ما سر القلق الأرميني من مبادرة #بوتين لدعم السلام بين أرمينيا وأذربيجان؟ pic.twitter.com/NZsHCcjPVy
— قناة الجزيرة (@AJArabic) August 22, 2024
موسكو- أثارت التحولات الأخيرة في العلاقات بين روسيا و أرمينيا مجموعة من التساؤلات حول آفاق التفاعل اللاحق بين البلدين، في وقت أصبحت فيه أرمينيا موقع تقاطع مصالح لقوى إقليمية ودولية فاعلة ومتناقضة في إقليم جنوب القوقاز.
وأصبحت هذه التساؤلات أكثر جدلية بعد توقيع أرمينيا و أذربيجان اتفاق سلام في الثامن من أغسطس/آب الماضي بعد صراع مرير، تمثل بعدة حروب بين البلدين اندلعت خلال الـ40 عاما الأخيرة بسبب ملف إقليم ناغورني قره باغ قبل أن تستعيد أذربيجان السيطرة عليه عام 2023 بعملية عسكرية خاطفة.
والاتفاق التاريخي الذي وقع في واشنطن تحت رعاية أميركية ثبّت كذلك دورا غير مسبوق للولايات المتحدة في الإقليم الإستراتيجي، من خلال بوابة ممر زنغزور الذي تحوّل إلى "ممر ترامب للازدهار والسلام" بحقوق تطوير وإدارة أميركية تمتد لـ99 عاما، وتربط القوقاز بتركيا وأوروبا بعيدا عن روسيا وإيران.
في قلب هذه العاصفة الجيوسياسية، برز مصير القاعدة العسكرية الروسية في غيومري، ثاني أكبر مدينة في أرمينيا والعنصر الأثقل في الشراكة الأمنية بين يريفان وموسكو.
وإذا ما كان سيتم إغلاق هذه القاعدة بالنظر إلى التصريحات المتزايدة والصريحة للمسؤولين في أرمينيا عن قطع علاقاتهم الأمنية مع روسيا، والتي جاءت خطواتها الأولى في هذا الاتجاه بطرد حرس الحدود الروس الذين كانوا يوفرون الأمن في مطار يريفان الدولي منذ تسعينيات القرن الماضي.
ويشير الخبير في السياسة الخارجية الروسية، ديمتري باييتش، إلى أن أرمينيا تمر بحالة من عدم الاستقرار الداخلي والضغوط الخارجية، وأن رئيس الوزراء نيكول باشينيان يسعى إلى الحفاظ على التوازن بين مختلف القوى من دون اتخاذ خطوات حاسمة تستفز الأطراف، بما في ذلك روسيا.
ويقول للجزيرة نت، إن الاتفاق الأخير بين أرمينيا وأذربيجان ترك عددا من القضايا من دون حل، ولا تزال التوترات مرتفعة، ما قد يبقي ملف القاعدة العسكرية الروسية في غيومري على حاله.
ووفقا له، من غير الواضح ما إذا كان الاتفاق بين البلدين سيؤدي إلى سلام دائم، أم أن الخلافات المتبقية ستُدمر هذا التوازن الهش، حسب تعبيره. وعليه، فإن القيادة في أرمينيا ليست في عجلة من أمرها للمطالبة بإنهاء الوجود العسكري الروسي على أراضيها.
إضافة لذلك، يُشير المتحدث إلى أن يريفان تُحاول المناورة بين الشرق والغرب، سعيا للحفاظ على الاستقلال والأمن في ظل وضع جيوسياسي مُعقّد، كما أن القاعدة العسكرية لا تزال عنصرا أساسيا في نظام الأمن الأرميني ورمزا للشراكة الإستراتيجية مع روسيا.
من جانبه، يشير الخبير في شؤون القوقاز، أندريه أريشيف، إلى أن الوظيفة الرئيسية للقاعدة تتجلى بوضوح في موقعها، إذ تقع على الحافة الغربية لغيومري، على بُعد أقل من 10 كيلومترات من الحدود مع تركيا "عدو أرمينيا اللدود"، حسب وصفه.
ويضيف للجزيرة نت أن الأهمية الدفاعية للقاعدة تعود إلى عقود إلى الوراء، إذ كانت تعد واحدة من الأماكن القليلة التي يجاور فيها الاتحاد السوفياتي السابق مباشرةً دولة عضوا في حلف الناتو، وظلت قائمة.
ويتابع بأنه بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، شعرت أرمينيا الفقيرة والمستقلة مجددا بالضعف في مواجهة جارتها القوية والأكبر حجما؛ تركيا.
وبحسب رأيه، ستبقى القاعدة في غيومري ما دامت الاتفاقية بين روسيا وأرمينيا سارية المفعول، فضلا عن أنه ليس لدى أرمينيا ما يدعوها إلى سحبها، لأن الوجود الروسي سيحافظ على توازن القوى والمصالح هناك.
خلافا لذلك، يؤكد الخبير أريشيف أن انسحاب هذه القاعدة سيؤدي إلى مزيد من تدهور العلاقات مع روسيا، ويريفان تتفهم ذلك ولا ترغب في الدخول في جدال مع موسكو، بل إنه مع مرور الوقت، قد يُطرح السؤال حول ما إذا كانت روسيا نفسها تحتاج إلى هذه القاعدة.
تم إنشاء القاعدة العسكرية الروسية رقم (102) في غيومري شمال أرمينيا، عام 1995 بناء على اتفاقية بين البلدين.
وفي عام 2010 وخلال زيارة الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف إلى أرمينيا، مُددت الاتفاقية حتى عام 2044. وبموجبها، يجوز تمديد فترة عمل القاعدة تلقائيا بعد عام 2044 لمدة 5 سنوات، إذا لم يُبدِ أيٌّ من الطرفين رغبة في إنهاء الاتفاقية.
وتضم القاعدة حاميتين عسكريتين: في غيومري ويريفان. ويقع القسم الجوي في مطار إريبوني بالقرب من يريفان ويبلغ عدد أفرادها حوالي 4 آلاف فرد.
أما المعدات فتشمل أنظمة صواريخ مضادة للطائرات و مقاتلات ميغ – 29 ، ومروحيات مي- 24 بالإضافة إلى معدات عسكرية أخرى، بما في ذلك دبابات ومركبات مشاة قتالية.
وبموجب الاتفاقية بين الدولتين، تُوفر أرمينيا أراضي القاعدة مجانا، وتتحمل نصف تكاليف صيانتها. وتعمل القاعدة في إطار نظام الدفاع الجوي المشترك لرابطة الدول المستقلة، وتلعب دورا محوريا في ضمان أمن أرمينيا، وخاصة على الحدود مع تركيا.
ولاعتماد أرمينيا العسكري على روسيا جذور راسخة، تعود إلى الحقبة السوفياتية وتعززت بعد انضمام أرمينيا إلى منظمة معاهدة الأمن الجماعي عام 1992.
وزودت روسيا أرمينيا بمعظم معداتها العسكرية، بما في ذلك خلال حربي قره باغ الأولى والثانية، وهذا ضاعف من اعتمادها على الدعم العسكري الروسي.
ورغم الجهود المبذولة لتنويع علاقاتها العسكرية، بما في ذلك مع فرنسا والاتحاد الأوروبي، لا تزال أرمينيا مرتبطة ارتباطا وثيقا بروسيا من خلال روابط عسكرية واقتصادية وجيوسياسية واسعة. ومن غير المستبعد أن يستمر هذا الاعتماد وأن يؤثر على علاقات أرمينيا الدولية وإستراتيجياتها العسكرية في المستقبل.