الشرطة الإسرائيلية تعتدي على أحد أعضاء الفريق الميداني التابع لجمعية "حماية المدنيين العزل في فلسطين" وتعتقله، بعد رفضه لتخريب المستوطنين البنية التحتية في قرية رأس العين بالضفة الغربية pic.twitter.com/TmD44K1UZD
— قناة الجزيرة (@AJArabic) October 9, 2025
القدس المحتلة- تشهد الضفة الغربية المحتلة تصاعدا خطيرا في الاعتداءات الإرهابية التي تنفذها عصابات المستوطنين ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم، وسط تواطؤ واضح من الشرطة الإسرائيلية التي تتعمد تجاهل مئات الشكاوى المقدمة من الضحايا، وتغلق ملفات الجرائم دون فتح تحقيقات جدية.
وأظهرت معطيات رسمية كشفتها الشرطة الإسرائيلية، استجابة لطلب من حركة "من أجل حرية المعلومات"، حجم التراجع الواضح في تعامل الشرطة مع جرائم المستوطنين ضد الفلسطينيين في الضفة.
فقد بينت البيانات أن الفلسطينيين قدموا 427 شكوى في النصف الأول من عام 2025 تتعلق باعتداءات المستوطنين، تشمل اعتداءات جسدية، وإحراق ممتلكات، وتخريب أراض زراعية، مقارنة بـ680 شكوى سجلت خلال عام 2024 بأكمله.
ورغم هذا الارتفاع في عدد الشكاوى، لم تفتح الشرطة الإسرائيلية سوى 156 تحقيقا جنائيا فقط، أي ما نسبته 37% من إجمالي الشكاوى المقدّمة، بينما كانت قد فتحت 308 تحقيقات عام 2024، بنسبة بلغت 45% من مجمل القضايا المرفوعة من قبل الفلسطينيين بعد اعتداءات المستوطنين الإرهابية.
وتشير هذه الأرقام، بحسب تقرير صحيفة "هآرتس"، إلى اتساع فجوة التقاعس الأمني والقانوني الإسرائيلي في ملاحقة مرتكبي الجرائم القومية ضد الفلسطينيين، ما يعكس تواطؤا مؤسساتيا يسهل إفلات المستوطنين من العقاب، ويشجع على استمرار العنف في الضفة.
ورغم الارتفاع الملحوظ في الشكاوى، تتراجع فعليا نسبة التحقيقات والمساءلة، ما يعزز الانطباع بأن الشرطة الإسرائيلية تتعامل بتراخ متعمد مع إرهاب المستوطنين، خاصة في ظل قيادة "الوحدة المركزية للشرطة" المقربة من وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير .
وتشير تقارير ميدانية إلى أن التنسيق الأمني بين الوحدة المركزية للشرطة في الضفة الغربية وجهاز " الشاباك "، المسؤول عن مكافحة الإرهاب اليهودي، توقف تماما خلال العام الجاري، ما أدى إلى تصاعد غير مسبوق في اعتداءات المستوطنين ضد الفلسطينيين.
ووفقا لتقرير المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان، فقد أشعل جيش الاحتلال والمستوطنون نحو 800 حريق منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وقُلعت 50 ألف شجرة في محافظات نابلس وبيت لحم والخليل ورام الله، منها 37 ألف شجرة زيتون، ضمن سياسة ممنهجة تستهدف اقتلاع الوجود الفلسطيني من أراضيه.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة "معاريف"، فقد صعدت جهات سياسية وأمنية إسرائيلية من خطابها التحريضي ضد موسم قطف الزيتون الفلسطيني، الذي بدأ في نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، متهمة الفلسطينيين باستغلال هذا الموسم كـ"غطاء للتحريض وتنفيذ أعمال عنف".
وجاءت هذه التصريحات خلال جلسة خاصة عقدتها لجنة الأمن القومي في الكنيست ، بدعوة من عضو الكنيست ليمور سون هار ملك، عن حزب "عظمة يهودية"، حيث ناقشت اللجنة ما وصفته وسائل الإعلام الإسرائيلية بـ"تزايد أحداث العنف خلال موسم الزيتون".
ويأتي هذا الموقف في سياق التضييق الممنهج الذي تمارسه سلطات الاحتلال ضد المزارعين الفلسطينيين، إذ غالبا ما يشهد موسم الزيتون تصاعدا في اعتداءات المستوطنين على الأراضي الزراعية الفلسطينية، تحت حماية جيش الاحتلال.
ويؤكد حقوقيون أن هذه التطورات ليست مجرد تقاعس إداري، بل انحياز مؤسسي ممنهج من قبل أجهزة إنفاذ القانون الإسرائيلية لصالح المستوطنين، في ظل تغطية سياسية من وزراء الحكومة اليمينية المتطرفة، ما يجعل الفلسطينيين دون حماية قانونية أو إنسانية في وجه عنف المستوطنين المتصاعد.
وأفاد مراسل الشؤون الشرطية في صحيفة "هآرتس"، جوشوا برينر، بأن المعطيات الأخيرة الصادرة عن الشرطة الإسرائيلية تكشف عن تراجع واضح في تعاملها مع جرائم المستوطنين الإرهابية ضد الفلسطينيين في الضفة.
وأوضح برينر أن معظم ملفات التحقيق التي فتحت خلال النصف الأول من عام 2025 تتعلق باعتداءات نفذها المستوطنون، شملت إحراق ممتلكات فلسطينية، وتخريب أراضٍ زراعية، والاعتداء الجسدي على المدنيين، ورشقهم بالحجارة، رغم حجم هذه الجرائم، لم تشر الشرطة في بياناتها إطلاقا إلى أي تحقيق في جرائم قتل فلسطينيين على أيدي مستوطنين.
وبحسب المعطيات، اعتقلت الشرطة 44 مستوطنا فقط في النصف الأول من العام الحالي، مقارنة بـ71 مستوطنا خلال عام 2024 بأكمله، وهو ما يعكس استمرار التراخي الأمني في التعامل مع إرهاب المستوطنين رغم تصاعده منذ مطلع العام الحالي بشكل غير مسبوق.
وأشار برينر إلى أن الوحدة المركزية للشرطة في الضفة، المسؤولة عن التحقيق في الجرائم ذات الطابع القومي والإرهاب اليهودي، تعمل منذ نحو عام من دون قائد رسمي، بعد نقل قائدها السابق أفيشاي معلم من منصبه إثر فتح تحقيق ضده.
ويشتبه في أن معلم تعمد تجاهل معلومات استخباراتية تتعلق بنشاط مستوطنين متطرفين، وامتنع عن تنفيذ اعتقالات بحقهم سعيا لإرضاء الوزير بن غفير، على أمل الحصول على ترقية وظيفية. كما يواجه معلم شبهات بارتكاب مخالفات تتعلق بتلقي رشوة والاحتيال وخيانة الأمانة وسوء استخدام السلطة.
وخلال فترة توليه المنصب، كان معلم ينكر تزايد جرائم إرهاب المستوطنين، مدعيا انخفاضها، في حين أكدت الدائرة اليهودية في جهاز الشاباك أن هذه الجرائم تشهد تصاعدا مستمرا.
ويتولى حاليا قيادة الشرطة الإسرائيلية في الضفة موشيه بينتشي، وهو شخصية مقربة من بن غفير، سبق أن شغل منصب سكرتيره الأمني، ما يثير مزيدا من الشكوك حول تسييس عمل الشرطة وتوجيهها لخدمة أجندة سياسية تغض الطرف عن إرهاب المستوطنين.
من جانبه، قال المدير العام لحركة "من أجل حرية المعلومات" المحامي هيداي نيغف، إن كشف عجز الشرطة الإسرائيلية في التعامل مع إرهاب المستوطنين لم يكن ممكنا إلا بعد المطالبة الرسمية بالحصول على المعطيات.
وأوضح نيغف أن ارتفاع عدد الشكاوى المقدمة من الفلسطينيين مقابل قلة لوائح الاتهام "يعبر بوضوح عن سياسة الشرطة في عهد الوزير بن غفير، التي تقوم على تجاهل متعمد وعدم رغبة في مكافحة الإرهاب اليهودي".
وأضاف في حديثه لصحيفة "هآرتس" أن "ما يجري لا يقتصر على إخفاق مهني في المتابعة الجنائية، بل يعكس أيضا فشلا أخلاقيا أوسع وأكثر خطورة داخل جهاز الشرطة الإسرائيلية".
وأشار إلى أن الاعتداءات الإرهابية التي ينفذها المستوطنون ضد الفلسطينيين شهدت ارتفاعا ملحوظا منذ بداية موسم قطف الزيتون، موضحا أن هذه الاعتداءات لم تعد مقتصرة على "مناطق ج" الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، بل امتدت إلى القرى والبلدات الفلسطينية في "مناطق ب" التي تخضع لسيطرة مدنية فلسطينية وأمنية إسرائيلية، ما يعكس اتساع نطاق العنف وتزايد حدته بدون أي رادع قانوني.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة