيت لحم أن أُنبه “أبو عمار” لضرورة الحرص على الديمقراطية

كنا إذا وصلتنا مجموعة شعرية من الخارج ننسخها في دفاتر ونوزعها 

لم نُسمِّ أنفسنا “شعراء المقاومة”.. وما فعلناه كان بعفوية

من منطلق الدفاع عن النفس أرفض إضفاء هالة البطولة علينا

المفاوضات عمل نضالي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في مرحلةٍ بائسة


هل لك أن تحدثنا عن العوامل الثقافية والسياسية التي صاغت تجربتك الثقافية والشعرية. لأنكم شعراء المقاومة عشتم زمن انغلاقٍ وحصار لا تواصُل فيه مع العالم العربي، وكانت هناك محاولة لضبط حياتكم وفق إيقاع مختلف، ولكنكم بقيتم على لغتكم وعلى مواقفكم القومية... كيف استطعتم التمسك بكل هذه الثوابت الوطنية والقومية؟


لقد اكتشفنا فجأةً أن انشطارًا كبيرًا حدث في حياتنا، وهذا يسوقنا إلى الحديث عن مسألة الأقلية التي أتيت على ذكرها. وجدنا من يريد أن يتعامل معنا بوصفنا أقلية في وطننا، بل ويريد أن يجزّئ الأقلية إلى أقليات (مذاهب، وعشائر، وطوائف)! ووجدنا أن أمَّنا تركتنا في السرير وهربت، وكان علينا أن نتدبر أمرنا. وآل مصير القيادات التقليدية إلى الموت أو التشريد أو الهجرة: توفَّاها الرحيل أو توفَّاها الله! وكذلك القيادات الثقافية بين شهيد ومشرَّد: بين قبر عبد الرحيم محمود ومطلق عبد الخالق، ومنفى أبي سلمى، وضريح إبراهيم طوقان، وغربة فدوى ومعين... وسائر الإخوة من القافلة الطويلة العظيمة؛ لذلك كان علينا أن نصوغ برنامجًا ثقافيًّا وسياسيًّا، ومن منطلق الدفاع عن النفس أرفض صورة البطولة أو هالة البطولة التي تُضفَى علينا، أعني ما قيل بعد يوم الأرض: «أنتم أشرف من في هذه الأمة». رفضت هذا القول، وقلت: «فينا من هم من أشراف هذه الأمة، وفينا من هم من أراذل هذه الأمة». لذلك كان علينا أن نتدبر أمرنا بمساعدة من لا أسميهم المخضرمين؛ لأن المخضرمين هم من انتقلوا من الجاهلية إلى الإسلام، والذين انتقلوا من فلسطين إلى إسرائيل لم ينتقلوا من الجاهلية إلى الإسلام (يبتسم). كان لهذا الجيل الانتقالي فضل في صيانة الثقافة وتطويرها، مع ما تبقى من كتب في مكتبات العائلة القديمة. وأحيانًا كنا إذا وصلتنا مجموعة شعرية من مصر، أو لبنان، أو سوريا، أو من العراق عبر أوروبا - ننسخها في دفاتر ويجري توزيعها من قرية إلى قرية ومن مدينة إلى مدينة. وهنا نأتي إلى موضوع «شعر المقاومة» لأقول إننا لم نُسمِّ أنفسنا «شعراء المقاومة»، بل هو لقب أُطْلِقَ علينا مع أننا في الحقيقة «شعراء دفاع عن النفس»، لأن الإنسان بفطرته لا يريد أن يقتل، ولا أن يُذلّ...


إذن، أنت لا تحب لقب «شعراء المقاومة» أو تجده في غير موضعه؟

على العكس، لقد أحسست أنه كبيرٌ علينا؛ لأننا فعلنا ما فعلناه بعفوية، لم نخلق لأنفسنا اسمًا أو إطارًا، تصورنا واقعًا غير الواقع الذي نعيشه، وعبرنا عن هذا التصور في قصائدنا... أطلق علينا هذا الاسم، دار النقاش بشأننا بين آخرين في الخارج: "شعراء مقاومة، أم شعراء احتجاج، أم شعراء معارضة...إلخ". ولم يعنِنا هذا النقاش على الإطلاق. والآن ثمة من يقول: «انتهت المقاومة، فماذا ستفعلون؟»، نقول بصراحة: "ليت الظرف الذي أدى إلى المقاومة ينتهي!"، لكن الاحتلال ما زال مستمرًا، والمقاومة ما زالت مطلبًا وضرورة، لذلك لم تنتهِ المقاومة، لم ينتهِ الاحتلال، لم تنتهِ القضية الفلسطينية. إننا نرفض الغمز واللمز على الشعب الفلسطيني والقيادة الفلسطينية، والعمل السياسي هو أيضًا عمل نضالي، المفاوض الفلسطيني مناضل وليس خائنًا، لم يأتِ لتصفية أملاك أبيه، بل جاء لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من وطن في مرحلة بائسة، مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوڤييتي، مرحلة ما بعد حربي الخليج الأولى والثانية، مرحلة التمزق والتشرذم العربيين؛ لذلك لا أسمح بالمزايدة على أشقائي السياسيين المناضلين الفلسطينيين. وأعتقد أن قصيدة المقاومة ما زالت مطلبًا، وحبَّذا لو أتيح لي فيما تبقَّى من عمر أن أتفرغ لقصائد الحب وسأفاجئكم (يبتسم). لكن ما دام هناك احتلال، ما دام الدم يسفك، والمنازل تهدم، والأرض تنهب، والاستيطان يتوغل كالخلايا السرطانية - فإنني لا أستطيع أن أتجاهل كل ذلك وأكتب عن الوحدة والهَمّ الغيبي والفردي؛ همِّي هو همُّ فردي وجماعي في آنٍ واحد.


نتوقف عند مشهد في جامعة بيت لحم، في حفل توزيع الجوائز على الكتَّاب، وقفت أمام الرئيس ياسر عرفات وقلت: "والله لو رأينا فيك اعوجاجًا لقوَّمناه بأقلامنا"، فتناول مسدسًا وأعطاك إياه. هل لك أن تحدثنا عن ظروف هذه الحادثة؟


ياسر عرفات هو رفيق نضال وصديق قبل أن يكون رئيسًا وذا سلطة، وأنا لن أتخلى عن التعامل معه بهذه الروح، مع احترامي الشديد لموقعه رئيسًا وقائدًا، موقعه الأقرب إلى قلبي هو موقع الرفيق والصديق الذي يحب الشعر والثقافة والشعراء، ويهتم بهمومهم ويحترمهم، ولا يحاول استيعابهم (تدجينهم). إن ياسر عرفات لا يحب الاستيعاب، ولا يريد استيعاب أي شاعر من زملائي لسببٍ واحد هو أنه يحترمنا ويعلم أننا أحرار إلى يومنا الأخير. كما أنه لا يريد صداقتنا أتباعًا، فالتابع ليس صديقًا، لذلك من الطبيعي أن أستحضر قصة الخليفة الراشد عمر بن الخطاب مع أبو عمار في مرحلةٍ يكثر فيها اللغط والحديث عن تجاوزات وفساد ومخالفات في السلطة، إلخ. كان أمرًا طبيعيًّا أن أقول له –مستذكرًا تاريخنا وديمقراطيتنا وحضارتنا-: «والله لو رأينا فيك اعوجاجًا يا أبو عمار لقوَّمناه بأقلامنا»، أما سيوفنا فلمواجهة الاحتلال. وقد أردت بهذا أن أنبِّه الرئيس ياسر عرفات إلى ضرورة الحرص على الديمقراطية وحقوق الإنسان، وأن أنبه أيضًا منتقديه إلى ضرورة الابتعاد عن العنف وعن القسوة، لأن هناك عدوًا مشتركًا هو الاحتلال.

القدس المصدر: القدس
شارك الخبر

إقرأ أيضا