آخر الأخبار

جريدة القدس || وحدة الساحات.. أم اتساع المأساة!

شارك الخبر

بالرغم من أنّ المأساة تُوحّد شعبنا في جميع أماكن تواجده، فإنها تباينت على مقياس الفجيعة التي ألمّت بنا بعد السابع من أكتوبر، الذي اندفع بعده قادة المؤسستين السياسية والعسكرية في إسرائيل معصوبي الأعين، تستبد بهم شهوة القتل والانتقام بفعلٍ عكَسَ حجم الإهانة التي لحقت بقدرة الردع بعد أن كانت واحدةً من أبرز عناصر السرد في الرواية الإسرائيلية السائدة طيلة عقود الصراع الماضية، باعتبارها من أهم أدوات القوة للدولة المارقة، التي طالما سيّجت نفسها بها، قبل أن تتكشف هشاشة نسيجها وتهافت بنيتها.


بالمقابل، فإن "غزوة أكتوبر"، على مفاجأتها وقوة أثرها وتأثيرها، كانت ضحيةً للتواكل والتسرع وغياب الخيال، أمام القوة الغاشمة لعدوّ لا يعبأ بخسائره المادية، التي يتم تعويضها من مخازن السلاح الأمريكية والغربية في رمشة عين.


كما أنها كانت ضحية خطأ الحسابات، وتبدّد الرهانات، كحلم ليلة صيف، على وحدة الساحات. تلك السردية التي بلغت حد القدسيّة، سرعان ما "انكسرت عصاتُها في أول غزواتها".


مَن شاهدَ ما حلّ بجنين مدينةً ومخيّماً، خلال أيام الحصار الخمسة، من عمليات تجريف، وتهديم، وتقتيل وتنكيل، وتعذيب، وتهجير، وترويع، وتجويع، وتعطيش، لعائلات المدينة والمخيم، يدرك ما يُضمره الاحتلال من إجراءاتٍ انتقاميةٍ لتعكير الحياة، وجعل المكان طارداً لأهله، وهو يستنسخ جانباً من مشاهد المأساة الجارية فصولها في قطاع غزة على الضفة الغربية.


تقتضي الحكمة من جميع القوى والفصائل الوطنية والإسلامية، أمام انكشاف تلك الممارسات الغاشمة المبيّتة، إجراء مراجعاتٍ لأساليب النضال، حتى لا نغرقَ في الطوفان الذي يريد الاحتلال ومستوطنوه إغراقنا فيه، مستفيدين من بيئةٍ عالميةٍ مؤاتيةٍ، تلوذ بالصمت عما يُرتكب من جرائم إبادة مُروعة.


أدرك حزب الله بحساباته المسؤولة، كما أدركت الدولة التي تقف على العتبة النووية معنى التحلي بالحكمة، أمام عدوّ يسعى لاستجلاب ردود فعلٍ تُمكّنه من توسيع المقتلة، فلاذت إيران بالصمت، وأبقى الحزب المواجهة ضمن معادلة "فوق الصفر وتحت التوريط"، ليس ضعفاً، بل حفاظاً على بقاء قوته، وعدم تدمير لبنان وشعبه.


مساعدة أهلنا في غزة ليست باستنساخ عذاباتهم، وتهجيرهم، وتجويعهم، وموتهم اليومي بالمئات في الضفة.


 نساعدهم بصمودنا، وصبرنا، وتحلينا بالحكمة، في الحفاظ على وجودنا على أرضنا، أمام عدوّ وضع خطط قتلنا وتهجيرنا على الطاولة في عالمٍ لا يجد غير التعبير عن قلقه على ما يحلّ بنا.


أعيدوا وهج انتفاضة الحجارة إلى الساحات والشوارع، فهي وحدها القادرة على أن تنزع من القوة الغاشمة مبرراتها، التي تجد في العالم المختلة موازينُه مَن يشتريها ويُشيطن بها نضالنا في سعينا لنيل حريتنا.

القدس المصدر: القدس
شارك الخبر

إقرأ أيضا