من إقليم دارفور غرب السودان، برزت قوة مسلّحة غيّرت موازين القوى في البلاد.
تشكّلت بدايةً كميليشيا محلية عرفت باسم "الجنجويد"، قبل أن تتحول خلال سنوات إلى قوات الدعم السريع، إحدى أبرز الجماعات المسلحة في السودان.
وتتصدر هذه القوات عناوين الأخبار مع اتساع نطاق القتال في البلاد وورود تقارير عن انتهاكات واسعة النطاق، إلى جانب اتهامات بمحاولة إنشاء سلطة موازية للدولة.
ويثار الجدل حول دور قوات الدعم السريع ونفوذها، وسط تساؤلات عن موقعها في المشهد السياسي والاقتصادي والعسكري، ومستقبل السودان في ظل هذا الصراع.
قوات الدعم السريع هي قوة شبه عسكرية يقودها الجنرال محمد حمدان دقلو، المعروف باسم "حميدتي"، ويقدّر عدد أفرادها بعشرات الآلاف. وقبل اندلاع الحرب في السودان عام 2023، قدر مراقبون عدد مقاتليها بنحو مئة ألف، ينتشرون في دارفور والخرطوم ومناطق أخرى.
تعود أصول هذه القوة إلى ميليشيات "الجنجويد" التي استعان بها نظام الرئيس السابق عمر البشير خلال حرب دارفور في مطلع الألفية، قبل أن يعاد تنظيمها رسمياً عام 2013 كقوة تابعة لجهاز الأمن والمخابرات الوطني، بدعوى مكافحة التمرد وحماية الحدود. لكن نفوذها تعزز سريعاً، إذ حصلت على تسليح ثقيل وموارد مالية كبيرة، لتتحول إلى أحد أبرز الفاعلين العسكريين في البلاد.
وبعد الإطاحة بالبشير عام 2019، تولّى حميدتي منصب نائب رئيس المجلس السيادي الانتقالي، لتصبح قوات الدعم السريع جزءاً من السلطة الحاكمة. لكن الخلافات حول عملية دمجها في الجيش النظامي، ومن يقود المؤسسة العسكرية الموحدة، تصاعدت إلى مواجهة مفتوحة في أبريل/نيسان 2023، أدت إلى اندلاع حرب واسعة النطاق.
ومنذ ذلك الحين، أصبحت قوات الدعم السريع طرفاً رئيسياً في النزاع، تسيطر على مناطق واسعة من البلاد، وتعلن من خلالها تشكيل حكومة موازية، في خطوة اعتبرها خصومها محاولة لفرض واقع سياسي جديد في السودان.
شكّل عام 2015 محطة مفصلية في صعود نفوذ قوات الدعم السريع. فإلى جانب انتشارها في ولايات دارفور وجنوب كردفان، شاركت وحدات منها في التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن. ووفقاً لتقارير دولية، تلقت القوات دعماً وتمويلاً من السعودية والإمارات مقابل مشاركتها في العمليات القتالية وتأمين الحدود، ما منحها موارد مالية كبيرة وعزز مكانتها السياسية والعسكرية داخل السودان.
بالتوازي، توسّع نفوذ قادتها اقتصادياً عبر السيطرة على مناجم الذهب في دارفور، وبناء شبكات تجارة وتهريب تمتد عبر الحدود مع ليبيا وتشاد.
ومع الوقت، أدى هذا التمدد العسكري والاقتصادي إلى تعزيز مكانة قوات الدعم السريع كقوة موازية لمؤسسات الدولة، وأثار مخاوف متزايدة داخل الجيش السوداني من قدرتها على التأثير في توازن القوى في البلاد.
بعد سقوط الرئيس السوداني عمر البشير في أبريل/نيسان 2019، صعد محمد حمدان دقلو "حميدتي" إلى قلب السلطة بصفته نائب رئيس المجلس السيادي الانتقالي، إلى جانب قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان.
بدا الطرفان آنذاك متحالفين للحفاظ على استقرار الحكم بعد الثورة، لكن مصادر القوة والامتيازات التي حصلت عليها قوات الدعم السريع، من تسليح وتمويل وانتشار أمني واقتصادي، أثارت مخاوف داخل الجيش من تضخم قوة منافسة له داخل الدولة.
زاد التوتر مع بدء مفاوضات الانتقال لحكم مدني والاتفاق على دمج قوات الدعم السريع في الجيش تحت قيادة موحدة.
فالجيش دفع نحو عملية دمج سريعة، بينما أراد حميدتي فترة طويلة تمتد لسنوات للحفاظ على نفوذه وبنيته العسكرية الحالية. هذه الخلافات تحوّلت تدريجيًا إلى صراع نفوذ على من يمسك بالمؤسسة العسكرية والأمنية مستقبلًا.
ومع تصاعد الاتهامات المتبادلة والتحركات العسكرية في العاصمة، انفجرت المواجهة في 15 أبريل/نيسان 2023، لتتحول العلاقة من شراكة هشة في الحكم إلى حرب مفتوحة شملت الخرطوم ودارفور ومناطق واسعة من البلاد، ودخل معها السودان في أكثر المراحل خطورة منذ استقلاله.
تعرّف قوات الدعم السريع نفسها رسمياً بأنها قوة داعمة للمؤسسات الأمنية في السودان، وتقول إنها تهدف إلى مساندة القوات المسلحة في حماية الأمن القومي ومواجهة التهديدات الداخلية والخارجية.
لكن أدوارها خلال السنوات الأخيرة عكست توسعاً في طموحاتها ونطاق عملها، إذ أصبحت لاعباً سياسياً وعسكرياً رئيسياً في البلاد، وواحدة من الأطراف المؤثرة في تحديد مسار الحكم خلال المرحلة الانتقالية.
في 15 أبريل/نيسان 2025، أعلنت قوات الدعم السريع تشكيل ما أسمته "حكومة السلام والوحدة" لإدارة المناطق الخاضعة لسيطرتها، في خطوة اعتبرها مراقبون مؤشراً على سعيها إلى بناء سلطة موازية لمؤسسات الدولة الرسمية. كما وسّعت وجودها العسكري والاقتصادي في ولايات دارفور وغرب السودان، حيث تسيطر على مناطق غنية بالموارد الطبيعية.
ويرى محللون أن قوات الدعم السريع تسعى إلى ترسيخ موقعها ضمن معادلة الحكم في السودان بعد الحرب، سواء عبر المشاركة في السلطة المركزية أو من خلال إدارة مناطق نفوذها بشكل مباشر. في المقابل، تؤكد القوات في بياناتها أنها لا تسعى للهيمنة على الحكم، وأنها تدعم انتقالاً سياسياً يشارك فيه المدنيون والمؤسسات الرسمية.
شهدت خريطة السيطرة في السودان تغيرات مستمرة منذ اندلاع الحرب في أبريل/نيسان 2023، مع تسجيل تحركات وعمليات عسكرية متبادلة بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني في مناطق مختلفة من البلاد.
وتظهر البيانات الميدانية المتاحة أن السيطرة على المدن والمساحات الجغرافية تتغير بوتيرة متسارعة، حيث يزداد نفوذ الدعم السريع في بعض المناطق، بينما يتراجع أو ينحسر في مناطق أخرى وفقاً لتطورات القتال وتبدّل خطوط الإمداد والانتشار.
مناطق التمدد:
يتركز نفوذ قوات الدعم السريع في غرب السودان، خصوصاً في ولايات دارفور، حيث تتمتع بحضور واسع وقواعد إمداد متقدمة.
كما تسيطر على مناطق في ولايتي غرب كردفان وجنوب كردفان، وتنتشر في طرق ريفية وشبه حدودية تتيح لها حرية الحركة والوصول إلى خطوط الإمداد. وسعت في الأشهر الأخيرة إلى تعزيز وجودها في نطاق العاصمة الخرطوم ومحيطها، إضافة إلى أجزاء من ولاية الجزيرة.
مناطق التراجع أو الضغط:
تواجه القوات ضغوطاً متزايدة في ولايات الشمال والشرق، وفي المناطق القريبة من المراكز العسكرية التابعة للجيش السوداني، ما يحد من قدرتها على المناورة أو التوسع.
كما شهدت بعض المناطق المحيطة بالخرطوم تغيرات في السيطرة نتيجة العمليات العسكرية المتبادلة، ما أدى إلى إعادة رسم خطوط النفوذ على الأرض.
المصدر:
بي بي سي
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة