آخر الأخبار

جريدة القدس || في الذكرى العاشرة لوفاته سميح القاسم.. حديث لم يُنشر

شارك الخبر

الحلقةالأولى

أجرى الحوار: إبراهيم ملحم (رام الله- عام ٢٠٠٠)


تاريخ ميلادي الإنساني والشعري والفكري هو تاريخ موتي في أيار ١٩٤٨


نشأتُ في بيئة تميل إلى التمرد والقتال والـذود عـن الحياض 


ولداي محمد ووضاح خاضا تجربة السجن وللأسف لم أُرزَق بهاجر


"لا تذهب للشعر، دعه يأتي إليك"درسٌ  تعلمتُه في طفولتي


معلم اللغة العربية: "وُلد في صفّكم شاعر..!"


كتبتُ قصائد وأنا في الثالثة عشرة


في أسرتي كثيرون سبقوني للشعر وتفحت عيناي على كتب التراث في مكتبة البيت القديم


أناشيد طفولتي كانت ثورية بحكم المرحلة التاريخية ولأني كنتُ في فرقة الإنشاد المدرسية


ضيفنا في هذه المقابلة شاعرٌ ملأ الدنيا وشغل الناس، شاعرٌ من جبال الجليل، أخذ عنها الصلابة والوضوح والشموخ، فجاءت قصيدته عاليةَ النبرة، واضحة المعالم، قوية المضامين، تضطرم بالأنفة والفخار، وتزخرُ بالقوة والحيوية، لِتَشعُر عند قراءتها كأنَّ آلافًا من الخيل تركض حولك، وملايين من العصافير تعمر المكان بشَدْوِها.


إنه الشاعر سميح القاسم، الكبير في قصيدته، والكبير في حياته، التي بدأها صعبة، وما زالت. بدأ معلمًا وعاملًا وصحفيًّا، حتى استوى شاعرًا، له إسهامات كبيرة وواضحة في خريطة الشعر العربي، واستطاع كسر الحصار وفك العزلة والتواصل مع محيطه العربي والإسلامي، ولم تُقعِده القيود المختلفة عن الاختيار الصحيح والخيار الأمثل. قد تختلف معه في أمورٍ عدة، ولكنك بالتأكيد ستتوقف طويلًا أمام قصيدته التي أضافت للروح الفلسطينية والعربية الشيء الكبير.


مع هذا الشاعر الكبير الذي دفع ثمن مواقفه في أشد الظروف قسوة وإظلامًا؛ نرى قوة الإرادة وأثر الوعي وعمق الموقف، هذا الموقف الذي ورَّثه لابنه محمد الذي دخل سجن الاحتلال على درب أبيه. فسميح القاسم شاعر ذو صليل وأصالة، اتكأ على تاريخ قومه، فمتح منه الدلالة والأصالة.


الأستاذ سميح مساء الخير!

مساء النور.. وأنا سعيدٌ بهذا الخروج عن النص والخروج على النص، الذي قُدِّر لشعبنا؛ نص الغياب من اللا تاريخ، وها نحن في فضائية فلسطينية، شكرًا لله تعالى، ولدماء شهدائنا.

لو فتحنا بداية بطاقتك الشخصية، ماذا نقرأ؟


في الحقيقة، هناك أكثر من قراءة، تاريخ الميلاد مثلًا هو الحادي عشر من أيار (مايو) من العام 1939، التاريخ الرسمي للميلاد، لكني أعلنت أكثر من مرة أن تاريخ ميلادي هو تاريخ موتي في أيار (مايو) 1948، الموت التاريخي الذي نزل كالصاعقة على طفولتي، وهو أيضًا تاريخ ميلادي الإنساني والشعري والفكري، البطاقة لا تعني شيئًا خارج سياقها التاريخي.


مكان الولادة في مدينة الزرقاء، التي تسمى مدينة أُردنيّة، ولكنها مدينة في بلاد الشام التي لا تتعامل مع خرائط سايكس بيكو. إذن، فأسرتي من شبه جزيرة العرب، جدي البعيد كان من فرسان صلاح الدين الأيوبي. توفي جد والدي ودُفن في سوريا، ومسقط رأسي في الأردن، وحياتي في فلسطين، إذن أنا لحسن حظي محكومٌ بالعروبة وبالوحدة العربية، هذه هي بطاقتي الأساسية.


 كم عدد أولادك؟

 تذكرني بجلسات التحقيق. هم: محمد البكر، ووضَّاح، وكلاهما خاض تجربة السجن الإسرائيلي، ثم عمر وياسر، للأسف الشديد لم أرزق بهاجر؛ كنت أتمنى أن تولد لي طفلة أسميها هاجر.


رغم ما بلغت من العمر، فإن وجهك ينطق بالنضارة وبشبابٍ دائم، ما السر؟

لن ألجأ إلى علم الوراثة، لكن أعتقد أن شيئًا من المناكفة لا بد منه، مناكفة أولئك الذين يريدون شيخوختي ورحيلي عن هذا العالم، رحيلي الجسدي والروحي والشعري والفكري والسياسي، مناكفتي مع هؤلاء هي ما يجعلني أحاول أن أظل شابًا قدر المستطاع.


إن حياتك حين تعرضها تبدو حياةً غير عادية؛ فوالدك كان ضابطًا في الجيش الأردني، وأعمامك شاركوا في القتال ضد العصابات الصهيونية، إلى أي مدى أثرت هذه البيئة على توجهاتك الوطنية والقومية؟


في الحقيقة لا نستطيع تجاهل البيئة والخلفية الاجتماعية لأي إنسان، ومعروفٌ أني نشأت في بيئة تميل إلى التمرد والقتال، إلى الذود عن الحياض، وقد كررت أكثر من مرة أن أناشيد طفولتي لم تكن من طراز «تيجي نقسم القمر»، و«هزي يا نواعم»، وإنما كانت الأناشيد الثورية، الحروبيات، أغاني العنفوان الوطني، مثل: «موطني»، «نحن الشباب»، «يا ظلام السجن خيِّم»، «بلاد العُرْب أوطاني»... كانت هذه أناشيد طفولتي بحكم المرحلة التاريخية، وكوني حينها عضوًا في فرقة الإنشاد المدرسية.


ومن دون شك، فإن تاريخ الأسرة، ودور الأجداد والأب والأعمام والأخوال، وأبناء العمومة في الحياة العامة، كانت له اليد الطولى على الصعيدين: الفكري والشعري، ففي أسرتي كثيرون ممن سبقوني إلى كتابة الشعر والغوص في أعماق الثقافة العربية والإسلامية؛ لذلك فتحت عيني على كتب التراث في مكتبة البيت القديم.


متى تفتَّحت موهبة الشعر لديك؟

في الحقيقة، لا أذكر الهاجس الأول، لكني أذكر أن معلم اللغة العربية دخل إلى فصلنا ذات يومٍ –كنت في المرحلة الابتدائية- وأعلن: «وُلِد في صفِّكم شاعر!»، ونظر أحدنا إلى الآخر بحثًا عن هذا الشاعر، إلى أن كتب معلم اللغة العربية فقراتٍ من موضوع تعبير كنت كتبته بعنوان «الربيع» أو شيءٍ من هذا القبيل، وإذا بهذه العبارات موزونة ومقفاة! لكنني في الليلة نفسها، سهرت الليل بطوله، محوت وكتبت وأتلفت أطنانًا من الأوراق، وفي اليوم التالي ذهبت إلى المدرسة كاسف البال، شاحبًا، لأقول لأستاذي إنني لستُ شاعرًا؛ فطيلة الليل لم أنجح في كتابة قصيدة، وبذلك أعطاني أحد الدروس الأساسية: «لا تذهب إلى الشعر، دعه يأتي إليك». هذه في الحقيقة كانت الموعظة الأولى والدرس الأول في مجال الكتابة.


جاءت مرحلة الثانوية حاملةً معها همومها: غزل في زميلة، هجاء في معلم... حتى ينتقل الإنسان عن هموم هذه المرحلة إلى التورط في همومٍ أكبر: هَمُّ وطن، هَمُّ شعب، هَمُّ أمة... ويجد في القصيدة وسيلة لحفظ التوازن بينه وبين همومه، وبينه وبين العالم الخارجي.


 وهل تعتقد أنك نجحت في حمل هذا الهم وتوصيله؟

لو لم يكن لدي إحساس بأني حققت هذا التوازن بيني وبين ذاتي، وبيني وبين العالم من خلال القصيدة، لكنت قد ذهبت إلى منحى آخر. سُئِلتُ مرةً: «لو لم تكن شاعرًا، ماذا يمكن أن تكون؟».


 قلت: «ربما سأكون ممثلًا أو موسيقيًّا أو رسَّامًا، أو قاتلًا محترفًا»؛ كان لا بد لي من أداة للدفاع عن ذاتي وعن كياني وعن وجودي، ولذا فأنا راضٍ عن الإجابة الراهنة: وهي أني وجدت اكتفائي الذاتي في القصيدة.


 هل تتذكر أول قصيدة؟

في الحقيقة لا أذكر، لكن مجموعتي الشعرية الأولى «مواكب الشمس» التي صدرت في العام 1958 فيها قصائد كتبتها وأنا في الثالثة عشرة والرابعة عشرة من العمر، تلك كانت البداية.

القدس المصدر: القدس
شارك الخبر

إقرأ أيضا