في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
القدس المحتلة- يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مرحلة سياسية دقيقة بعد وقف الحرب على غزة وإتمام الاتفاق على صفقة تبادل الأسرى مع حركة حماس ، التي فُرضت عليه بضغط مباشر من الرئيس الأميركي دونالد ترامب .
ورغم أن الصفقة منحت نتنياهو -المطلوب ل لمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة – ارتفاعا في شعبيته بحسب استطلاعات الرأي الأخيرة التي أجرتها صحيفة "معاريف"، فإنها أضعفت تماسك ائتلافه اليميني المتشدد، الذي يرى في وقف الحرب "خيانة لمبدأ الردع الإسرائيلي".
وعكس غياب نتنياهو عن قمة شرم الشيخ، التي حضرها ترامب والرئيس الفلسطيني محمود عباس، حجم المأزق الذي يعيشه رئيس الوزراء مع الحلفاء في الائتلاف الحكومي من حزبي "الصهيونية الدينية" برئاسة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ، و"عظمة يهودية" برئاسة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير .
وبحسب التحليلات الإسرائيلية، فإن مشاركة نتنياهو في قمة شرم الشيخ كانت ستعني عمليا القبول بإعادة السلطة الفلسطينية إلى غزة، مما كان سيفجر ائتلافه من الداخل، لهذا، اختار الغياب تفاديا للأزمة، لكن هذا القرار كشف هشاشة حكومته أمام ضغوط واشنطن وشركائه في الحكم على حد سواء.
وبينما يدفع ترامب نحو تسوية سياسية شاملة ومرحلة انتقالية في غزة بمشاركة عربية، تتمسك أحزاب اليمين المتطرف في حكومة بالسيطرة الإسرائيلية الأمنية الكاملة على قطاع غزة، ورفض أي حديث عن حل الدولتين أو دور للسلطة الفلسطينية.
يرى محللون أن نتنياهو يقف اليوم أمام مفترق طرق، إما أن يرضخ للضغوط الأميركية ويخسر تحالفه، أو يتمسك بشركائه ويخسر الدعم الدولي الذي أنقذه من عزلته خلال الحرب.
وفي خلفية المشهد هذا، تتزايد التقديرات بأن وقف الحرب قد يكون مقدمة لتفكك الحكومة أو لتوجه نتنياهو نحو انتخابات مبكرة، مستفيدا من تحسن صورته المؤقتة بعد صفقة الأسرى، قبل أن تتحول المكاسب إلى عبء سياسي جديد.
وتشير تقديرات المحللين إلى أن نتنياهو يدرس فعليا خيار تقديم موعد انتخابات الكنيست إلى ربيع 2026، مستفيدا من الهدوء النسبي بعد وقف الحرب ومن تحسن شعبيته بفضل صفقة الأسرى وزيارة ترامب.
لكن هذا الخيار محفوف بالمخاطر، فإذا انهار الائتلاف قبل أن يضمن نتنياهو تفوقا انتخابيا مريحا، فقد يجد نفسه أمام خصوم أكثر تنظيما من داخل معسكر اليمين ذاته وحزب الليكود، مثل وزير الدفاع السابق يوآف غالانت أو وزير الاقتصاد والصناعة نير بركات.
أما إذا صمد الائتلاف مؤقتا، فسيكون على نتنياهو التعامل مع موجة ضغط دولية، تطالبه بخطوات سياسية نحو "اليوم التالي لغزة"، وهي معركة لا تقل صعوبة عن الحرب نفسها.
وعن الضغوطات الدولية، يعتقد المحلل السياسي لصحيفة "يديعوت أحرونوت" إيتمار آيخنر أن الضغط الأميركي بلغ ذروته مع زيارة ترامب إلى المنطقة وخطابه أمام الكنيست الإسرائيلي، الذي وصفه مراقبون بأنه "الأكثر تدخلا في السياسة الإسرائيلية منذ اتفاقات كامب ديفيد " عام 1978.
ولفت المحلل السياسي أن ترامب لم يخف رغبته في فرض مسار سياسي جديد لغزة، يتضمن وقفا طويل الأمد للنار، وإعادة السلطة الفلسطينية إلى الواجهة، وتدشين "مجلس سلام" برعاية دولية.
لكن هذه الرؤية -بحسب آيخنر- "وضعت نتنياهو في مأزق مزدوج، فمن جهة لا يستطيع رفضها دون خسارة الدعم الأميركي الحيوي، ومن جهة أخرى لا يمكنه القبول بها دون تفجير ائتلافه اليميني الذي يرفض أي ذكر للسلطة الفلسطينية أو حل الدولتين".
لذلك يتابع المحلل السياسي "كان غياب نتنياهو عن قمة شرم الشيخ قرارا محسوبا لتفادي مشهد رمزي قد يطيح بحكومته"، سواء مشهد المصافحة مع عباس أو التوقيع على وثيقة تكرس عودة السلطة إلى غزة.
وفي قراءة للمحلل السياسي، فإن نتنياهو "فضل الغياب على أن يواجه أزمة وجودية داخل حكومته" خصوصا بعد تلقيه تحذيرات من بن غفير وسموتريتش بأن "أي خطوة تقرب السلطة من غزة ستعني نهاية الحكومة".
تقول المراسلة السياسية لصحيفة "معاريف" آنا بارسكي إن "نتنياهو يدرك أن وقف الحرب ليس نهاية الأزمة بل بدايتها، فملف ما بعد الحرب في غزة يهدد بتفجير خلافات ائتلافية حادة حول إدارة القطاع، ومستقبل التنسيق مع واشنطن، والعلاقة مع السلطة الفلسطينية".
وأوضحت بارسكي أن التيار اليميني المتشدد داخل الحكومة يرفض أي دور للسلطة الفلسطينية أو للمجتمع الدولي، ويطالب بإبقاء السيطرة الأمنية الكاملة على غزة تحت إدارة إسرائيلية غير مباشرة.
في المقابل، تدفع المؤسستان الأمنية والعسكرية في اتجاه ترتيب "مرحلة انتقالية" بمشاركة عربية ودولية لتجنب فراغ أمني يعيد حماس أو تنظيمات أخرى إلى الواجهة.
هذا التناقض البنيوي -بحسب المراسلة السياسية- "يجعل من حكومة نتنياهو الأضعف سياسيا، رغم تفوقها العددي في الكنيست"، إذ تفتقر إلى رؤية موحدة لما بعد الحرب، وإلى قدرة على المناورة أمام الضغوط الأميركية المتصاعدة.
وتقول المراسلة بارسكي إن وقف الحرب منح نتنياهو هدنة مؤقتة من العاصفة، لكن لم يخرجه من الإعصار، فـ"سلام ترامب" قد يتحول إلى "اختبار وجودي لحكومة هشة تتأرجح بين الأيديولوجيا والمصالح، وتعيش تحت معادلة جديدة، الهدوء مقابل البقاء السياسي".
يبدو أن نتنياهو عالق بين ضغط واشنطن نحو التسوية ورفض حلفائه لأي حل سياسي، وبين هاتين النارين يبرز سؤال حاسم، هل يشكل وقف الحرب بداية نهايته أم بوابة لولاية جديدة؟ بحسب قراءة محلل الشؤون الحزبية والبرلمانية في صحيفة "هآرتس"، يوسي فيرتر.
وبينما بدا أن الصفقة أنقذت نتنياهو من الغرق في مستنقع غزة، يقول فيرتر فإنها في الوقت نفسه "فتحت أمامه مستنقعا سياسيا جديدا داخل الائتلاف الحاكم الذي يتأرجح بين التطرف العقائدي والبراغماتية السياسية".
وأوضح أن استطلاعات الرأي الأخيرة تشير إلى أن حزب الليكود يشهد انتعاشا ملحوظا في شعبيته بعد إتمام صفقة التبادل، "حيث ارتفعت نسبة التأييد لنتنياهو بنحو 4 نقاط مئوية مقارنة بما قبل وقف الحرب، وهي قفزة لم تتحقق له منذ عامين على الأقل" حسب قوله.
وأضاف فيرتر "رغم المكسب الشعبي، يبقى ائتلاف نتنياهو على صفيح ساخن"، إذ تعتبر أحزابه المتطرفة وقف الحرب "خيانة وتنازلا لحماس"، ملوّحة بالانسحاب إذا مضى في مسار التسوية.
ويرى فيرتر أن ما يجري هو "مفارقة نتنياهو الكلاسيكية، كلما نجا من أزمة، وقع في أعمق منها، إذ انتقل من شعار الأمن أولا إلى معادلة فرضها ترامب، وهي الأسرى مقابل الهدوء".
وبحضور ترامب، يقول فيرتر إن "معركة جديدة تفتح اليوم في إسرائيل، لكنها ليست عسكرية هذه المرة، بل معركة على الرواية". في رأيه، تقف حماس على قدميها، ولم يحدث ضم للضفة الغربية، بل إن الحديث عن دولة فلسطينية عاد ليطرح مجددا.
وحسب قراءة محلل الشؤون الحزبية، فإنه وبعد صيحات الاستهجان التي تعرض لها نتنياهو في ساحة الرهائن، "بدأت ماكينته السياسية بالعمل بكامل طاقتها، لإطلاق حملته الانتخابية الجديدة، وهو الميدان الذي يجيده أكثر من أي شيء آخر" حسب وصفه.