آخر الأخبار

بين الأمهرة والتيغراي.. كيف تدير إريتريا تحالفاتها مع خصمين إثيوبيين؟

شارك

ما تزال النزاعات في إثيوبيا تلقى بظلالها على مسرح الأزمات في منطقة القرن الأفريقي التي تعيش على وقع التمرد والانفصال والمواجهة بين الفصائل المسلّحة والقوات الحكومية، بسبب الصراعات العرقية والتاريخية.

وفي أحدث فصول هذه الأزمات، بدأت التوترات من جديد تلوح في الأفق بين إثيوبيا و إريتريا رغم اتفاقية السلام عام 2018، وذلك بسبب بناء أسمرا تحالفات مع جناحين إثيوبيين متخاصمين في الساحة المحلية هما:

اقرأ أيضا

list of 2 items
* list 1 of 2 لماذا تتجه دول الخليج نحو تحالفات عسكرية خارج محيطها العربي؟
* list 2 of 2 بعد الهجوم الإسرائيلي.. سيناريوهات الوساطة القطرية في بيئة معادية end of list
* جناح مليشيات فانو الأمهرية.
* جناح من الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي .

وتطرح هذه التحالفات -التي أبرمتها إريتريا مع الطرفين المتصارعين داخليا في إثيوبيا- إشكالية تعامل أسمرا معهما، حيث إنهما قاب قوسين أو أدنى من الدخول في حرب داخلية.

وحول هذا الموضوع، نشر مركز الجزيرة للدراسات ورقة بعنوان " بين الأمهرة والتيغراي: إريتريا وإدارة تحالفاتها مع خصمين متصارعين في إثيوبيا ".

وتناقش الورقة -التي أعدها الباحث والصحفي عبد القادر محمد علي- مسار تطور العلاقة بين أسمرا والطرفين الإثيوبيين، وتستعرض جذور الخلاف بين الأمهرة والتيغراي، كما تحاول أن تعطي خلاصة لكيفية إدارة علاقة إريتريا بالطرفين المذكورين.

مصدر الصورة (الجزيرة)

تقارب أسمرا مع الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي

بحسب العديد من المؤشرات، فإن العلاقة بين أسمرا والجبهة الشعبية لتحرير شعب التيغراي (جناح ديبرصيون) شهدت الأشهر الأخيرة تقاربا ملحوظا، رغم أن إشاعة التواصل مع النظام الإريتري كان تهمة كبيرة داخل جبهة تحرير تيغراي.

وعند البحث عن أسباب هذا التحول الكبير في مواقف الطرفين، يلاحظ أن الدافع وراء ذلك أساسه العداء مع الحكومة المركزية في إثيوبيا.

ولا تخفي أسمرا امتعاضها من السلطة في أديس أبابا ، فقد وصف الرئيس الإريتري أسياس أفورقي مؤخرا خطاب رئيس وزراء إثيوبيا أبي أحمد بـ"الطفولي" معتبرا أنه يدق طبول الحرب والصراع ضد بلاده.

إعلان

وبنفس الدافع، يمكن قراءة التحولات في موقف الجبهة الشعبية التي نزعت منها الحكومة في أديس أبابا الصفة القانونية، واتهمتها بالتنصل من اتفاق بريتوريا 2022.

وفي ذات السياق، ينظر جناح ديبرصيون إلى التقارب مع أسمرا بأنه فرصة لتعزيز حضوره أمام الحكومة المركزية، وكذا الفصائل الأخرى المتنازعة في المنطقة، وهو ما تعتبره إريتريا فرصة لإضعاف خصومها ويسمح لها بالتدخل عبر تشكيل جناح موال لها داخل أرض إثيوبيا.

وبناء على هذه المسارات، يأمل قادة الجبهة الشعبة لتحرير شعب إقليم تيغراي المحاصر أن يخلف التعاون مع إريتريا بوابة للدعم اللوجستي من أطراف لها مصلحة في استمرار تأزيم الأوضاع.

ووفقا لتقرير نشرته "أفريكا إنتلجنس" في فبراير/شباط الماضي، فإن اتصالات مكثفة تمت بين ضباط إريتريين وقادة من التيغراي عام 2024.

وقالت تقارير صحفية إن رئيس إريتريا أكّد لقادة من التيغراي بأنه سيحميهم إذا دخلوا في حرب مع القوات الفدرالية التابعة للحكومة في أديس أبابا والتي تسعى إلى نزع سلاح الجبهة.

وقد نتج عن هذا التقارب فتح أماكن من الحدود بين البلدين البالغة حوالي 1000 كيلومتر، وتم تبادل الزيارات بين المجتمعات المحلية.

وتشير بعض التقارير إلى أنه بموجب هذا التقارب تحولت أسمرا إلى معبر للذهب المهرب من إقليم تيغراي إلى دولة الإمارات.

مصدر الصورة العلاقات بين آبي أحمد (يمين) وأفورقي مرت بفترات شد وجذب (وكالة الأنباء الإثيوبية على فيسبوك- (أسوشيتد برس)

العلاقة بين أسمرا ومليشيات الأمهرة

تعد العلاقة بين إريتريا ومليشيات فانو الأمهرية من تجليات ما بعد حرب التيغراي التي وضعت أوزارها باتفاق بريتوريا عام 2022، إذ يجمع بين الطرفين قاسم مشترك وهو الشعور بخيانة الحكومة الإثيوبية لهما بعد دعمها في تلك الحرب، لكنها قادت المفاوضات ووقعت الاتفاق من دون أن تتشاور مع أي منهما.

واعتبرت قوات الأمهرة أن الحكومة الإثيوبية خدعتها، حيث لم تحقق لها الهدف الأبرز من دخول الحرب، وهو الاعتراف بتبعية غربي إقليم تيغراي، بل نصّ اتفاق بريتوريا على أن الأراضي المتنازع عليها تُحل وفقا للدستور الفدرالي مما يعني بشكل عملي إبقاء جميع الإقليم تحت إدارة الجبهة الشعبية.

ومن جانب آخر، تأزّمت العلاقة بين أسمرا وإثيوبيا بعد مساعي الأخيرة في الحصول على ميناء سيادي في البحر الأحمر وهو ما فهم منه أنه قد يكون على حساب استقلال إريتريا.

وفي هذا السياق، توطّدت العلاقة بين أسمرا وقوات أمهرة، إذ جمع بينهما عداء الحكومة المركزية في إثيوبيا التي تسعى بقيادة آبي أحمد إلى السيطرة على جميع أراضي الدولة.

وبالإضافة للعداء مع الحكومة، فإن الطرفين لكل واحد منهما تاريخ من العداء والتوتر مع جبهة تحرير تيغراي حيث خاضا ضدها الكثير من المعارك في حرب 2020-2022.

وتشير بعض التقارير إلى أن إريتريا أشرفت في الفترة الأخيرة على تدريب عناصر عسكرية من مليشيات الأمهرة، وقدمت لها دعما لوجستيا وهو ما يزيد من قوتها أمام القوات الحكومية الفدرالية.

جذور الأزمة بين التيغراي والأمهرة

ورغم اشتراك الفانو والتيغراي في العديد من العوامل، مثل المعتقد الديني والتقارب اللغوي، فإن النزاع بينهما يعد الأطول في تاريخ الدولة الإثيوبية، وتغذيه خلفيات عرقية وتاريخية تمتد إلى عقود.

إعلان

ويعتبر التيغراي أنفسهم ورثة المملكة الأكسومية (من القرن الأول إلى السابع الميلادي) وأول كيان مسيحي في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، لكن تم تهميشهم لصالح بعض المكونات الأخرى.

وبسبب الشعور بالظلم والتهميش، انطلقت ثورة الوياني الأولى عام 1943 التي شكلت لاحقا هوية الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي.

وخلال حكم التيغراي بين عامي 1991 و2018 تولّد استياء عميق داخل الأمهرة بسبب التهميش، مما دفعهم للمشاركة في إسقاط حكمهم عام 2018.

ولم يتوقف العداء بين التيغراي والأمهرة عند ذلك الحد، بل شاركت الأخيرة مع القوات الحكومية في حرب 2022، وما زالت تطالب بالأراضي الواقعة غرب إقليم تيغراي.

وقد ارتفعت موجة العداء بين الطرفين حتى سالت بينهما دماء غزيرة، إذ تتهم منظمة هيومن رايتس ووتش مليشيات فانو وقوات الجيش الحكومي بارتكاب جرائم حرب، و جرائم ضد الإنسانية ضد مجتمع التيغراي.

وفي المقابل، تتهم تقارير عديدة مقاتلي التيغراي باستهداف المدنيين وتنفيذ مذابح في مناطق من إقليم أمهرة.

مصدر الصورة منظمة هيومن رايتس ووتش تتهم مليشيات أمهرة بارتكاب جرائم حرب ضد التيغراي (الفرنسية)

إريتريا وسيناريوهات العلاقة مع الطرفين

وضمن هذا المشهد المتشابك والمعقد، تطرح مجموعة من السيناريوهات المحتملة لإستراتيجية إريتريا في إدارة علاقاتها مع مقاتلي الفانو والجناح الموالي لها من جبهة تيغراي:


* أول هذه السيناريوهات هو خيار دعم الطرفين: إذ تستمر في دعمهما ليشكلا ضغطا قويا على حكومة آبي أحمد ويزيدان عليها من المشاكل الداخلية.
* أما السيناريو الثاني فهو أن تسعى أسمرا إلى وساطة بين الطرفين: مما سيعطيهما قوة أكثر إذ سيخرجان من الصراعات البينية ويتفرغان للضغط على الحكومة المركزية في أديس أبابا، وفي هذه الحالة فإن حكومة آبي أحمد ستنشغل عن طموحاتها في البحث عن منفذ بحري مستقل، إلى التركيز على القضايا الداخلية.
* ويطرح السيناريو الثالث احتمالية دعم أحد الطرفين على حساب الآخر: وقد يكون ذلك إذا توصلت أسمرا إلى قناعة بأن مصالحها مرتبطة على المدى البعيد بأحدهما.

وخلاصة الإستراتيجيات المتاحة أمام إريتريا -في علاقتها مع الطرفين المذكورين- قد لا تخرج عن واحد من هذه الاحتمالات الثلاث، وحسب المعطيات الحالية فإنها ستكون حريصة على الانفتاح على جميع الأطراف المعادية للحكومة في أديس أبابا حتى تصنع جبهة شاغلة لآبي أحمد عن الاستمرار في توسيع طموحاته نحو موانئ أسمرا.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا