في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
تتصاعد حدة التوتر بين روسيا وحلف شمال الأطلسي ( ناتو ) بسبب استمرار اختراق طائرات مسيرة ومقاتلات حربية أجواء دول الحلف التي تتهم موسكو بأنها تقف وراء هذه العمليات، في وقت تنفي فيه روسيا ما وصفتها بأنها "سلسلة لا تنتهي من الاتهامات الباطلة من الدول الغربية".
واتفق وزراء الدفاع من حوالي 10 دول في الاتحاد الأوروبي يوم الجمعة الماضي على جعل ما يسمى "جدار الدرون" أولوية للتكتل، بعد أن تزعزعت بعض البلدان الأعضاء بسبب سلسلة من انتهاكات المجال الجوي خلال الأسابيع الأخيرة.
وسبق أن أعلنت كل من النرويج والدانمارك ورومانيا وقبلها بولندا عن اختراق أجوائها بطائرات مسيرة، في حين أعلنت ألمانيا على لسان وزير دفاعها بوريس بيستوريوس أن طائرة عسكرية روسية حلقت فوق فرقاطة تابعة للبحرية الألمانية في بحر البلطيق.
ونشر الحلف مقاتلات بعدما اخترقت 3 طائرات روسية من طراز "ميغ-31" المجال الجوي لإستونيا لمدة 12 دقيقة، مما أدى لعقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن الدولي وإجراء محادثات مع الحلفاء في التكتل.
ووصفت كوبنهاغن الهجمات بأنها خطيرة، وعلَّقت رئيسة الحكومة مته فريدريكسن بقولها "لا يمكنني إنكار أن الأمر يتعلق بروسيا".
وتابعت "لقد شاهدنا طائرات مسيرة فوق بولندا ونشاطا في رومانيا، ورأينا انتهاكات في المجال الجوي الإستوني، وهجمات إلكترونية على مطارات أوروبية، والآن ظهرت طائرات مسيرة في الدانمارك والنرويج أيضا".
من جهته، حذر الدبلوماسي الأوكراني فولوديمير شوماكوف من أن روسيا تنتهج إستراتيجية تصعيدية تهدف إلى توسيع رقعة الحرب في أوروبا، وقال "نشاهد هجمات بطائرات مسيرة مجهولة، وغدا قد نرى جنودا مجهولي الهوية ينفذون عمليات عسكرية".
وأضاف في تصريحات للجزيرة نت أن روسيا مستعدة لإنفاق كل مواردها لتنفيذ خططها، بل إن هناك حديثا متزايدا عن احتمال دخول قواتها إلى إستونيا وليتوانيا.
وأوضح أن هناك شواهد جديدة على الحدود مع إستونيا وليتوانيا تشير إلى استعداد روسيا لاحتلال هذه الدول بشكل خاطف، قبل أن يتمكن حلف الناتو من حشد قواته، الأمر الذي قد يستغرق نحو 45 يوما.
وردا على هذه الاتهامات، أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن روسيا لا تهاجم الأهداف المدنية ولا توجه طائراتها المسيرة أو صواريخها نحو دول الاتحاد الأوروبي أو حلف الناتو.
وشدد لافروف، خلال مؤتمر صحفي عقب مشاركته في الدورة الـ80 للجمعية العامة للأمم المتحدة، على أن روسيا لا تخطط للهجوم على دول حلف الناتو، "لكن أي عدوان سيواجه برد حازم"، مشيرا إلى أن الناتو يواصل التوسّع، مقتربا من حدود روسيا "رغم الوعود التي قدمها بعدم التقدم شبرا واحدا نحو الشرق".
من ناحيته، قال المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الروسية ديميتري بيسكوف ، في تصريحات لوكالة تاس الروسية، إنها سلسلة لا تنتهي من الاتهامات الباطلة من الدول الغربية أدت إلى حالة لم تعد تُؤخذ على محمل الجد، مضيفا أنه "لا ينبغي للدولة التي لديها نهج جاد ومسؤول أن تطرح اتهامات لا أساس لها مرارا وتكرارا".
وقال "بصراحة، بما أنهم يُطلقون اتهامات لا أساس لها مرارا وتكرارًا، فقد توقفنا عن أخذ هذه الادعاءات على محمل الجد، فتصريحاتهم التي نسمعها يتبين أن لا أساس لها في كل مرة".
وحذر بيسكوف من أن تصريحات قادة الناتو بشأن إمكانية إسقاط الطائرات الروسية ستكون لها عواقب خطرة.
وفي إطار النفي الروسي، يرى الكاتب والمحلل السياسي أندريه أونتيكوف أن موجات إطلاق الطائرات المسيرة تجاه دول غربية هي حركة مفتعلة وهي نوع من الاستفزاز الإعلامي والسياسي، وتهدف بالأساس إلى إقناع الولايات المتحدة والغرب بالتصعيد ضد روسيا ودعم أوكرانيا.
ويشير المحلل الروسي، في حديثه للجزيرة نت، إلى أن إطلاق مسيرات لم يكن حدثًا عشوائيا، بل جزءا من محاولة لإظهار أن روسيا تشكل تهديدًا يستدعي إعادة التزام واشنطن وشركائها في الحلف الأطلسي، مضيفا أن الحملة الإعلامية الواسعة التي تلت هذه الحوادث كانت تهدف بالدرجة الأولى إلى الضغط لإعادة أميركا إلى الخط السياسي والعسكري مع أوكرانيا.
وفي السياق، أكدت بيلاروسيا -حليفة موسكو- أن التشويش الإشاري الأوكراني هو ما جعل المسيرات تنحرف عن مسارها.
وبشأن "جدار الدرون"، قالت وزارة الخارجية الروسية إن هذه التدابير ستؤدي إلى "زيادة التوترات العسكرية والسياسية في قارتنا"، وفقا لوكالة الأنباء الحكومية "ريا نوفوستي". وأضافت أن هذه الخطط تندرج ضمن "طموحات شخصية وألعاب سياسية لنخب الاتحاد الأوروبي الحاكمة".
من جانبها، اعتبرت صحيفة الغارديان البريطانية في تقرير لها أن تلك التوغلات سواء أكانت مقصودة أم لا، فإنها دليل على ازدياد غطرسة موسكو، وتطرح أسئلة صعبة على الحلف.
ورأت الصحيفة في تقرير بعنوان "ما تريده روسيا من المجال الجوي لحلف الناتو وما الخيارات المتاحة للغرب؟"، أن الأمر الأكثر إثارة للقلق من بين كل الأمور المقلقة بشأن التصعيد أنه "من المستحيل معرفة أي حادثة ستُخرج الأمور عن السيطرة".
من جهتها، أفادت صحيفة تايمز البريطانية بأن بعض دول الحلف تخشى أن تؤدي خطوة خاطئة واحدة إلى اندلاع الحرب العالمية الثالثة.
وقالت إن هذه التطورات وضعت الحلف أمام معضلة إستراتيجية كبرى حول ما إذا كان يتعين عليه الاكتفاء باعتراض الطائرات الروسية لإبعادها كما جرت العادة، أو إصدار أمر بإسقاطها.
ومما يدلل على ما ذهبت إليه الصحفية تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي قال فيها إنه سيدعم دول الناتو بالسلاح بلا قيود وإسقاط الطائرات الروسية فوق أراضيها.
وتبع ذلك تصريحات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي التي هدد فيها موسكو قائلا "إن على الروس أن يعرفوا أماكن أقرب ملاجئ من القنابل"، وجاء الرد سريعا من ديمتري ميدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن الروسي الذي هدد باستخدام أسلحة "لا تحمي منها حتى الملاجئ".
وأكد الدبلوماسي الأوكراني شوماكوف أن ما نشهده اليوم هو بداية لصراع عالمي أوسع، موضحا أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مستعد لخوض الحرب، حتى وإن لم يكن ذلك في إطار حرب شاملة الآن.
وأضاف بعد ما رأيناه مؤخرًا في قمة ألاسكا، يمكن القول إن بوتين حقق انتصارا دبلوماسيا، في وقت فشل فيه ترامب، وكل هذا شجع بوتين على المضي في خططه ضد دول البلطيق والناتو.
وأشار إلى أن هذه الهجمات الحالية هي "هجمات هجينة" تشكل امتحانا للناتو وأوروبا والولايات المتحدة، لافتا إلى أن 4 سنوات من الحرب في أوكرانيا كشفت أن دول الناتو غير مستعدة للتعامل مع تهديدات الطائرات المسيرة.
وفي ظل أجواء التوتر المتصاعدة، أعلن حلف الناتو أنه قرر تعزيز مهمته في بحر البلطيق بفرقاطة دفاع جوي وأصول أخرى ردا على توغل طائرات مسيرة في الدانمارك.
وأضاف الحلف أن الأصول الجديدة تشمل "منصات لأغراض المخابرات والمراقبة والاستطلاع، فضلا عن فرقاطة دفاع جوي واحدة على الأقل".
وتعزز الأصول الجديدة مهمة "حارس البلطيق" التي أطلقت في يناير/كانون الثاني الماضي ردا على سلسلة من الهجمات التي أضرت بكابلات الطاقة وخطوط الاتصال وأنابيب الغاز في قاع بحر البلطيق. وتشمل هذه المهمة فرقاطات وطائرات استطلاع ووحدات بحرية مسيرة لحماية البنية التحتية الحيوية للدول الأعضاء.
في المقابل، يرى أونتيكوف أن لا مصلحة لأي طرف في تحول هذا المسار إلى حرب شاملة لأن ذلك سيكون كارثيا على الجميع، ولفت إلى أن هناك خشية من أن تؤدي الحسابات الخاطئة أو التهجم المدروس إلى امتداد أوسع للصراع، لكنه رأى أن الأوروبيين يشعرون بأن خياراتهم محدودة لأن الدعم الأميركي لم يعد كما كان سابقا.
وتواجه الدول الأوروبية معضلة تكمن في أنه من الصعب إثبات ما إذا كانت انتهاكات المجال الجوي من قبل الروس متعمدة أم لا، فروسيا تستغل هذه المساحة الرمادية بمهارة، وهو اختبار حقيقي لصبر الغرب ووحدته، بحسب تقرير لوكالة دوتشيه فيله الألمانية.
وأضافت الوكالة أن حلف الناتو يحاول بلورة رد مناسب على "استفزازات بوتين دون المخاطرة بإشعال صدام مباشر بعواقب وخيمة وغير محسوبة".
ودعت إلى التعامل بصرامة مع "الاستفزازات الروسية، فوحده تحالف قوي وموحد وقادر على الدفاع عن الدول الأعضاء، يمكنه ضمان السلام في أوروبا"، بحسب ما ورد في التقرير.
من جهتها، تحدثت صحيفة "صنداي تايمز" اللندنية عن أن أنشطة روسيا حتى الآن لا تعتبر سببا كافيا لتفعيل المادة 5 من ميثاق حلف شمال الأطلسي، التي تنص على أن أي هجوم مسلح على أحد أعضاء الحلف يُعد هجوما على جميع الأعضاء.
وقالت إن هذه الأنشطة تقع ضمن المنطقة الرمادية الكلاسيكية لنهج بوتين أي استفزاز غير واضح المعالم، مشيرة إلى أن الدول الأوروبية أبدت خلال العام الماضي التزامات كبيرة في مجال الدفاع.
وأضافت الصحيفة أن تحركات بوتين الأخيرة تُظهر أن ذلك لا يزال غير كافٍ، وأن الكرملين لا يزال يشعر بالقدرة على مواصلة استفزازاته على الجبهة الشرقية للقارة، مما يتطلب ردا حازما.
ويعلق شوماكوف بالقول إن الناتو يعيش حالة "فصام سياسي"، موضحا أن أكبر تحالف عسكري في العالم خائف من روسيا، وهذا التردد يشجع بوتين على استمرار الحرب في أوكرانيا وتهديده لأوروبا، في وقت تتزايد فيه الهجمات الهجينة بالطائرات المسيرة والاستفزازات الروسية على حدود الناتو.
المعضلة الأخرى التي تواجهها الدول الأوروبية هي التكلفة الباهظة للتصدي للطائرات المسيرة، وهو ما أكده الأمين العام للناتو مارك روته حين أقر بأن الجيوش الغربية لا يمكنها الاستمرار في إسقاط المسيرات عبر استخدام صواريخ باهظة التكلفة.
وأضاف أن الحلف يتعامل بجدية بالغة مع تحليق المسيرات الروسية ويسعى لضمان حماية البنى التحتية، إلا أن ذلك له تكلفة باهظة، وقال "لا يمكن استمرار إسقاط مسيرة تبلغ قيمتها ألف أو ألفي دولار باستخدام صاروخ تصل تكلفته إلى حوالي نصف مليون أو مليون دولار".
كما أقر روته بأن الناتو يفتقد إلى المعدات اللازمة على المدى القصير، لكنه أوضح أن الحلف يتعلم من الأوكرانيين ويطوّر سريعا تقنيات سيتم نشرها خلال الأسابيع المقبلة.
ويضاف لذلك ما تحدث به خبراء عن صعوبة التعامل مع الطائرات المسيرة في المناطق المدينة والمطارات بالطريقة التي تتم في ساحات الحروب، إذ إن سلامة المدنيين في المناطق المأهولة تتطلب احتياطات سلامة عالية المستوى، مما يؤثر في فعالية التصدي لها.
وتفيد الإشارة في هذا السياق إلى كشف روسيا في يوليو/تموز الماضي عن منشأة لإنتاج المسيّرات، تقع في مدينة يلابوغا بجمهورية تترستان على بعد نحو 1700 كيلومتر من الحدود الأوكرانية.
وينتج المصنع آلاف الطائرات المسيّرة شهريا، وهي من طراز "شاهد 136" الإيرانية، لكن روسيا أعادت تسميتها باسم "جيران-2".
ويرى أونتيكوف أن ذلك يأتي في إطار التطور الطبيعي للصناعات العسكرية الروسية، إذ قامت موسكو فعليًا بعسكرة أجزاء من اقتصادها، ودفعتها التجربة إلى تكثيف إنتاج مختلف أنواع المسيرات من الاستطلاعية إلى الهجومية.
وقال إن هذه المسيرات تسمح بالاستهداف الدقيق لأهداف عسكرية داخل أوكرانيا، وأضاف أن زيادة إنتاج هذه التقنيات باتت أولوية لدى روسيا لتغطية احتياجات ساحات القتال.
وفي السياق، نقلت وكالة رويترز عن مصدرين أمنيين أوروبيين أن خبراء صينيين في مجال الطائرات المسيرة زاروا شركة "آي إي إم زد كوبول" لصناعة الأسلحة الروسية للمشاركة في أعمال تطوير تقني لطائرات مسيرة عسكرية.
وقال المصدران، اللذان طلبا عدم نشر اسميهما بسبب حساسية المعلومات، إن التعاون يشير إلى توطد العلاقة بين كوبول والشركات الصينية في تطوير المسيرات التي أثبتت أهميتها الحاسمة في الحرب الروسية في أوكرانيا.
وأضافا أن الشركة تلقت شحنات من طائرات مسيرة هجومية واستطلاعية صينية الصنع عبر وسيط روسي.
أما وزارة الخارجية الصينية، فأكدت أنه لا علم لديها بهذا التعاون، وقالت في بيان إن الصين "حافظت دائما على موقف موضوعي وعادل من مسألة الأزمة الأوكرانية، ولم تقدم قط أسلحة فتاكة لأي طرف في الصراع بما في ذلك صادرات الطائرات المسيرة".
ويشير المحلل الروسي أونتيكوف إلى غياب معلومات مؤكدة عن مشاركة رسمية، لكنه أضاف أن مواطنين روسًا عاديين يشترون أجزاء ومعدات من الصين ويستخدمونها في تصنيع مسيرات محلية الصنع، ثم يسلمون بعضها طوعًا إلى الجهات العسكرية أو المنظمات الداعمة للحرب.