أكدت دولة الإمارات العربية المتحدة رفضها مساعي إسرائيل لضم أراض في الضفة الغربية المحتلة، معتبرة أن ذلك يُعدّ "خطاً أحمر".
وأشارت مساعدة وزير الخارجية الإماراتي للشؤون السياسية، لانا نسيبة، في بيان الأربعاء، إلى أن "ضمّ أراض في الضفة الغربية سيشكّل خطاً أحمر بالنسبة للإمارات".
ودعت الإمارات، التي طبّعت علاقاتها مع إسرائيل ضمن ما يعرف بـ"الاتفاقات الإبراهيمية"، إلى وقف خطط الضمّ في الضفة الغربية المحتلة، محذّرة من أنها ستقوّض بشكل خطير اتفاقيات التطبيع التي وُقعت في عام 2020 بين البلدين، وفق نسيبة.
وجرى التوقيع على أولى تلك الاتفاقيات في 15 سبتمبر/أيلول عام 2020، بين الإمارات والبحرين من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، برعاية مباشرة من الولايات المتحدة ودعمٍ من الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب خلال ولايته الأولى، لتلحق بهما السودان والمغرب بعد ذلك.
وقالت المسؤولة الإماراتية إنه "منذ البداية، نظرنا إلى الاتفاقيات كوسيلة تمكّننا من الاستمرار في دعم الشعب الفلسطيني، وتطلعه المشروع إلى إقامة دولة مستقلة".
وأضافت لانا نسيبة أن "المقترحات الخاصة بضم أجزاء من الضفة الغربية، والتي يُقال إنها قيد النقاش داخل الحكومة الإسرائيلية، تأتي في إطار مسعى يهدف حسب كلمات أحد الوزراء الإسرائيليين، إلى دفن فكرة الدولة الفلسطينية)"، وذلك في إشارة لوزير المالية الإسرائيلي اليميني، بتسلئيل سموتريتش.
وكان الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي قد صادق، في 23 من يوليو/تموز الماضي، على مقترح يدعو الحكومة إلى فرض "السيادة الإسرائيلية" على كامل أراضي الضفة الغربية المحتلة وغور الأردن، ما أثار ردود فعل واسعة.
ورغم أن المقترح الذي تقدم به أعضاء في الائتلاف اليميني الحاكم، وحاز على موافقة أغلبية الكنيست بعدد 71 صوتاً مقابل 13، لا يلزم الحكومة الإسرائيلية بتنفيذ القرار، غير أنه قد يعكس توجهاً سياسياً لترسيخ مشروع الضم.
وقال وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، إن المشروع يهدف إلى "دفن فكرة الدولة الفلسطينية".
وكرر سموتريتش، الأربعاء، دعوته إلى ضم مساحات شاسعة من الضفة الغربية. وقال إن "الوقت حان لفرض السيادة الإسرائيلية" على هذه الأراضي.
وأضاف أن هذه الخطوة "ستُلغي فكرة تقسيم أرضنا الصغيرة وإقامة دولة إرهابية داخلها بشكل نهائي"، داعياً الى ضم "كل المناطق المفتوحة"، واستدرك: "المبدأ الأسمى لفرض السيادة، هو شعار: أقصى مساحة من الأرض مع أقل عدد من السكان الفلسطينيين".
فضلاً عن رد الفعل الإماراتي، أثارت تصريحات سموترتيش رفض العديد من الدول من بينها مصر، التي كانت أول دولة عربية تطبع علاقاتها مع إسرائيل، ووقعت على اتفاقية سلام معها عام 1979.
وأكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي على رفض بلاده "المخططات الاستيطانية والممارسات غير القانونية بالضفة الغربية، مثل مصادرة الأراضي وحملات الترهيب التي يقوم بها المستوطنون الإسرائيليون ضد الشعب الفلسطيني"، معرباً عن إدانة مصر القاطعة لـ"المخطط الاستيطاني الإسرائيلي بمنطقة E1 بالضفة الغربية، ورفض التصريحات الإسرائيلية حول ضم الضفة الغربية".
وكانت بريطانيا وفرنسا من بين 21 دولة وقّعت بياناً مشتركاً، اعتبرت فيه أن موافقة إسرائيل على المشروع "أمر غير مقبول وانتهاك للقانون الدولي".
أما وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، فقد انتقد فرنسا ودولاً أخرى تسعى للاعتراف بدولة فلسطينية، قائلاً إنه حذرها من أن إسرائيل "قد تردّ بضم الضفة الغربية".
ورفض روبيو إدانة التوجهات نحو ضم الضفة، وقال لصحفيين في الإكوادور، يوم الخميس: "ما ترونه فيما يتعلّق بالضفة الغربية والضم ليس نهائياً، بل هو أمر تجري مناقشته بين بعض الساسة الإسرائيليين. لن أتحدث عن ذلك الأمر اليوم".
ويعيش نحو 500 ألف إسرائيلي في مستوطنات بالضفة الغربية.
وتدين الأمم المتحدة بانتظام التوسع الاستيطاني الإسرائيلي، باعتباره غير قانوني بموجب القانون الدولي، وأحد أهم العقبات أمام التوصل إلى حل سلمي دائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين، يفضي إلى قيام دولة فلسطينية تبسط سلطتها على الضفة الغربية وقطاع غزة.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قد أعلن في عام 2019 عن خطط لضم أجزاء من الضفة الغربية. لكن إسرائيل علقت هذه الخطوات، بموجب اتفاق تطبيع العلاقات مع الإمارات العربية المتحدة عام 2020.
واعتبرت الدبلوماسية الإماراتية، لانا نسيبة، أن ضمّ الضفة الغربية "سيقوّض بشدة رؤية وروح الاتفاقيات مع إسرائيل، وينهي مساعي الاندماج الإقليمي، ويغيّر الإجماع الواسع على المسار الذي يجب أن يسلكه هذا الصراع - أي قيام دولتين تعيشان جنباً إلى جنب في سلام وازدهار وأمن".
وقالت نسيبة: "ندعو الحكومة الإسرائيلية إلى تعليق هذه الخطط، لا يمكن السماح للمتطرفين، من أي طرف كانوا، بأن يحددوا مسار المنطقة".
ورأى عبدالخالق عبدالله، أستاذ العلوم السياسية في دولة الإمارات، أن تصريحات المسؤولة الإماراتية كانت جدية للغاية، واصفاً إياها بأنها رسالة "واضحة وقوية"، بأن الإمارات تعتبر "الضفة الغربية وحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته على هذه الأرض خطاً إماراتياً أحمر، لا يجب تجاوزه".
وأشار عبدالله في حديثه مع بي بي سي، إلى أن كلاًّ من إسرائيل والولايات المتحدة، راعية الاتفاق الإبراهيمي، يجب أن "تأخذا هذا التهديد بكل جدية".
وقال إن "الإمارات جادة في أنها ستقطع أي علاقة مع إسرائيل، وعلى أي مستوى من المستويات، إذا تمادت حكومة بنيامين نتنياهو في ضم الضفة الغربية".
من جانب آخر يقول إيلي نيسان، المحلل السياسي الإسرائيلي، إن "فرض السيادة الإسرائيلية" هو مجرد توصية من الكنيست، وغير ملزمة للحكومة، وأوضح في حديثه لبي بي سي أن "العنوان الذي تداولته وسائل الإعلام بشأن هذا الموضوع، كان خاطئاً".
وأضاف نيسان أن "قرار الكنيست عبارة عن نصيحة أو اقتراح غير ملزم للحكومة، ولا يقول إنه سيكون هناك فرض للسيادة الإسرائيلية على كافة أراضي الضفة الغربية، لأنه لا يمكن لإسرائيل أن تفرض سيادتها على نحو 2 أو 3 ملايين فلسطيني في الضفة، وتحمل كافة المسؤوليات المترتبة على ذلك".
ويوضح نيسان أن "مقترح فرض السيادة الإسرائيلية، كان فقط على المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، من الناحية القضائية والإدارية، وليس كما جاء في عناوين الصحف بأنه فرض للسيادة الإسرائيلية على كافة أراضي الضفة الغربية"، مشيراً إلى أن الحكومة الإسرائيلية لم تعلن رسمياً تبنيها لهذا المقترح.
كما يرى نيسان أن هذا الأمر، في حال تنفيذه، سيؤدي إلى "إسقاط السلطة الفلسطينية المتدهورة بالفعل"، وهو الأمر الذي لا ترغب فيه إسرائيل ولا الولايات المتحدة ولا يخدم أهداف أي طرف من الأطراف في الشرق الأوسط.
ومع ذلك، دعا وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش إلى ضرورة ضم نحو 82 في المئة من أراضي الضفة الغربية، ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية أنه اقترح أن تدير السلطة الفلسطينية ما يتبقى من أراضي الضفة "حتى إيجاد بديل".
وحسب القناة 12 الإسرائيلية، اتخذ سموتريتش خطوات خلال الفترة الماضية باتجاه الترويج لمخطط الضم، أبرزها وقف تحويل 500 مليون دولار من أموال الضرائب للسلطة، وفصل البنوك الفلسطينية عن النظام المالي الإسرائيلي، ما يهدد بانهيار السلطة الفلسطينية.
لا يستبعد عبدالخالق عبدالله أن تمضي إسرائيل قدماً في تنفيذ مقترح "فرض السيادة"، ورأى أن "هناك حكومة إسرائيلية استيطانية برئاسة نتنياهو ومشاركة فريق يميني متشدد، وتحدثوا صراحة عن أنهم يخططون لضم الضفة، بل وتحدثوا عن فكرة إسرائيل الكبرى".
ويقول عبدالله إن المشروع ليس في الكنيست فقط، بل مطروح على طاولة الحكومة التي من المفترض أن تناقش هذه "المبادرة الاستيطانية".
ويعتقد عبدالله أن الاتفاق الإبراهيمي بين الإمارات وإسرائيل "يحتضر في الوقت الراهن"، وفي حال تنفيذ ذلك المخطط سينهار تماماً.
كما اعتبر الأكاديمي الإماراتي أن "اتفاقات التطبيع أصبحت عبأً استراتيجياً على جميع الدول العربية، التي تقيم علاقات مع إسرائيل، وأن تلك الدول ستكون أفضل حالاً إذا انسحبت من تلك الاتفاقات وقطعت علاقاتها بإسرائيل" على حد وصفه.
لكن المحلل السياسي الإسرائيلي، إيلي نيسان، يتمسك بفكرة أن إسرائيل لن تمضي قدماً في طريق تحويل "فرض السيادة" إلى أمر واقع، إذ أن "هناك ضغوطاً أمريكية على إسرائيل ومطالبة بالتريث في هذا الأمر، لأنه سيؤدي لانهيار السلطة الفلسطينية، وإلى تراجع التفاهمات وكل ما يتعلق بالتطبيع مع الدول العربية، وسينعكس سلباً على العلاقات بين إسرائيل ودولة الإمارات".
ويضيف: "على الرغم من وجود أفكار بفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة، أو المنطقة المصنفة (c) أو المستوطنات في الضفة الغربية، إلا أن إسرائيل تتخذ موقف التريث، لأنه لا أحد يرغب في إسقاط السلطة الفلسطينية، ولا في انهيار وقطع العلاقات بين إسرائيل ودولة الإمارات".
أما في ظل ما صدر من تصريحات إماراتية حتى الآن، يرى نيسان أنها ربما تؤدي إلى بعض الجمود أو الفتور في العلاقات بين البلدين، بشكل مؤقت على المدى القريب، لكن دون انهيارها تماماً أو إلغاء اتفاق التطبيع بينهما.
وفي أثناء كتابة هذا التقرير أفادت تقارير إسرائيلية بأن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، أرجأ مناقشة موضوع فرض السيادة الإسرائيلية على أجزاء من الضفة الغربية، خلال اجتماع أمني لحكومته عُقد الخميس.
وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية إنه طلب من وزراء حكومته عدم الحديث علناً عن هذا الأمر.