آخر الأخبار

جريدة القدس || في الذكرى العاشرة لوفاته.. سميح القاسم.. حديث لم ينشر

شارك الخبر

-شعب الفلسطيني جميل وذكي وهو أيضاً شجاع ومناضل وعنيد

-وصفي بـ"شاعر العروبة" قيمته فكرية وليست له قيمة نقدية

-إذا أردتَ أن تصبح لك مدينة متطورة فعليك التخلي عن أُبّهة المختار

-لم أسقط في شَرك مشروع "سايس بيكو" ومصير إسرائيل من مصيره

-التعامل مع الواقع سواء أكان معقداً أم غير معقد رهن إرادتنا

-كلما ازداد ظلام الحالة العربية أيقنت أن لا خلاص إلا بسلوك طريق الوحدة

-نحمل بطاقة الهوية وجواز السفر الإسرائيليين لأنهما يتيحان لنا الإقامة والحركة


كيف وفقت بين إسرائيليتك وقوميتك، وأنت تنتمي لشعب يعادي دولتك، ودولة تعادي شعبك: كيف توفِّق بين هذين الانتماءين؟


في السؤال شيء من المناكفة الجميلة، أعني قولك: «بين إسرائيليتك وفلسطينيتك»، فأنا لم أكن إسرائيليًّا في أي وقت من الأوقات، لا أستطيع أن أكون إسرائيليًّا، وإسرائيل لا تريدني أن أكون إسرائيليًّا. هذا وهم، نحن نحمل الهوية وجواز السفر الإسرائيليين لأنهما يتيحان لنا الإقامة والحركة. لا يحق لأحدٍ أن يعرِّفني بأنني إسرائيلي، أنا أحمل بطاقة التعريف وجواز السفر الإسرائيلي، لكن الإسرائيلية انتماء فكريٌ وسياسي وديني وعقائدي، وليست انتماءً سياسيًّا أو جغرافيًّا. أنا لم أختر إسرائيل ولم أنشئها، وليست حلمي الشخصي أو القومي أو الوطني، لذلك لم أشعر بما يسمى التناقض الذي تلمَّظ به بعض الإخوان الذين يزعمون تناقضًا في انتمائي، ورأيي أنه كلام سخيف، كلام متأسرلين، ولا علاقة لي به على الإطلاق. أعرف ما يتوجب عليَّ من أجل البقاء في وطني، ليس يشغلني إلا أن أبقى في وطني وأن أحافظ على ترابه. قلت سابقًا وأكرر ما قلته الآن: «لو فُرض عليَّ، لقاء البقاء في الوطن، أن أدمغ جبيني بنجمة داوود، لفعلت».


لا تشغلني الشعارات الفارغة، إنَّ ما يعنيني هو الممارسة، والبقاء في الوطن هو المهمة الأولى. أحمي حفنةً من تراب الوطن، والثمن هو مهر هذه العروس.


 العروس جميلة، وبلادي جميلة، وقريتي جميلة، وبيتي جميل. إن زوجتي نوال وأبنائي: وطن، ووضّاح، وعمر، ومحمد، وياسر، وأبي وأمي وأجدادي وأقاربي، كلهم جديرون بأن أدفع هذه الضريبة وهذا المهر للبقاء في الوطن.


أنت تنتمي لأقلية طائفية داخل أقلية قومية، كيف تعيش؟


هذ أيضًا سؤال غريب عليّ، قد أبدو لكم ديناصورًا أو كائنًا فضائيًّا، ولست كذلك، ولم أشعر في أي وقت من الأوقات بأنني أقلية، ولا أنني أنتمي لأقلية، لم أشعر بهذا مطلقًا. إنني أنتمي إلى مئتين وخمسين مليون عربي، وهم ليسوا أقلية، الانتماء الأول هو الانتماء الكبير، أنا في بريطانيا أشعر أنني أكبر من الإنجليز، وفي فرنسا أشعر أنني أنتمي لأمة أكبر من الفرنسيين. أنت تنتمي للشعب العربي الفلسطيني، وهو شعبٌ صغير، «شُعيب» من شعوب هذه الأمة، ولكنه شعب جميل وشجاع وذكي ومناضل وعنيد، شعب من برج الثور مثلي. لذلك فانتمائي عربي وطني فلسطيني، والانتماء الإسلامي العريض، والانتماء المذهبي هو الدرزي التوحيدي، وأخيرًا الانتماء الأسري. أنا أنتمي إلى عائلة كما ينتمي كل عربي وكل أوروبي.


 هذه الانتماءات كما قلت هي دوائر، وأنا لا أبدأ بالدائرة الصغيرة، ولا أبدأ بتعداد أفراد عائلتي آل حسين، مَن أكبر آل حسين أم آل الحسيني؟ أنا لا أتعامل مع تعداد أفراد العائلة: حمولتي أكبر أم حمولتك؟ هذا سؤال غريبٌ عني.

 

ولكن هذا واقع معقد؟

صحيح، ولكنه ليس واقعًا معقدًا بالنسبة لي، والتعامل مع الواقع، معقدًا كان أو غير معقد، رهن إرادتنا، فنحن من نقرر ما هو المعقد وما هو غير المعقد، في انتمائي وفي حياتي لا وجود لشيء معقد على الإطلاق، الكل واضح، انتماءاتي واضحة، هناك انسجام بين انتماءاتي جميعها، ولا أجد تناقضًا كون جدي ينتمي إلى هذا المذهب أو إلى ذاك، لو كان جدي قبطيًّا أو علويًّا أو مارونيًّا، لسمع مني الكلام نفسه. ليس لدي حساسيات وتعقيدات انتمائية، وربما لهذ السبب يميل الكثير من النقاد بأن يقدموني بوصفي «شاعر العروبة»، وهي ليست قيمة نقدية بل هي برأيي قيمة فكرية يراها النقاد مثلما أراها بحق؛ فأنا لم أسقط في شرك سايكس بيكو، وأحتقر ما يسمى بالدويلات العربية وأسميها «الحظائر العربية»، وأرفض هذا المشروع وسأظل رافضًا له حتى النزع الأخير، وكل من يقول إن هذه حقائق، أو إن هذه الدويلات صارت حقائق، أرد عليه بأنني أرفض الإقرار بها. حدود سايكس بيكو هي عدونا الأول، وكما قلت قبل فترة في مصر: «ما هو مصير إسرائيل؟»، مصير إسرائيل من مصير سايكس بيكو، إسرائيل وليدة مشروع سايكس بيكو وكذا الدويلات العربية: إن إسرائيل والدويلات العربية أقيمت لضربي والاعتداء عليَّ شخصيًّا.


ترى أنه من حقك أن تقول إنك لا تنتمي إلى طائفة، وإنك تنتمي لـ ٢٥٠ مليون؟


 أنا أعتز بكل انتماءاتي، ولا أستطيع أن أتعامل مع العالم من منظار طائفي.


كيف ترى الصورة الآن وقد تفككت الجماعة وتفرق الصحب، وانهارت المبادئ وذابت الدولة القومية، كيف ترى الصورة؟


 نحن في أرذل وضع...


هل ما زلت متمسكًا بما كنت تتحدث عنه؟

 كنت متمسكًا، وصرتُ أكثر تمسكًا، وكلما ازداد ظلام الحالة العربية أيقنت أنه لا خلاص لنا إلا بأن نسلك هذا الطريق، وأن نظل أبدًا على هذا الطريق.


 نحن نعرف أسباب كل الويلات التي أصابتنا، نعرف أن مئتين وخمسين مليون عربي يستطيعون أن يقيموا دولة عظمى، لا تقل جبروتًا عن أمريكا وروسيا واليابان والصين؛ لدنيا العدد والأرض والخيرات، ولدينا العقول، ولدينا كل ما يتيح لنا أن نكون أمة قائدة ودولة عظمى. لكن ما يحول بيننا وبين هذا هي فئات مستفيدة من التجزئة الإقليمية، كتلك المستفيدة من التجزئة الطائفية في لبنان. لم تكن الطائفية السياسية في لبنان خيارَ أشقائنا العرب هناك، وإنما هي خيار فئة ارتبطت بالاستعمار، وأرست ما يسمى بالطائفية السياسية، والطائفية العربية هي جزء من تمرير مصالح فئات ضيقة في المجتمع اللبناني، والدويلات العربية جزء من مؤامرة لتمرير مصالح الدول المستفيدة، مثلما هناك مختار في قرية صغيرة لا يريد أن يكون عضوًا في المجلس البلدي في المدينة، لكنه يريد أن يظل المختار في قريته، ومقابل هذا ستظل القرية متخلفة ما دام هو على رأسها.


إذا أردت أن تصبح لديك مدينة متطورة فعليك أن تتنازل عن أبهة المختار وترتضي مسؤولية عضو المجلس البلدي.

القدس المصدر: القدس
شارك الخبر

إقرأ أيضا