آخر الأخبار

منازل في غزة تلفظ أنفاسها الأخيرة

شارك

غزة- لحظات خاطفة عاشها الحاج أحمد زمارة مع أفراد عائلته في منطقة الزرقا شرق حيّ التفاح في غزة ، حين سمع طقطقة خفيفة تتسلل في الجدران المتصدعة، ليفهم فورا أن البيت يلفظ أنفاسه الأخيرة، فأمسك حينها بأطفاله راكضا بهم نحو الشارع.

يقول للجزيرة نت وهو يقف فوق أنقاض بيته "بالكاد استطعتُ إنقاذ أولادي، وما إن وصلنا مفترق الشارع حتى انهار البيت من ورائنا، وانهار بعده بيت جارنا بدقائق".

بعد انسحاب الاحتلال وعودة السكان إلى أحيائهم، عاد زمارة إلى بيته ليجده مقصوفا، نظّفه بقدر ما استطاع، وجلس فيه رغم الخطر، فليس هناك مكان آخر يلوذ إليه.

وبعد شهر من مكوثه، انهارت بقايا المنزل، وخرج الرجل للمرة الثانية صفرا بلا مأوى ولا خيمة، ليجد نفسه مضطرا للسكن تحت شوادر بلاستيكية نصبها قرب منزله، لا تقي شمسا ولا مطرا.

مصدر الصورة أحمد زمارة الذي نجا مع عائلته من انهيار منزله المتهالك شرق مدينة غزة (الجزيرة)

بيوتٌ هشة

في منطقة الزرقا، عشرات المنازل التي لم تنهَر بالكامل بعد، لكنها أقرب إلى ركام مؤجل، فكل خطوة يخطوها السكان بين الأزقة تحمل هشاشة عالية، حتى أن أقل حركة أو هبّة ريح قد تطيح بجزء من سقف أو عمود.

حجارة معلّقة مثل أطراف مبتورة، وثقوب واسعة، وأعمدة متدلية وجدران متصدعة وسقوف مائلة، هكذا رصدت الجزيرة نت مشهد منازل الغزيين في تلك المنطقة خلال جولة فيها، حيث يبدو الحيّ بأكمله مترنّحًا بين احتمال أن يصمد يومًا آخر، أو ينهار في أي لحظة.

في أحد هذه البيوت، يعيش حافظ الددا مع أطفاله الثلاثة، حيث تنتصب بقايا شقته فوق عمودين فقط من أصل ثمانية، سَدّ حافظ ثقوب الجدران بألواحٍ خشبية، وحاول أن يصنع مما تبّقى من بيته سقفًا قابلًا للعيش.

مصدر الصورة منازل لم تنهَر بالكامل لكنها أقرب إلى ركام (الجزيرة)

يقول: "إذا خرجنا من هذا المكان، سنبيت في الشارع حيث المطر والبرد، والعيش في الخوف ربما أفضل من الموت في العراء"، يصف حركاته في المنزل بالمحسوبة، فهو يمشي كمن يعرف أن خطوة زائدة منه قد تكون آخر خطوة له، وفي كل 10 دقائق، يرفع رأسه نحو السقف ليتأكد أنه ما زال فوقهم ويمنحهم سببًا ليبقوا فيه رغم الخطر.

إعلان

رعبٌ يطال الأطفال حيث يلعب محسن (10 أعوام) على ما كان سقفًا لمنزله، تناديه أمه طالبةً منه توخي الحذر من كل حجر معلّق، يقول للجزيرة نت: "كان بيتنا جديدًا قبل أن نتركه وننزح منه، لم نعش فيه إلا أيامًا حتى بدأت الحرب، وحين عُدنا إليه وجدناه محطمًا إلا غرفتين وقد جلسنا فيهما".

باح محسن بخوفه للجزيرة نت من جلوسه في هذا المكان الذي وصفه بالمرعب، يُضاف إلى ذلك خوفه من الكلاب الضالة التي تتجول حول منزله ليلا، دون وجود حيطان كاملة وأبواب متينة تحول دون اقترابها.

مصدر الصورة الحاج ياسر خضرة يقطن في بقايا منزله تحت سقف مائل وبين جدران متصدعة في منطقة الزرقا شرق غزة (الجزيرة)

مكوث اضطراري

وفي زاوية أضيق، يعيش الحاج ياسر خضرة مع 12 فردًا، بينهم أيتام فقدوا آباءهم، وقد شهد منزله قصفًا سابقًا دمّر طوابق بنايته الثلاث وصولاً للطابق الأول، الذي لم يبق منه سوى غرفة واحدة يجلسون فيها.

يقول للجزيرة نت إنه لا يغمض جفونه ليلا، خوفا من أن ينهار السقف على الأطفال، ينتظر الفجر كل ليلة؛ فهو يراه طمأنينة صغيرة بأنهم نجوا ليلة أخرى، لكنه يعلم أن لا حيلة بيده، ولا خيار لديه.

يقول الحاج ياسر "كل هزة من روبوت قريب تُرعبني، المكان لا يحتمل أي اهتزازات، لكن ترك الأطفال بلا مأوى أصعب من كل المخاطر التي نعيشها هنا".

تحذيرات بضرورة الإخلاء

الدفاع المدني في غزة كشف للجزيرة نت أن قرابة 50 بناية قائمة لكنها آيلة للسقوط في منطقة الزرقا، والتي تؤوي داخلها نحو 150 أسرة، تُصرّ على البقاء فيها رغم التحذيرات المستمرة.

وبعد جولة للدفاع المدني في منطقة الزرقا تفاجأ بحجم الكارثة الكبير، حيث قال محمود بصل الناطق باسم الدفاع المدني للجزيرة نت: "أعطينا الإرشادات للأهالي بضرورة الخروج فورًا، لكن للأسف البدائل غير موجودة، والخيام لم تصل إلا لقلة قليلة من السكان".

وناشد بصل المنظمات الدولية بتحمل مسؤولياتها، وتوفير بدائل آمنة للسكان، خاصة مع دخول فصل الشتاء وهبوب الرياح، وتساقط الأمطار التي تزيد من الخطر بشكل كبير.

تحكي بيوت غزة اليوم قصة حرب لم تنتهِ، فالجدران ما تزال تحمل ذاكرة الضربات الصاروخية التي تفتت بها أو تصدّعت، كما أن كل طقطقة في عمود ترسل رعبًا جديدًا لساكنيه، وكل بيت ينهار يقصّ حكاية أخرى عن عائلة تُدفع إلى العراء بلا بديل.

إنهم يدركون أن بقاءهم تحت البيوت المتصدعة مخاطرة، لكنهم في الوقت ذاته يرون الخروج منها أكثر قسوة، وأكثر فراغًا، بل موتا آخر.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا