آخر الأخبار

هل تتحول صفقة الغاز إلى ورقة ضغط إسرائيلي ضد مصر؟

شارك





يبدو أن صفقة الغاز الضخمة بين مصر وإسرائيل ، التي قدرت بنحو 35 مليار دولار وتمتد حتى عام 2040، لم تحقق هدفها الاقتصادي، حسب مراقبين، بل تحولت إلى مصدر توتر جديد، مع محاولات تل أبيب استغلالها كورقة ضغط لدفع القاهرة نحو قبول تهجير الفلسطينيين إلى شبه جزيرة سيناء (شمالي شرقي مصر)، الأمر الذي ترفضه مصر بشكل قاطع.

فالصفقة ، التي كان يفترض أن تشكل تعاونا جديدا بين الشركات الخاصة في البلدين، لم تنجح في تخفيف حدة الخلافات السياسية. وبحسب صحيفة إسرائيل هيوم، فإن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية- يستعد لعقد اجتماع مع وزير الطاقة لإعادة النظر في الاتفاقية، مؤكدة أنه لن يتم استكمالها دون موافقته الشخصية، في ظل اتهامات إسرائيلية لمصر بانتهاك اتفاقية " كامب ديفيد " عبر إدخال قوات إضافية إلى سيناء عقب تطورات المواجهة في غزة.

ورغم هذه الأجواء المشحونة، فقد نقلت مصادر إعلامية أن القاهرة أعلنت عن استثمار 400 مليون دولار لإنشاء خط غاز جديد يُربط بالشبكة الإسرائيلية، بما يسمح باستيعاب الكميات الإضافية المتفق على ضخها إلى مصر حتى عام 2040، أو إلى حين نفاد الكميات البالغة 130 مليار متر مكعب.

لكن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 ألقت بظلالها الثقيلة على الاتفاق. فقد أوقفت تل أبيب إمدادات الغاز إلى مصر أكثر من مرة، كان آخرها في يونيو/حزيران الماضي أثناء حرب قصيرة مع إيران استمرت 12 يوما، حين توقف الإنتاج مؤقتا في حقل "ليفياثان" خشية استهدافه، مما انعكس مباشرة على عمل المصانع المصرية المعتمدة على الغاز.

مصدر الصورة أوقفت تل أبيب إمدادات الغاز إلى مصر أكثر من مرة، كان آخرها في يونيو/حزيران الماضي أثناء حرب الـ12 يوما مع إيران (رويترز)

ضغوط سياسية واقتصادية

ويرى مراقبون أن إسرائيل تستخدم ملف الغاز أداة ضغط على مصر لدفعها نحو قبول توطين الفلسطينيين في سيناء، في وقت تصر فيه القاهرة على رفض أي شكل من أشكال التهجير، مما يفتح الباب أمام تساؤلات عن التداعيات الاقتصادية المحتملة لوقف الإمدادات، وتأثير ذلك على سوق الطاقة المحلي.

إعلان

وفي هذا السياق، قال السفير معتز أحمدين، مندوب مصر السابق لدى الأمم المتحدة ، في تصريحات للجزيرة نت "حسنا فعل نتنياهو بتجميد الصفقة، فذلك قد يفتح المجال لمناقشة مجتمعية وبرلمانية أوسع حولها، خاصة أن المكاسب المروج لها غير مؤكدة، وتعتمد على متغيرات لا يمكن ضمانها مثل أسعار الغاز المستقبلية أو استمرار الطلب الأوروبي المرتفع".

وأوضح أحمدين أن أوروبا قد تتجه مستقبلا إلى تخفيض اعتمادها على الغاز لصالح مصادر الطاقة المتجددة، مما يقلص فرص مصر في الاستفادة من التصدير عبرها، مضيفا أن السلوك الإسرائيلي يجعل أي تعاون إستراتيجي محفوفا بالمخاطر، في ظل انتهاكات تل أبيب المتكررة للاتفاقيات الدولية، سواء مع مصر أو مع دول أخرى مثل لبنان و سوريا ، فضلا عن خروقاتها المتواصلة في غزة.

واعتبر الدبلوماسي المصري أن الموقف الحالي يمثل فرصة لمصر للتراجع عن الصفقة، وربط أي اتفاقات مستقبلية بوقف الحرب على غزة وإعادة إعمارها، بل اقترح توجيه جزء من عوائد الغاز لصالح التعويضات والإعمار، مؤكدا أن أمام القاهرة بدائل إقليمية في السعودية و قطر والجزائر، إضافة إلى ما تنتجه محليا.

وشدد على أن "الظروف الطارئة تمنح مصر حق تعديل حجم صادراتها بما يخدم استقرار السوق الداخلي".

الغاز كورقة ضغط

من جانبه، يرى أستاذ العلوم السياسية الدكتور مصطفى كامل السيد أن إسرائيل تنظر إلى الاتفاقية باعتبارها ورقة ضغط على القاهرة.

وقال في تصريحات للجزيرة نت "هذا ليس استنتاجا، بل ورد صراحة في مقالات إسرائيلية أشارت إلى أن تل أبيب تمتلك أدوات عديدة للضغط على مصر، من بينها العلاقات مع الولايات المتحدة، وموقف المؤسسات المالية الدولية، وأزمة سد النهضة ، وأخيرا اعتماد مصر على الغاز الإسرائيلي".

وأشار السيد إلى أن توقف الإمدادات أجبر الحكومة المصرية على وقف نشاط مصانع للأسمنت والأسمدة وغيرها، الأمر الذي استخدم لاحقا كورقة ضغط علنية في خطاب نتنياهو حين هدد باستخدام الغاز كسلاح لإجبار القاهرة على قبول تهجير الفلسطينيين.

وتساءل السيد "إذا كانت هذه المخاطر واضحة للجميع، فلماذا تقدم مصر على إبرام اتفاق طموح يمتد 15 عاما بقيمة 35 مليار دولار مع إسرائيل، في حين تشن الأخيرة حربا مدمرة على الفلسطينيين في غزة؟".

مصدر الصورة بينما تصر القاهرة على موقفها الرافض لتهجير الفلسطينيين، تسعى إسرائيل لاستخدام الغاز أداة ابتزاز سياسي (موقع شركة نيوميد)

جدل اقتصادي

وفي مقابل هذا الطرح، يرى خبراء اقتصاديون أن تداعيات الأزمة قد تبقى محدودة. فقد أكد الخبير الاقتصادي الدكتور محمد فؤاد أن عقود الغاز مع مصر تجارية بين شركات خاصة ولا تخضع مباشرة للحكومتين، وبالتالي لا يملك نتنياهو حق إلغائها.

وأوضح فؤاد في حديث للجزيرة نت أن شركة "شيفرون" الأميركية، المالكة لنحو 40% من حقل "ليفياثان"، هي صاحبة القرار الفعلي، وأي محاولة من الجانب الإسرائيلي لتعطيل الاتفاقية قد تجر عليه التزامات بتعويضات مالية كبيرة للولايات المتحدة.

إعلان

وأضاف أن ما قد يتأثر فقط هو التوسعات المستقبلية، أما في حال توقف الإمدادات بشكل كامل فإن مصر قادرة على تلبية احتياجاتها عبر بدائل أخرى، وإن كان ذلك سيرفع التكلفة بنحو 3 مليارات دولار سنويا نتيجة الاعتماد الأكبر على الغاز المسال وتكاليف الشحن.

وختم فؤاد بالقول إن البنية التحتية المصرية مؤهلة للتعامل مع أي توقف مفاجئ من خلال السفن القادرة على تحويل الغاز المسال إلى غاز طبيعي وضخه في الشبكة، مما يقلل من احتمالات حدوث أزمة طاقة محلية.

وبينما تصر القاهرة على موقفها الرافض لتهجير الفلسطينيين، تسعى إسرائيل إلى استخدام الغاز أداة ابتزاز سياسي. وهكذا يبقى مستقبل الاتفاقية رهن التوازن بين مصالح اقتصادية ضخمة وضغوط سياسية متصاعدة، في معادلة تظهر مجددا هشاشة التعاون بين الجانبين في ظل صراع مفتوح على غزة وملفات إقليمية أخرى.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا