اتهم محققون من الأمم المتحدة الثلاثاء سلطات جنوب السودان بنهب ثروات البلاد بطرق تضمنت دفع 1.7 مليار دولار لشركات تابعة لنائب الرئيس، بنجامين بول ميل، مقابل أعمال إنشاء طرق لم يتم إنجازها مطلقاً.
وقالت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنوب السودان في تقرير إن المدفوعات، التي تمت بين 2021 و2024، مجرد مثال واحد فقط على "الفساد الكبير" في الدولة الفقيرة. ويبلغ متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في جنوب السودان الآن ربع ما كان عليه عند الاستقلال في عام 2011.
كما ذكرت اللجنة، التي أنشأها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في عام 2016: "وقعت البلاد في قبضة نخبة مستغلة، رسّخت النهب الممنهج لثروات البلاد لتحقيق مكاسب خاصة"، وفق رويترز.
كذلك جاء في التقرير أن المخصصات في الموازنة السنوية للوحدة الطبية الخاصة بالرئيس تجاوزت الإنفاق على الصحة في جميع أنحاء البلاد.
في المقابل رأى وزير العدل جوزيف قنق، في رد رسمي مكتوب أرسله إلى لجنة الأمم المتحدة، أن التقرير استند إلى أرقام لا تتطابق مع بيانات الحكومة نفسها، مرجعاً سبب المشاكل الاقتصادية في جنوب السودان إلى الصراع وتغير المناخ وانخفاض مبيعات النفط الخام التي تمثل صادرات البلاد الرئيسية.
فيما أحجم المتحدث باسم بول ميل عن التعليق.
منذ عام 2011 يعاني جنوب السودان من نوبات من الصراع المسلح، والتي كان من بينها حرب أهلية استمرت من 2013 إلى 2018 قُتل فيها ما يقدر بنحو 400 ألف شخص.
واتهمت الحكومة الأسبوع الماضي النائب الأول للرئيس، رياك مشار، الذي قاتلت قواته الجنود الموالين للرئيس سلفا كير في الحرب الأهلية، بارتكاب جرائم ضد الإنسانية مما أدى إلى تصعيد صراع أجج الاقتتال في الشهور القليلة الماضية.
كما يعاني جنوب السودان أيضاً من تخفيضات حادة في المساعدات الإنسانية الأجنبية التي يتلقاها سنوياً.
لكن اللجنة أفادت في التقرير أن الفساد هو أفضل تفسير لاستمرار المشاكل الاقتصادية والإنسانية في جنوب السودان حيث يواجه ما يقرب من ثلثي السكان، البالغ عددهم 12 مليون نسمة، مستويات حرجة من الجوع أو ما هو أسوأ من ذلك.
وتابعت اللجنة أن التقرير استند إلى 173 اجتماعاً ومقابلة من أواخر عام 2022 إلى 2024، بالإضافة إلى وثائق حكومية وبيانات مالية.
كذلك شددت على أن تركيزها على الفساد له ما يبرره لأن الكسب غير المشروع قوض قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها في مجال حقوق الإنسان وأجج العنف المسلح بشكل مباشر، مردفة أنه "في ظل انعدام التنافس على السلطة والسيطرة على الموارد والأراضي في جنوب السودان، تواصل النخب السعي لتحقيق مآرب سياسية حزبية وإثارة الخلافات والتوترات العرقية واستغلالها".
يسلط التقرير، المكون من 101 صفحة، الضوء على الشركات التابعة لبول ميل الذي جعله سلفا كير في فبراير واحداً من 5 نواب له.
بينما فرضت الحكومة الأميركية عام 2017 عقوبات على بول ميل وشركتين قالت إنهما تتبعانه وإن إحداهما تلقت معاملة تفضيلية من مسؤولين حكوميين رفيعي المستوى للقيام بأعمال طرق في البلاد. ثم فرضت الولايات المتحدة عقوبات على شركتين أخريين من شركاته سنة 2021.
وبعد إعلان عقوبات عام 2017، رفضت حكومة جنوب السودان وصف الولايات المتحدة لبول ميل بأنه المستشار المالي الشخصي لكير. واعتبرت أن قرار إدراجه على القائمة السوداء استند إلى معلومات مضللة.
من جهته، صرح جوزيف سزلافيك، وهو عضو في جماعة ضغط تعمل لصالح جوبا في واشنطن، لرويترز الشهر الماضي، أن مسؤولين من جنوب السودان طلبوا من الولايات المتحدة رفع تلك العقوبات خلال مناقشات ثنائية جرت في الآونة الأخيرة.
وذكر سزلافيك أن المناقشات تطرقت أيضاً إلى إرسال مزيد من المرحلين من الولايات المتحدة لجنوب السودان بعد وصول 8 رجال في يوليو، بينهم 7 من دول ثالثة.
فيما قالت وزارة الخارجية الأميركية لرويترز إنها لا تقدم تفاصيل عن الاتصالات الدبلوماسية الخاصة، لكنها دعت جوبا إلى "البدء في الاستفادة من إيرادات البلاد في تلبية الاحتياجات العامة لشعب جنوب السودان بدلاً من الاعتماد على المساعدات الدولية".
وحسب تقرير الأمم المتحدة، صرفت حكومة جنوب السودان في الفترة من 2021 إلى 2024 ما يقدر بنحو 2.2 مليار دولار لشركات تابعة لبول ميل عبر برنامجها "النفط مقابل الطرق"، وهو خارج الموازنة.
كما جاء في التقرير أن هذا البرنامج استهلك حوالي 60% من إجمالي المدفوعات الحكومية في بضع سنوات.
وأوضحت اللجنة في التقرير أن الشركات التابعة لبول ميل لم تكمل طرقاً صالحة للسير بمركبات إلا بأقل من 500 مليون دولار رغم تلك النفقات وضخَمت قيمة عقود البناء عن طريق المبالغة في طول الطرق والرسوم على عكس معايير القطاع وأنشأت عدداً أقل من الحارات المتفق عليها.
إلا أن التقرير لم يحدد كيف أصبحت الشركات تابعة لبول ميل، لكن اثنتين من الشركات الثلاث التي ذكرها بالاسم فرضت عليهما الولايات المتحدة عقوبات سنة 2021.
في حين لم يرد بول ميل علناً على الاتهامات الموجهة إليه.
إلى ذلك رفض وزير العدل في رده المزاعم المتعلقة بالإنفاق على الطرق، قائلاً إن المبالغ المذكورة في التقرير كبيرة بشكل سخيف بالنظر إلى الواقع الاقتصادي لجنوب السودان.
وأشار الوزير إلى تشريع مكافحة الفساد الذي سنته البلاد قبل الاستقلال باعتباره دليلاً على "التزام الحكومة الجاد وإرادتها تجاه مكافحة الممارسات الفاسدة".
ذكرت اللجنة في التقرير أن أولويات الإنفاق العام لا تعكس التزامات الحكومة تجاه مواطنيها.
وأظهر التقرير أنه تم تخصيص مبالغ قليلة من عائدات صادرات النفط، التي تجاوزت 23 مليار دولار، منذ الاستقلال لتلبية الاحتياجات الملحة، مثل التعليم والرعاية الصحية والأمن الغذائي.
كما كشف أنه في موازنة 2022 و2023 العامة، على سبيل المثال، تم تخصيص أموال للوحدة الطبية الخاصة بالرئيس أكثر مما تم تخصيصه لأنظمة الرعاية الصحية العامة وتلك من الدرجة الثانية والثالثة في جميع أنحاء البلاد.
غير أن الحكومة لم تعلق في ردها على هذه النقطة تحديداً، لكنها قالت إنها تعمل على تعزيز رعاية المواطنين.