آخر الأخبار

انعكاسات اتفاق غزة على المشهد في لبنان

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

بيروت- في الوقت الذي ينصرف فيه اللبنانيون إلى تفاصيل أزماتهم اليومية وسط تدهور اقتصادي وسياسي متواصل، تلوح في الأفق أسئلة أعمق تتصل بمستقبل الدولة وموقعها في مرحلة إقليمية تتشكل ملامحها بعد اتفاق وقف إطلاق النار في غزة .

ف لبنان الذي لطالما كان مرآة لتقلبات الإقليم يجد نفسه اليوم أمام مفترق دقيق: إما الانخراط في مسار سياسي جديد يعيد تعريف دوره في معادلات المنطقة، وإما البقاء في حلقة المراوحة التي تجعله رهينة التوتر والعزلة.

ويواكب لبنان الرسمي تنفيذ اتفاق وقف النار في غزة، وسط ترقب لارتداداته على الجبهة الجنوبية التي ظلت مشتعلة رغم هدنة نوفمبر/تشرين الثاني 2024، ورغم التزام لبنان حينها ببنود الاتفاق ، فإن إسرائيل امتنعت عن تطبيقه كاملا، مما أبقى الحدود الجنوبية في حالة هشة يتأرجح فيها الهدوء الحذر بين خروقات إسرائيلية متكررة وغارات متقطعة.

مسارات محتملة

وعلى وقع هذا المشهد، تتقاطع في بيروت قراءتان متباينتان:


* الأولى، ترى أن اتفاق غزة يمكن أن يشكل مدخلا لمسار تفاوضي جديد يفتح الباب أمام استقرار طويل الأمد في الجنوب ، ويعيد ترتيب الأولويات الأمنية والسياسية في لبنان.
* أما الثانية، فترجح أن يكون وقف إطلاق النار محطة عابرة تسبق مرحلة أكثر تعقيدا مع احتمال تصاعد التوترات على ضفّتي الحدود.

وفي السياق، دان الرئيس اللبناني جوزيف عون ، الغارات الإسرائيلية التي تلت وقف النار في غزة، متسائلا إن كانت تل أبيب تسعى لتوسيع نطاق المواجهة، ومؤكدا أن "حماية المدنيين أولوية وطنية لا يجوز التهاون فيها".

وشدد عون على أن التزام إسرائيل بوقف العمليات العسكرية يشكل شرطا أساسيا لتهيئة مناخ تفاوضي متوازن، لافتا إلى أن "المسار الذي تشهده المنطقة لا ينبغي للبنان أن يعاكسه".

وذكر الرئيس اللبناني بتجربة ترسيم الحدود البحرية عام 2022 التي أُنجزت برعاية أميركية وأممية، معتبرا إياها نموذجا لإمكان تحقيق تفاهمات تحفظ السيادة والمصالح الوطنية ضمن أطر قانونية واضحة، مضيفا "التفاوض ليس تنازلا بل وسيلة لحماية الحقوق في زمن التحولات الكبرى".

مصدر الصورة عناصر من الجيش اللبناني يقومون بجمع السلاح في مخيم برج البراجنة ضمن خطة الحكومة لحصر السلاح (الجزيرة)

الضغوط والتوازنات

في المقابل، تتقدم على الضفة الأخرى مقاربة أميركية تدعو إلى حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية ضمن ترتيبات ما بعد الحرب في غزة، في حين تحاول القوى اللبنانية التوفيق بين مقتضيات الأمن الداخلي وحسابات الدور الإقليمي.

إعلان

ويرى مراقبون تحدثوا للجزيرة نت أن لبنان يسير فوق خيط رفيع، إذ يحاول تثبيت الاستقرار في الجنوب دون الانزلاق إلى مواجهة واسعة، وفي الوقت ذاته يسعى لعدم خسارة موقعه في أي تسوية سياسية مرتقبة في المنطقة.

وبين واقعية الحوار ومخاوف التصعيد، يبدو أن لبنان يدخل مرحلة اختبار سياسي جديد، تختبر فيها قدرته على إدارة التوازنات الدقيقة بين الداخل والخارج بما يؤمن حماية للاستقرار الهش ومنع البلاد من الانزلاق مجددا إلى حافة المواجهة.

ويقول الكاتب والمحلل السياسي، جوني منير، إن التطورات الإقليمية الأخيرة ستنعكس حتما على لبنان، معتبرا أن بيروت لا يمكن أن تبقى بمنأى عما يجري في غزة، "بحكم الترابط بين الجبهتين" على حدّ تعبيره.



وأوضح منير في حديثه للجزيرة نت أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب كان واضحا بتصريحاته الأخيرة حين أثنى على رئيس الجمهورية اللبنانية، ودعا لإستكمال مسار نزع السلاح باتجاه حزب الله ، في حين عبّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -المطلوبب ل لمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب بغزة- عن موقف مغاير تماما، وفق منير.

وأشار إلى أن نتنياهو قد يلجأ إلى التصعيد في لبنان، في ظل الضغوط الداخلية المتزايدة التي يواجهها. ورأى أن تصريحاته الأخيرة، التي أكّد فيها أن الحرب لم تنته وأن مجموعات جديدة تعيد بناء نفسها، تعكس احتمال عودة التوتر من البوابة اللبنانية، معتبرا أن التصعيد قد يُشكل بالنسبة لنتنياهو مخرجا من أزماته السياسية والقضائية.

وفيما يتعلق بالموقف اللبناني من التفاوض مع إسرائيل، أوضح منير أن هذا الموقف ليس جديدا "فهناك لجنة ثلاثية تبحث الأوضاع في الجنوب والهدنة، وهي لجنة تفاوض لبنانية إسرائيلية غير مباشرة برعاية الأمم المتحدة، وربما تنضم إليها الولايات المتحدة لاحقا".

وختم بالقول إن "هدف هذه المفاوضات يتركز على الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية، ووقف الاعتداءات، واستعادة الأسرى، وتثبيت السيادة على الحدود"، مؤكدا أن "الرئاسة اللبنانية لا ترى مانعا من استمرار هذا المسار طالما يظل محصورا في الإطار الأمني والعسكري، ولا يتعداه إلى أي شكل من أشكال التطبيع".

مصدر الصورة جندي لبناني يسير قرب آليات قصفتها إسرائيل في منطقة المصيلح بجنوب لبنان مؤخرا (الفرنسية)

تصعيد دون حرب

من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي، توفيق شومان "إننا فعليا أمام محاولة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة لكنها ما زالت هشة، فالخروقات لم تتوقف بعد"، موضحا أن "اليوم شهد خرقا جديدا، وكذلك أمس، وكأن النموذجين اللبناني والسوري يُطبَّقان على غزة من حيث ما يمكن وصفه بسياسة اليد الطويلة، التي تبقي التوتر قائما دون الوصول إلى مواجهة شاملة".

ويرى شومان في حديثه للجزيرة نت، أن الوضع في الجنوب اللبناني لن يشهد "عدوانا إسرائيليا واسع النطاق" وإن كانت وتيرة الاعتداءات مرشحة للارتفاع، لكنه يستبعد أن تتطور الأمور إلى حرب شاملة كتلك التي اندلعت بين سبتمبر/أيلول ونوفمبر/تشرين الثاني 2024.

إعلان

وبحسب قراءته، فإن إسرائيل تسعى لتحقيق 3 أهداف دون الانجرار إلى حرب كبرى:


* استمرار الاعتداءات بما يحفظ الضغط العسكري.
* منع عودة السكان إلى قراهم الحدودية.
* عرقلة عملية الإعمار وإبقاء الأهالي في حالة دائمة من الخوف والتهجير.

ويتابع شومان "تحقق هذه الأهداف يجعل نتنياهو في غنى عن توسيع الحرب، إذ لا يرغب في تحمل أعباء عسكرية وسياسية إضافية"، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن "الولايات المتحدة لا تزال تمسك بالمفاصل الاقتصادية اللبنانية، ولا سيما ما يتصل بالتدفقات المالية في إطار إدارتها الهادئة للمشهد اللبناني".

تهدئة مشروطة

من جانبه، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي، خلدون الشريف، أن ما حصل في شرم الشيخ بشأن غزة شكّل بلا شك خطوة نحو وقف إطلاق النار، إلا أنه وصف هذا التهدئة بأنها "هشة" ولم تؤمِّن السلام بشكل حقيقي أو مستدام.

وعن تصريح الرئيس اللبناني حول مفاوضات محتملة مع إسرائيل، يوضح الشريف، للجزيرة نت، أن الحديث كان مرتبطا بالمفاوضات حول ترسيم الحدود البحرية التي جرت عبر وسيط أميركي، أي ضمن إطار سياسي محدود وواضح.

ويخلص إلى أن كل ما طرحه عون يندرج ضمن الطرح السياسي الطبيعي للبنان تجاه إسرائيل، مع الإشارة إلى أن إسرائيل ما زالت تحتل جزءا من الأراضي اللبنانية، وتستمر في الاعتداءات اليومية، بما في ذلك الاغتيالات والتدمير، وكان آخرها تدمير نحو 300 آلية في منطقة المصيلح، وهو ما يستدعي، بحسب الشريف، تحركا دوليا لوقف الاعتداءات، وعلى رأس الدول المؤثرة الولايات المتحدة الأميركية.

ويشير الشريف إلى أن هذا الالتزام له جذور تاريخية، مستذكرا القمة العربية التي عقدت في بيروت وأفرزت المبادرة العربية للسلام، التي تبناها لبنان آنذاك والجامعة العربية، وتقوم هذه المبادرة على أساس حلّ الدولتين ، على أن تكون الدولة الفلسطينية عاصمتها القدس .

ويؤكد المحلل السياسي أن لبنان، ضمن مسار السلام الإقليمي، يلتزم حتى اليوم بالمبادرة العربية، وأي خطوات سياسية يقررها العرب، يلتزم بها لبنان كذلك.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا