تحليل بقلم بريت ماكغورك محلل الشؤون العالمية في شبكة CNN ، وشغل مناصب عليا في مجلس الأمن القومي الأمريكي في عهد الرؤساء جورج دبليو بوش، وباراك أوباما، ودونالد ترامب، وجو بايدن
(CNN) -- شنت إسرائيل غارات جوية على العاصمة القطرية، الدوحة، الثلاثاء، مستهدفةً القيادة السياسية لـحركة "حماس" ، فماذا سيحدث الآن؟
العملية الإسرائيلية ليست مفاجئة تمامًا. قيادات "حماس" أصبحوا أشباحًا منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بعد أن هاجمت الحركة إسرائيل، وقتلت أكثر من ألف إسرائيلي، واحتجزت ما يقرب من 250 آخرين رهائن.
وأوضحت إسرائيل منذ ذلك الحين أنها ستستهدف كل قيادي في "حماس"، سواء داخل غزة أو خارجها، والتزمت بهذا الوعد .
ولذا، يمكن اعتبار هذه العملية متوقعة منذ فترة طويلة .
ليس "مفاجئا".. لكنه "صادما"
لكن الحدث غير المفاجئ قد يكون صادما، هكذا أصف ما حدث للتو، لـ3 أسباب :
أولاً، أعلنت إسرائيل مسؤوليتها عن العملية صراحة .
في المرة الأخيرة التي استهدف فيها الإسرائيليون قيادي من "حماس" خارج قطاع غزة- وهي عملية أسفرت عن مقتل سلف الحية، إسماعيل هنية، في طهران العام الماضي- لم يُدلوا بأي تصريح يُذكر عن العملية.
صحيح أن العالم اشتبه بمسؤولية إسرائيل، لكن القاعدة الأساسية للعمليات السرية هي عدم الحديث عنها.
وفي حالة هنية، لم تُعلن إسرائيل مسؤوليتها عن مقتله إلا بعد 5 أشهر من تنفيذ العملية .
وهنا، أعلن الإسرائيليون مسؤوليتهم الكاملة عن العملية فوراً وصراجة، وأرادوا أن يعلم العالم أن قيادات "حماس" لن يُستهدفوا في أي مكان فحسب، بل بطريقة سافرة من خلال عملية مُسمّاة "قمة النار" تتكون من 10 طائرات عسكرية تُطلق 10 قذائف جو- أرض .
ثانياً، طلبت كل من الولايات المتحدة وإسرائيل من قطر استضافة هؤلاء القيادات .
لم تكن هذه ضربة ضد مُجمّع إرهابي سري في منطقة نائية، كانت ضربةً على موقعٍ معروفٍ للولايات المتحدة وإسرائيل في عاصمة دولةٍ تتعاون معهما عن كثب.
وعملٌ كهذا غير مسبوق .
لقد أمضيتُ شهورًا في الدوحة أتفاوضُ عبر القطريين مع الإسرائيليين و"حماس" لإطلاق سراح الرهائن.
ولم يكن موقع "حماس" سرا.
وكان هناك تفاهمٌ ضمنيٌّ بأنه بينما تستطيع إسرائيل اغتيال القيادات، فإنها لن تفعل ذلك نظرًا لدور قطر في التوسط في المفاوضات .
ثالثًا، تُقلل الضربة من احتمالية التوصل إلى صفقةٍ لإطلاق سراح الرهائن.
والسبيل الوحيد لإعادة الرهائن المتبقين سالمين هو من خلال صفقةٍ تفاوضية.
والرهائن محتجزون في أعماق الأرض، مما يُصعّب عمليات الإنقاذ العسكرية.
وأعلنت "حماس" أن أي جهدٍ لإنقاذ الرهائن سيؤدي إلى وفاتهم، وفي غياب صفقة، لن يُطلق سراح الرهائن .
ويتطلب التفاوض على صفقةٍ محادثات مع قيادة "حماس" في الدوحة، ومن خلال هؤلاء القيادات مع المسلحين داخل غزة.
ولا توجد طريقةٌ أخرى للقيام بذلك .
من المرجح أن الضربة التي نفذتها إسرائيل للتو ستؤدي إلى توقف هذه العملية.
وقد تُعلّق قطر دورها في الوساطة أو تُخفّضه.
وإذا نجحت العملية، فقد لا يبقى أيٌّ من قيادات "حماس" خارج غزة يتمتع بالنفوذ اللازم لإبرام صفقة وتأمين إطلاق سراح الرهائن على أي حال .
ماذا يعني هذا بالنسبة للرهائن؟
لا تملك "حماس" سوى أدوات محدودة للرد على هذا الهجوم الإسرائيلي، فقد تدهورت قدرتها العسكرية بشكل كبير، وتضاءلت قدرتها على استخدام القوة في إسرائيل.
ولا يزال بإمكان "حماس "إلهام هجمات إرهابية داخل إسرائيل، كما فعلت على ما يبدو في وقت سابق من هذا الأسبوع بهجوم مروع في القدس ضد مدنيين إسرائيليين كانوا ينتظرون في محطة حافلات أثناء رحلة الصباح.
ولكن بخلاف ذلك، فإن "حماس" ليست سوى بقايا مما كانت عليه قبل 7 أكتوبر، عندما كانت الحركة موجودة كقوة عسكرية منظمة .
ومع ذلك، تتحكم "حماس" في مصير الرهائن، الذين لا يزال عشرون منهم على قيد الحياة بعد 700 يوم من الاحتجاز.
وهناك الآن خطر كبير من أن تنتقم "حماس" من إسرائيل بإعدام واحد أو أكثر من الرهائن.
والهدف هو توجيه إشارة لإسرائيل بأن السبيل الوحيد لإنقاذ الرهائن هو وقف الحرب وقبول بقاء "حماس" في السلطة في غزة، وهو ما لن تقبله إسرائيل أبدًا .
ولتقليل هذا الخطر على الرهائن، يمكن للولايات المتحدة أن توضح أن أي ضرر يلحق بهم سيؤدي إلى وضع أسوأ لـ"حماس".
ويمكن للبيت الأبيض أن يوقف جهوده لتأمين أو ضمان أي اتفاق من أي نوع.
ولطالما أملت "حماس" أن يطلب ترامب في وقت ما من إسرائيل وقف عملياتها في غزة حتى قبل التوصل إلى اتفاق.
ويمكن لترامب أن يستبعد هذا الاحتمال ويوضح أن الولايات المتحدة ستواصل دعم تسوية فقط إذا لم يُصب الرهائن بأذى وأُطلق سراحهم في نهاية المطاف .
مهما كان رأي المرء في هذه العملية، من المهم أن نضع في اعتبارنا ضحايا إرهاب "حماس"، بمن فيهم أكثر من 40 أمريكيًا قُتلوا خلال هجوم "حماس" على إسرائيل في 7 أكتوبر.
وأشادت قيادات "حماس"، بمن فيهم أولئك الذين استُهدفوا في العملية الإسرائيلية في الدوحة، بتلك المجازر، ووعدوا بارتكاب المزيد منها.
وحُسم مصيرهم عندما اتخذوا قرار تنفيذ مثل هذا الهجوم، وإبادتهم هي مقياس للعدالة، بغض النظر عن كيفية تنفيذها.
النهاية "بعيدة جدا"
في بيان صادر عن البيت الأبيض، صاغته المتحدثة باسمه كارولين ليفيت بعناية في وقت سابق، قالت: "يعتقد الرئيس ترامب أن هذا الحادث المؤسف يمكن أن يكون فرصة للسلام".
وفي الوقت نفسه تقريبًا، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه مستعد للمضي قدمًا في الصفقة التي قدمتها الولايات المتحدة قبل أيام.
وتطالب هذه الصفقة "حماس" بالإفراج الفوري عن جميع الرهائن الأحياء ورفات القتلى مقابل إطلاق سراح السجناء الفلسطينيين وبدء عملية تفاوضية لإنهاء الحرب بشكل دائم.
ويمكننا جميعًا أن نأمل أن تعود "حماس" إلى رشدها وتقبل بهذه الشروط، لكن هذه النتيجة مستبعدة.
والسيناريو الأكثر ترجيحًا هو استمرار هذا الصراع، وقد يستغرق الأمر أسابيع في أفضل الأحوال لاستعادة أي مسار دبلوماسي.