آخر الأخبار

جريدة القدس || في الذكرى الـ23 لاستشهاده.. أبو علي مصطفى.. حديث لم يُنشر بعد

شارك الخبر

- الاضطراب الفكري الذي سبق تأسيس الجبهة الشعبية أثّر عليها عند تأسيسها

- عندما نشأت الجبهة كانت ائتلافاً ولم تكن تنظيماً واحداً منسجماً فكرياً وسياسياً

- لم تعتبر الجبهة انفصال جماعة أحمد جبريل عنها انشقاقاً ولم تتأثر بذلك

- الجبهة الديمقراطية تصرفت على أساس أن الفكر الماركسي قرار واعتبرناه انشقاقاً


- الجبهة الشعبية تنظيم سياسي فلسطيني له علاقات أُممية وليس تابعاً لأحد

- لم نكن في الجبهة سوفييتاً على طريقة الأحزاب الشيوعية التقليدية

- الصدمة الأساسية لنا كانت حرب عدن وكنا نرى في اليمن تجربة رائدة

- انهيار الاتحاد السوفييتي أثّر في العالم كله ونحن جزء من العالم



تعرَّضت الجبهة الشعبية لعدة انشقاقات حزبية وفكرية، هل هي ناتجة عن الدكتاتورية الثورية التي مارستموها؟


في الواقع، حصل انشقاقان، لأن الجبهة عندما نشأت كانت ائتلافًا، ولم تكن تنظيمًا واحدًا منسجمًا فكريًّا وسياسيًّا وتنظيميًّا. كانت البداية بعد حزيران (يونيو) 1967، إذ جرى تشاورٌ بين عدد من التنظيمات لتشكيل ائتلاف اسمه الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، تألَّف من الشباب الثائر لحركة القوميين العرب، وإقليم فلسطين، وجبهة التحرير الفلسطينية، والضباط الناصريين، وأبطال العودة، وبعض الشخصيات المستقلة.


ولما انفصلت عنا جماعة أحمد جبريل، لم نعتبر خروجهم انشقاقًا، ولم تتأثر الجبهة، وسار التطور الداخلي باتجاه تحويلها إلى تنظيم واحد. من يريد أن يندمج في إطار هذا التنظيم فكريًّا وسياسيًّا وتنظيميًّا فعليه أن يلتزم بهذا الإطار. وأصبحت الجبهة الشعبية منذ ذلك الوقت في العام 1968 جسمًا واحدًا منسجمًا، إلا أن الاضطراب الفكري الذي حملته الحركة من سنوات ما قبل تأسيس الجبهة الشعبية، وأعلن عن نفسه في خلاف ظاهر إثر تقديم تقرير تموز (يوليو) من العام 1967 عن اللجنة التنفيذية للحركة، ظهرت تأثيراته وبصماته على جسم الجبهة الشعبية في بداية تكوينها. جرت محاولات مكثفة كي نتحاشى تحول الخلاف الفكري إلى انقسام تنظيمي، إلا أن الأمور لم تجرِ كما قدَّرنا، كان الوضع الفكري مستقرًّا، وهي مرحلة أطلقنا عليها مرحلة التحول من الفكر القومي إلى الفكر الماركسي اللينيني.


ومن هنا نشأ الخلاف بين من يريد للفكرة أن تأخذ مداها بتطور الحياة ونموّها، وبين من يريد للفكرة أن تصدر بقرار، صرنا أمام نهجين، أحدهما أعلن عن نفسه بانشقاق، وهو الجبهة الديمقراطية التي كانت تتصرف على أساس أن الفكر الماركسي قرار، وهو ما اعتبرناه انشقاقًا.


في العام 1972، بعد الخروج من الأردن وانتهاء الظاهرة العلنية للمقاومة، وانتقالها إلى لبنان، وإعادة إحياء الجسم وترتيبه، نشأ اختلاف في التحليل السياسي لأسباب الهزيمة، فالبعض نظر إلى ظاهرها الفجّ فرأى فيها نهاية لظاهرة المقاومة؛ والبعض نظر إليها نظرةً علميةً ضاربًا المثل بتجربة الصين التي فشلت اثنتي عشرة مرة، وتوِّجَت بالنجاح في المحاولة الثالثة عشرة، وقد يُكتب لنا النجاح كما كُتِبَ للتجربة الصينية.


كان للنزعة الفوقية أثرها في قراءة الحدث بطريقة فجَّة، ما كان سببًا في انشقاقٍ نشأت عنه "الجبهة الثورية"، التي لم يكن لدينا مانعٌ في تشكُّلها.


لم يكتب لهذه الظاهرة أن تعيش إلا ستة أشهرٍ، فاندثرت إلى غير رجعة، وبعدها استطاعت الجبهة أن تتغلب على كل الخلافات، وبقيت كُلًّا واحدًا.


ما هو تأثير انهيار الاتحاد السوفييتي على الجبهة الشعبية؟

انهيار الاتحاد السوفييتي أثر في العالم كله، والجبهة الشعبية جزء من العالم.


هل اكتشفتم بعد ذلك أنكم نتاج لعالم ثنائي القطب، والآن عليكم أن تغيروا من برامجكم وسياساتكم ليتم استيعابكم في عالم أحادي القطب؟


إذا أردت أن تقرأ الواقع الذي أثَّر على الجبهة، فالصدمة الأساسية في الحقيقة هي حرب عدن التي سبقت انهيار الاتحاد السوفييتي. إننا نؤمن، في تجربتنا النضالية على الصعيد القومي، بضرورة تلازم البعد الوطني والقومي، وما زلنا نؤمن بالوحدة العربية. كنا نرى في اليمن الديمقراطي تجربة رائدة، ونعتبر أن هذه التجربة هي تجربتنا، وهي ثورة شعبية انتصرت على الاستعمار، وحققت تقدمًا اجتماعيًّا وأنجزت تطورًا نسبيًّا في حياة اليمنيين. كنا نعتبرها ذخرًا لنا في تجربتنا النضالية، بل كانت ذخرًا لكل حركات التحرر العربي، رغم أنها لم تصل إلى مكانة تجربة عبد الناصر في مصر، وحاربتها العديد من القوى العربية بسبب ميولها الاشتراكية وانحيازها إلى الفكر العلمي.


لكن الحرب الداخلية الطاحنة التي وقعت في العام 1986 لوَّثت نقاء الفكرة بين رفاق الطريق وقيادة الحزب، وتدخلنا لحل التناقضات بطريقة ديمقراطية، بعيدًا عن الدكتاتورية، كي لا نتورط في استخدام السلاح لحسم التناقض الداخلي. كانت صدمةً كبرى أحدثت نوعًا من الاهتزاز في جاذبية الفكرة التي كانت تعبر عنها الجبهة الشعبية بوصفها إحدى قوى اليسار الفلسطيني، والجبهة الديمقراطية، وقيل وقتها على صفحة إحدى المجلات العربية، وأعتقد أنها الحوادث: «ماركس يُذبَح في عدن»! كان هذا هو الشرخ الذي سبق صدمة انهيار الاتحاد السوفيتي.


لم نكن سوفييتًا على طريقة الأحزاب الشيوعية التقليدية، فلنا خط مستقل عن الانتماء لأي معسكر، أحيانًا كنا نتصادم في الرأي السياسي مع السوفيت في قرارات مثل قرار التقسيم، والتسوية، والقرار 242. إن الجبهة الشعبية تعتبر نفسها تنظيمًا سياسيًّا فلسطينيًّا له علاقات أممية، وليست تابعًا لأحد، ولذا لم يعاملونا معاملة الأحزاب الشيوعية التقليدية، ولكن عاملونا على أساس أننا حالة نافرة.


ونحن نقدر أن الاتحاد السوفيتي كان له دوره الخطير في خلق توازنات في الوضع العالمي، بما يحمي قوى التحرر، وإذا عُدْتَ لأدبيّاتنا التي صدرت عن المؤتمرات، ستلاحظ أن وثيقة المؤتمر الرابع تبنَّت تقريرًا كان مكتوبًا عن النمو الاقتصادي في الاتحاد السوفييتي، لأننا كنا نعتقد أننا كلما تحدثنا عن الإنجازات، فإن كل شيءٍ في العالم على ما يرام.


ثانيًّا، كنا نرى أن قوى التحرر في العالم لها ثلاث كتل: المنظور الاشتراكي، وقوى الطبقة العاملة الأممية، وحركات التحرر في العالم الثالث، وكل هذه القوى تلقت ضربةً ساحقة بانهيار الاتحاد السوفييتي؛ فانتكست الكثير من حركات التحرر في العالم، واختلَّ التوازن العالمي. كان هناك ميزان رعب يخلق معادلات تسهم في وضع التوازنات الدولية، ونحن جزء من حركات التحرر في العالم.

القدس المصدر: القدس
شارك الخبر

إقرأ أيضا