آخر الأخبار

ماذا يعني إلغاء زيارة قائد الجيش اللبناني إلى واشنطن الآن؟

شارك
مصدر الصورة

في تطور جديد يعكس حجم التعقيد في العلاقة بين بيروت وواشنطن، ألغت الولايات المتحدة مواعيد كانت مقرّرة لقائد الجيش اللبناني في العاصمة الأميركية. مصادر عسكرية لبنانية قالت لبي بي سي عربي إن الخطوة جاءت بشكل أحادي، وتعكس تنامياً في استياء واشنطن من أداء المؤسسة العسكرية في ملف نزع سلاح حزب الله.

في ضوء ذلك، بادر قائد الجيش رودولف هيكل إلى إلغاء الزيارة كاملة، رغم أنّ الرحلة لم تكن معلنة رسمياً.

جاء القرار الأمريكي في لحظة شديدة الحساسية. فالجيش مكلف رسمياً بإعداد وتنفيذ خطة لحصر السلاح بيد الدولة قبل نهاية العام، وسط انقسام داخلي، وضغط أميركي وإسرائيلي، ووقف إطلاق نار غير مكتمل أعقب الحرب.

وتقدّر جهات غربية أنّ حزب الله خرج منهكاً من القتال، لكنه ما زال يحتفظ بترسانة كبيرة.

زيارة لم تكتمل

مصدر الصورة

وأكد مصدر عسكري لبي بي سي عربي أن الجانب الأمريكي ألغى المواعيد التي كانت مقررة لقائد الجيش اللبناني في واشنطن، وأبلغ السفارة اللبنانية بالقرار قبل أن يسرّب الخبر عبر قنوات أميركية إلى إحدى محطات التلفزة اللبنانية التي تولت نشره.

ووفق المصدر، جرى الإلغاء بشكل أحادي ولا يرتبط مباشرة بالبيان الأخير لقيادة الجيش الذي اتّهم "العدو الإسرائيلي" بخرق السيادة وتعطيل انتشار القوات في الجنوب. غير أنّ الخطوة تعكس، وفق المصدر، ما تعتبره واشنطن "تقصيراً" في أداء الجيش في ملف نزع سلاح حزب الله.

في المقابل، ذكرت وسائل إعلام لبنانية أن الولايات المتحدة اتخذت قرارها احتجاجاً على بيان الجيش الذي حمّل إسرائيل وحدها المسؤولية، من دون توجيه أي لوم لحزب الله في ما يخصّ عرقلة خطة الانتشار.

الصحفي والكاتب نقولا ناصيف قال لبي بي سي عربي إن ما حدث "لم يكن تأجيلاً بل إلغاءً كاملاً، وهو سابقة في علاقة قائد جيش لبناني بالولايات المتحدة"، مشيراً إلى أن الخطوة "تعني عملياً أن الزيارة لن تعاد برمجتها في المدى المنظور".

ويضيف ناصيف أن ردّ قائد الجيش "كان بالمثل، وهو موقف يحمل بعداً من الكرامة الوطنية"، موضحاً أن إلغاء واشنطن لمواعيد هيكل قابله الأخير بإلغاء الزيارة برمتها.

ويرى أن هذا السلوك "غير مألوف في علاقة دولة صغيرة بحاجة إلى دعم دولة كبرى"، في إشارة إلى التمويل الأميركي للجيش وبرامج التدريب. لكنه يلفت إلى أن هذا الدعم يبقى "ناقصاً"، لأن واشنطن "تسلّح الجيش بأسلحة ذات طابع أمني داخلي ولا تمنحه أسلحة ثقيلة يمكن أن تستخدم في مواجهة إسرائيل".

ماذا تريد واشنطن من الجيش؟

مصدر الصورة

بحسب نقولا ناصيف، قد تكون الملاحظات الأمريكية موجهة أساساً إلى الحكومة اللبنانية، لكن الرسالة نقلت عبر الجيش. يوضح أن الدولة تؤكد التزامها بالقرار 1701، وكذلك المؤسسة العسكرية، بينما تبقي إسرائيل قوات لها في نقاط داخل الجنوب. ويضيف أن حزب الله نزع سلاحه جنوب الليطاني وانكفأ شمالاً، "لكن بالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل بات لبنان كله كتلة واحدة لا فارق فيها بين جنوب الليطاني وشماله، والهدف هو إنهاء وجود الحزب في كامل الأراضي اللبنانية".

منذ خريف 2024، أعاد اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل فتح ملف سلاح حزب الله بشكل مباشر. الاتفاق الذي أبرم في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 نص على انسحاب مقاتلي الحزب إلى شمال نهر الليطاني، وانتشار الجيش اللبناني جنوباً بالتنسيق مع قوات اليونيفيل، وتفكيك المنشآت العسكرية غير المرخصة ومصادرة الأسلحة غير الشرعية.

لكن التنفيذ بقي غير مكتمل. إسرائيل أبقت قوات في خمس نقاط داخل الأراضي اللبنانية، وواصلت الغارات والتوغلات الجوية. ونقلت نائبة المتحدث باسم اليونيفيل لبي بي سي هذا العام أن "الانتهاكات الرئيسية" للاتفاق تأتي من الجانب الإسرائيلي، مشيرة إلى استمرار الغارات والتسللات الجوية وبقاء الجنود الإسرائيليين داخل لبنان. وفي خطاب متلفز، قال نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم إن الحرب "لم تنته بعد"، متهماً إسرائيل بخرق الهدنة 3300 مرة.

في هذا المناخ، حمل المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا ولبنان، توماس براك، إلى بيروت ورقة تتضمن جدولاً زمنياً وآلية لنزع سلاح حزب الله وسائر الفصائل قبل نهاية 2025، مقابل انسحاب إسرائيلي كامل، ووقف الضربات الجوية، وفتح باب دعم اقتصادي واسع.

تحت هذا الضغط، عقدت الحكومة اللبنانية جلستين متتاليتين مطلع أغسطس/آب 2025 وفي 7 أغسطس/آب، وبعد نقاشات حادة انسحب خلالها الوزراء المحسوبون على حزب الله وحركة أمل، أقر مجلس الوزراء مقدمة الوثيقة الأميركية التي تشمل 11 هدفاً، أبرزها ضمان ديمومة وقف الأعمال القتالية، وإنهاء الوجود المسلح لجميع الجهات غير الحكومية، بما فيها حزب الله، على كامل الأراضي اللبنانية، وانتشار الجيش في الحدود والمواقع الداخلية الأساسية، وانسحاب إسرائيل من النقاط الخمس.

بناءً على ذلك، كلف الجيش إعداد خطة لحصر السلاح بيد "القوى الشرعية" على كامل الأراضي اللبنانية، على أن تقدم قبل نهاية أغسطس/آب وتنفذ قبل نهاية العام. أبقى مجلس الوزراء تفاصيل الخطة سرية، فيما أكد رئيس الحكومة نواف سلام أن الجيش سيقدم تقارير شهرية عن التقدم في التنفيذ، رغم "إمكاناته اللوجستية والمادية والبشرية المحدودة".

في المقابل، نشرت وسائل إعلام أمريكية، بينها صحيفة وول ستريت جورنال في مايو/أيار الماضي، أن الجيش اللبناني نجح، وفق مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين، في نزع جزء كبير من سلاح حزب الله في الجنوب، وأن المسؤولين "فوجئوا" بسرعة التنفيذ. ونقلت الصحيفة عن سلام قوله إن الحكومة حققت "نحو 80 بالمئة" من أهدافها في الجنوب، مؤكداً ضرورة احتكار الدولة للسلاح، وأن بيروت لا تريد "وضع البلاد على مسار حرب أهلية" بل تعزيز سلطة الدولة.

وأشار التقرير إلى أن حزب الله اضطر للتخلي عن السيطرة الأمنية في مطار بيروت وفي مناطق أخرى، مع احتفاظه بـ"ترسانة ضخمة تشمل صواريخ دقيقة التوجيه"، بحسب مصادر إسرائيلية.

واشنطن والجيش: شراكة طويلة

مصدر الصورة

سبق قرار إلغاء زيارة قائد الجيش موجة انتقادات من أعضاء بارزين في الكونغرس الأمريكي. وكتبت السيناتور الجمهورية جوني إرنست على منصة إكس أنّها "تشعر بخيبة أمل" من بيان قيادة الجيش اللبناني، معتبرة أنّ إسرائيل "قدّمت فرصة حقيقية للتخلّص من إرهاب حزب الله"، وأن قائد الجيش "اختار توجيه اللوم إلى إسرائيل بدلاً من المضي في نزع سلاح الحزب".

السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام صعّد النبرة، وقال إن توصيف قائد الجيش لإسرائيل كـ"عدو"، إلى جانب ما وصفه بـ"ضعف الجهد أو غيابه شبه الكامل" في ملف نزع سلاح حزب الله، يمثّلان "نكسة كبيرة" لجهود دعم لبنان، مضيفاً أنّ هذا "يجعل من الجيش اللبناني استثماراً غير مجدٍ" بالنسبة لواشنطن.

هذه التصريحات أعادت النقاش في العاصمة الأميركية حول جدوى استمرار المساعدات العسكرية. تاريخياً، شكّل الجيش اللبناني ركناً أساسياً في مقاربة واشنطن لدعم "استقرار وسيادة" لبنان. ووفق ورقة معلومات لوزارة الخارجية الأمريكية صدرت في 20 يناير/كانون الثاني 2025، تجاوزت الاستثمارات الأمريكية في الجيش اللبناني منذ عام 2006 ثلاثة مليارات دولار، وتركّزت على تعزيز حماية الحدود، ومكافحة الإرهاب، وبناء مؤسسات الدفاع، وتطوير العقيدة العسكرية.

المساعدات شملت طائرات هجومية وصواريخ وعربات مدرعة وشاحنات عسكرية، إلى جانب برامج تدريب واسعة. أكثر من 32 ألف عسكري لبناني تلقوا تدريباً مع القوات الأمريكية في مناورات سنوية، ودورات احترافية، وبرامج في القانون الإنساني وحقوق الإنسان. كما موّلت واشنطن برامج لبناء القدرات المؤسسية، وإنشاء جهاز استشاري قانوني داخل الجيش، ومديرية تُعنى بالقانون الدولي الإنساني.

الصحفي نقولا ناصيف يقول لبي بي سي عربي إن الجيش كان، منذ عام 1982، "الحصة الأميركية" في لبنان، وإن الاهتمام الأمريكي به "لم يتراجع". يوضح أن مواعيد قادة الجيش في واشنطن "أمنية واستخباراتية وليست سياسية"، وأن الرهان الأمريكي "لا يقوم على السلطات السياسية المتبدّلة بل على الجيش الذي يبقى ثابتاً". ويرى أن ما حدث "إشارة سلبية تجاه السلطة السياسية"، إلا أن الجيش "هو المتضرر الأكبر".

وعن مستقبل الدعم، يقول ناصيف إن الولايات المتحدة "لن تتخلى عن الجيش"، ويصف ما جرى بأنه "إنذار لا أكثر". يذكّر بأن المساعدات بدأت عام 2006 "في ذروة نفوذ حزب الله"، وأن استمرار الدعم في تلك المرحلة يؤشر، برأيه، إلى أن واشنطن "لن تتراجع اليوم".

انقسام وضغوط

مصدر الصورة

في الداخل اللبناني، قوبل تكليف الجيش بنزع سلاح حزب الله برفض مباشر من الحزب وحلفائه. الوزراء الشيعة انسحبوا من الجلسات التي أقرت مقدمة الورقة الأمريكية، وامتنعوا عن مناقشة أي تفاصيل تتعلق بجدول نزع السلاح قبل تثبيت وقف إطلاق النار وانسحاب إسرائيل من المواقع التي أبقت قواتها فيها.

الكتلة البرلمانية لحزب الله أصدرت بياناً شديد اللهجة، اعتبرت فيه أن تبني رئيس الحكومة للورقة الأمريكية يشكل "انقلاباً خطيراً" على البيان الوزاري، وانحرافاً عن "خطاب القسم"، واستجابة "متسرعة" لما وصفته بـ"إملاءات خارجية"، إضافة إلى كونه "مخالفة ميثاقية صريحة" لاتفاق الطائف.

الحزب جدد موقفه الرافض لنزع السلاح، وقال الأمين العام نعيم قاسم إن من يسعى إلى ذلك "يريد أن ينزع الروح" من الحزب، مؤكداً أن "لا حياة للبنان" إذا دخلت الحكومة في مواجهة معه بسبب السلاح. وربط الحزب أي نقاش بشأن ترسانته بانسحاب إسرائيل من النقاط الخمس المتبقية ووقف الغارات، ضمن إطار استراتيجية دفاعية تناقَش داخلياً.

على المستوى الإقليمي، دخلت إيران على خط السجال. وزير الخارجية عباس عراقجي قال إن طهران "تدعم حزب الله في قراراته"، وإن مسألة نزع سلاحه "يقررها الحزب نفسه"، مؤكداً أن الحزب "أعاد بناء قدراته" بعد الحرب الأخيرة. هذه التصريحات قوبلت برفض رسمي لبناني، إذ وصفها وزير الخارجية يوسف رجي بأنها "مرفوضة ومدانة" وتمس بسيادة لبنان، مؤكداً أن الشؤون الداخلية "لا تعني إيران بأي شكل".

نقولا ناصيف يختتم حديثه بالقول إن المرحلة المقبلة ستتضح مع صدور الموقف الأمريكي الرسمي وتوضيح ما جرى. وبرغم احتمال ترميم الخلاف وإعادة برمجة الزيارة لاحقاً، يرى ناصيف أن "النقاش الحقيقي" سيجري خلال أي لقاء محتمل، وأن ما سيقال لقائد الجيش "سيكون العنصر الأهم".

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا