رام الله- على وقع احتجاجات بعدة محافظات فلسطينية، وإثر موجة غضب بسبب وقف السلطة الفلسطينية مخصصات ورواتب الأسرى والشهداء، أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس بيانا يوضح فيه حيثيات وقف مخصصات الأسرى، ودور مؤسسة "تمكين" التي أحيلت إليها ملفاتهم، وربط ذلك ببرنامج الإصلاح الذي تتبناه القيادة الفلسطينية.
وشهدت محافظات رام الله ونابلس اليوم الأربعاء وقفات احتجاج واعتصامات لأهالي الأسرى والشهداء والجرحى احتجاجا على قطع رواتب أبنائهم، من قبل مؤسسة "تمكين".
ففي مدينة نابلس أغلقت العائلات شارع فيصل وسط المدينة، في حين أشعل محتجون إطارات السيارات بمدخل المخيم احتجاجا على قضاياهم لـ"حالات اجتماعية".
وما فجر الغضب أكثر أن مؤسسة "تمكين" دعت الثلاثاء المستفيدين من برنامج الحماية الاجتماعية والمساعدات النقدية إلى التوجه اليوم الأربعاء للبنوك لتسلم مستحقاتهم، لكن عائلات الأسرى والشهداء لم تجد أي مستحقات.
وبالتوازي طالبت العائلات المعتصمة بالضغط على منظمة الصليب الأحمر الدولي لتمكنها من زيارة أبنائها في سجون الاحتلال ، واسترداد جثامين الشهداء منهم المحتجزة لدى الاحتلال.
وأكد عباس في البيان -الذي نشرت نصه وكالة الأنباء الرسمية الفلسطينية- "بوضوح لا لبس فيه، أن الوفاء لتضحيات شهدائنا الأبرار، وأسرانا البواسل، وجرحانا، وعائلاتهم الصامدة، هو التزام وطني وأخلاقي راسخ، لا يخضع للمزايدة أو الاستثمار السياسي، ولا يجوز استخدامه وسيلة للتحريض أو لإثارة الانقسام أو المساس بمؤسسات دولتنا الوطنية الشرعية".
وأشار إلى أن القرار بقانون رقم (4) لسنة 2025، والمتعلق بالمؤسسة الوطنية الفلسطينية للتمكين الاقتصادي والهادف إلى توحيد برامج الحماية والرعاية الاجتماعية تحت إدارة ومسؤولية مؤسسة وطنية واحدة، وهي المؤسسة التي أحيلت إليها مخصصات الأسرى، يأتي ضمن رؤية إصلاحية شاملة "بهدف توحيد وتنظيم منظومة الحماية والرعاية الاجتماعية، وضمان العدالة والشفافية والاستدامة في تقديم المخصصات، وفق معايير موضوعية ومهنية معتمدة، وبما يحفظ كرامة المستفيدين ويصون حقوقهم".
وفي هذا السياق أكد عباس أن "تمكين" مؤسسة وطنية رسمية ذات طابع تنفيذي، تعمل حصرا على تنفيذ السياسات والقرارات الصادرة وفق أحكام القانون، ولا تمتلك أي صلاحيات تشريعية أو سياسية.
وتابع إن "تحميل المؤسسة أو القائمين عليها مسؤوليات خارج إطار دورها القانوني يُعد خلطا للأوراق، وإضرارا غير مبرر بمؤسسة وطنية تؤدي واجبها في إطار منظومة الإصلاح والحماية الاجتماعية الموحدة".
وفي فبراير/شباط الماضي أصدر الرئيس الفلسطيني مرسوما رئاسيا "بإلغاء المواد الواردة بالقوانين والنُّظم المتعلقة بنظام دفع المخصصات المالية لعائلات الأسرى، والشهداء، والجرحى، في قانون الأسرى واللوائح الصادرة عن مجلس الوزراء ومنظمة التحرير الفلسطينية " وأحال صلاحيات كافة برامج الحماية والرعاية الاجتماعية في فلسطين لمؤسسة "تمكين".
وأضاف الرئيس الفلسطيني في بيانه أنه يتابع "باهتمام ومسؤولية ما يُثار من نقاشات وحملات على بعض منصات التواصل الاجتماعي، وما يرافقها أحيانا من تحريض وتشويه للحقائق، بما لا يخدم المصلحة الوطنية العليا، ولا ينسجم مع حجم التحديات المصيرية التي نواجهها" في إشارة لحملة واسعة ضد المؤسسة لعدم صرفها مخصصات الأسرى.
وتعهد الرئيس الفلسطيني بالمضي في تنفيذ برنامج إصلاحي وطني شامل، يهدف إلى تطوير وتحديث المنظومة القانونية والمؤسسية لدولة فلسطين، وترسيخ سيادة القانون، وتعزيز مبادئ الحكم الرشيد، والشفافية، والمساءلة، وضمان الفصل بين السلطات، بما يخدم المصلحة العامة ويعزز ثقة المواطن في مؤسسات دولته.
وتابع إن البرنامج الإصلاحي يشمل "مراجعة وتحديث القوانين الناظمة للحياة السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية، وفي مقدمتها القوانين المتعلقة بالحوكمة المالية، والإدارة العامة، والقضاء، ومكافحة الفساد، وتعزيز استقلالية المؤسسات الرقابية، بما يضمن كفاءة الأداء وعدالة التطبيق".
وأكد التزامه "باستكمال الإصلاح الدستوري والسياسي، بما في ذلك العمل على إعداد الأطر الدستورية اللازمة للانتقال المنظم من مرحلة السلطة الوطنية إلى مرحلة الدولة، وتحديث قوانين الانتخابات، وإصدار قانون عصري للأحزاب السياسية، على أسس ديمقراطية واضحة، تضمن الالتزام بالبرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وبالشرعية الدولية ، ومبدأ حل الدولتين ، والقانون الواحد، والسلاح الشرعي الواحد".
وأشار إلى أن برنامج الإصلاح يشمل كذلك تطوير قطاع التعليم "بما في ذلك مراجعة وتحديث المناهج التعليمية وفق المعايير الدولية، وبما ينسجم مع هويتنا الوطنية الفلسطينية، ويعزز قيم التسامح، واحترام القانون، ونبذ العنف والتحريض، دون المساس بحقوقنا الوطنية الثابتة أو روايتنا التاريخية".
وشدد على أن "الحفاظ على وحدتنا الوطنية، وصون السلم الأهلي والمجتمعي، وحماية مؤسساتنا الشرعية، تشكل ركائز أساسية لمواجهة الاحتلال ومخططاته العدوانية، ولا يجوز السماح لأي خطاب تحريضي أو تشهيري بأن يشتت بوصلتنا الوطنية أو يضعف جبهتنا الداخلية".
وشهدت الأيام الأخيرة موجة غضب واسعة من مؤسسة "تمكين" لعدم صرفها مخصصات عائلات الأسرى والشهداء، في حين تقول المؤسسة إن عملها يحكمه القانون.
وفي 18 ديسمبر/كانون الأول الجاري أكدت المؤسسة في بيان على إلغاء العمل بالتشريعات السابقة المتعلقة بدفعات الأسر، وأنها لا تقوم، ولن تقوم بصرف أي دفعات مالية لعائلات الأسرى أو الشهداء أو الجرحى استنادا إلى أي تشريعات، أو المخصصات الاجتماعية إلا وفق نظام البحث الاجتماعي.
والأحد ردّ رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية رائد أبو الحمص، على بيان المؤسسة داعيا إلى استبعادها عن كافة تفاصيل المشهد في صرف مخصصات ذوي الشهداء والأسرى والجرحى، "لما تحمله سياساتها من إنكار لنضالات أبناء شعبنا".
ودعا أبو الحمص اللجنة المركزية لحركة فتح إلى اعتماد بيان أصدره بهذا الخصوص عضو اللجنة توفيق الطيراوي "كموقف رسمي" من حركة فتح .
وقال الطيراوي في بيانه إن فرض الاستمارات للمسح الاجتماعي على الأسرى وذويهم، وربط حقوقهم المالية والمعنوية بتقييمات ومعايير لا تليق بتاريخهم النضالي "هو سلوك مرفوض وطنيًا وأخلاقيًا، ويفتح الباب أمام وصم هذه المؤسسة بمسلكيات مشبوهة تتناقض مع الثوابت الوطنية ومع كرامة شعبنا".
وأضاف أن "الأسرى والجرحى وأسر الشهداء ليسوا عبئًا اجتماعيًا ولا حالات إنسانية طارئة، بل هم طليعة الحركة الوطنية الفلسطينية، وحقوقهم واجب وطني وقانوني غير قابل للنقاش أو المساومة أو إعادة التصنيف".
وقال أبو الحمص إن بيان الطيراوي "جاء في الوقت الذي وجدنا فيه المئات والآلاف من الأسرى والأسرى المحررين وغالبيتهم قادة وكوادر من حركة فتح ممن أمضوا سنوات طويلة في الأسر، إلى جانب الآلاف من أسر الشهداء والجرحى في حالة من التوتر والضياع، جراء السياسات والقرارات التي اتخذتها مؤسسة تمكين، والتي أرادت أن تحول فئات المناضلين إلى فئات اجتماعية خاصة، وفقا لاستمارة مسح اجتماعي".
ومنذ سنوات تتعرض السلطة الفلسطينية لغضوطات إسرائيلية وأميركية بسبب دفعها مخصصات لعائلات الأسرى والشهداء، حيث تقتطع إسرائيل من أموال الضرائب الفلسطينية ما يعادل المبالغ المدفوعة لتلك العائلات.
لكن ورغم مضي عدة شهور على وقف مخصصات الأسرى لم تفرج إسرائيل عن أموال الضرائب التي تجاوزت 4 مليارات دولار، إنما تواصل احتجاز الأموال كاملة ما جعل السلطة عاجزة عن دفع رواتب موظفيها كاملة.
وفي عام 2018 أصدر الكونغرس قانونا لمنع السلطة الفلسطينية من دفع إعانات لأفراد عائلات الشهداء والأسرى الفلسطينيين. ويمنع القانون الحكومة الأميركية من تقديم المساعدات الاقتصادية التي من شأنها أن تفيد السلطة الفلسطينية مباشرة حتى تتوقف عن تقديم هذه الإعانات.
وحتى عام 2020، كان عدد حسابات الأسرى المحررين يبلغ 7500، في حين يبلغ إجمالي الفاتورة قرابة 50 مليون شيكل (15.6 مليون دولار) شهريا، وفق معطيات سابقة لهيئة شؤون الأسرى
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة