في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
في مقال مشترك بصحيفة تلغراف البريطانية، يؤكد الكاتبان فولا فاغبولي وفَيِّي فاوينهمي أن ما يحدث في نيجيريا لا يمكن اختزاله في " إبادة جماعية ضد المسيحيين"، كما تُصوّره بعض الجهات الدولية وخصوصا المسؤولين الأميركيين.
وفي اعتقادهما أن الأمر أسوأ وأعمق من ذلك، فهو انهيار ممتد لمؤسسات الدولة والعدالة والحكم الرشيد عبر أجيال، مما خلق بيئة من انعدام الثقة والعنف المتبادل بين المجتمعات المحلية.
وينطلق المقال من مجزرة وقعت في مارس/آذار 2015 حين هاجم رعاة من الفلان قرية زراعية بولاية بينيو الواقعة في الحزام الأوسط لنيجيريا، وقتلوا عشرات المدنيين، معظمهم من المسيحيين.
ورغم وقوع الجريمة قبل الانتخابات الرئاسية بأيام، فإن سكان هذه الولاية -وغالبيتهم من المسيحيين- صوتوا لصالح محمد بخاري المرشح المسلم المنتمي لعرقية الفولان في الشمال، وليس للرئيس المنتهية ولايته غودلاك جوناثان، وهو مسيحي من الجنوب.
ويوضحان أن اعتبار ما يحدث في نيجيريا صراعا دينيا بين "مسلمين رعاة ومسيحيين مزارعين" هو تفسير سطحي يتجاهل جذور الأزمة الممتدة عبر قرون، بدءا من غارات تجارة العبيد قبل الاستعمار، مرورا بإقامة إمبراطوريات عبر القوة، وصولا إلى سياسات الاستعمار البريطاني التي كرّست اللجوء إلى العنف كأداة للحكم.
ووفقا لهما، فإن فقدان الثقة بين تلك المجموعات السكانية لا يتعلق بالدين أو العِرق، بل نتيجة غياب العدالة وضعف الدولة، فحين تغيب مؤسسات العدالة المستقلة والفعلية، ينتشر العنف باعتباره الأداة الوحيدة للحصول على الحقوق أو الدفاع عنها.
ويسوق الكاتبان في تحليلهما مثالا تاريخيا من ولاية بينيو في عشرينيات القرن الماضي، سجله أحد أبناء المنطقة يُدعى أكيغا ساي، الذي روى كيف أن العقاب العادل والعلني لزعماء محليين ظالمين تسبب مباشرة في انخفاض الانتهاكات.
العدالة الرادعة وليس القوة العسكرية هي التي تُنهي العنف
ويستخلص الاثنان من ذلك أن العدالة الرادعة وليست القوة العسكرية هي التي تُنهي العنف.
ويعرض المقال مشهدا حديثا من الواقع المعاصر يُبرز فشل الدولة، فعندما أمر الرئيس بخاري بنقل مفتش شرطة للسيطرة على العنف في تلك الولاية، اتضح أن الضابط لم يدخل المنطقة يوما، ورغم ذلك لم يتخذ أي إجراء ضده.
ولم يُحاسب، الأمر الذي جسد فشل الدولة في محاسبة من يتقاعس عن أداء واجبه، وبالتالي استمرار العنف كخيار مساو، وليس استثناء.
اكتشف الرئيس بخاري أن قائد الشرطة الذي أمره بالتوجه إلى المنطقة لم يقضِ فيها يوما واحدا، ورغم ذلك لم يتخذ أي إجراء ضده. وبالنسبة للكاتبين، يمثل ذلك انهيارا لمفهوم المحاسبة، وبالتالي استمرار العنف.
ويخلص المقال إلى أن نيجيريا ليست إزاء أزمة "اضطهاد ديني"، بل أمام دولة تتفكك بسبب غياب العدالة، مما يعني أن ما يحدث فيها أسوأ من اضطهاد أحد مكوناتها، أما الحل -كما يؤكد الكاتبان- فيكمن في أن تُطبق الدولة القانون دون محاباة، وتعاقب المعتدي وتحمي الضعيف، وحينها "يتراجع العنف".
المصدر:
الجزيرة