في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
تعيش الساحة الدولية على وقع تصعيد جديد في الملف النووي الإيراني، حيث تتحضر الدول الأوروبية الثلاث (فرنسا، ألمانيا، بريطانيا) لتفعيل آلية "سناب باك" التي تعيد فرض عقوبات الأمم المتحدة على طهران، في خطوة تحمل رسائل ضغط واضحة ولكنها لا تغلق الباب تمامًا أمام الدبلوماسية.
يأتي ذلك بالتزامن مع عودة مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى إيران لأول مرة منذ الضربات الإسرائيلية والأميركية على منشآتها النووية في يونيو الماضي، فيما تؤكد طهران أن السماح بعودتهم لا يعني استئناف التعاون الكامل.
في ظل هذه التطورات المتسارعة، يبدو المشهد وكأنه مزيج بين حافة المواجهة والتلويح بخيارات الحوار، حيث يسعى الأوروبيون إلى إيصال رسالة حازمة بأن المجتمع الدولي لن يسمح لإيران بالاقتراب من تصنيع سلاح نووي، فيما تواصل طهران المناورة، ملوحة بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار إذا عادت العقوبات الأممية.
ورقة ضغط أوروبية
بحسب مصادر دبلوماسية نقلتها وكالة رويترز، تستعد الترويكا الأوروبية لبدء إجراءات تفعيل آلية إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران، وهي العملية التي تستغرق 30 يومًا.
هذه الخطوة، وإن كانت تهدف إلى ردع طهران، إلا أن الأوروبيين يتركون "نافذة دبلوماسية" مفتوحة خلال الأسابيع المقبلة للتوصل إلى تفاهمات تمنع الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة.
التحركات الأوروبية جاءت بعد تنسيق مع واشنطن، حيث أكدت الخارجية الأميركية أن وزيرها ماركو روبيو بحث مع نظرائه الأوروبيين الالتزام المشترك بمنع إيران من تطوير أو امتلاك سلاح نووي.
عودة المفتشين.. تعاون جزئي أم مناورة إيرانية؟
أعلن المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي وصول المفتشين إلى موقع نووي إيراني لأول مرة منذ الهجمات العسكرية الأخيرة، مؤكدًا أن الوكالة بصدد مناقشة خطوات عملية لاستئناف عملها.
لكن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أوضح أن عودة المفتشين لا تعني استئناف التعاون الكامل، مشيرًا إلى أن تغيير وقود مفاعل بوشهر يتم تحت إشراف الوكالة فقط.
أوضح المحل الخاص لـ"سكاي نيوز عربية" محمد صالح صدقيان خلال حديثه إلى التاسعة أن تعليق التعاون مع الوكالة أمر بالغ الخطورة، إذ قد يضع إيران تحت الفصل السابع باعتبارها تهدد الأمن والسلم الدوليين.
لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أن طهران لا تريد الانسحاب من الوكالة، بل هي مستاءة من صمتها تجاه الهجمات العسكرية الإسرائيلية والأميركية.
التوتر الإيراني الغربي
في خضم التصعيد، كشفت معلومات عن مبادرة روسية بدعم من الرئيس فلاديمير بوتين لتمديد صلاحية قرار مجلس الأمن 2231، المرتبط بالاتفاق النووي لعام 2015، لمدة ستة أشهر إضافية. وإذا قُبل هذا المقترح، فقد يمنع الأوروبيين من تفعيل "سناب باك"، ويمنح وقتًا إضافيًا للدبلوماسية.
لكن الخطوة الروسية تحتاج إلى موافقة أعضاء مجلس الأمن، وهو أمر غير مضمون في ظل المواقف الأوروبية والأميركية المتشددة.
انعكاسات داخلية وإقليمية
مجرد تداول الأخبار عن تفعيل "سناب باك" انعكس مباشرة على الداخل الإيراني، حيث شهدت الأسواق تراجعًا جديدًا للعملة المحلية أمام العملات الأجنبية.
داخليًا، تروج وسائل الإعلام الإيرانية لتحذيرات من احتمال شن هجوم إسرائيلي جديد على منشآت نووية، مشابه لما حدث في يونيو الماضي.
شدد صدقيان خلال حديثه على أن الكرة الآن في الملعب الأميركي: إما التوجه نحو التصعيد عبر دعم الخطوات الأوروبية والإسرائيلية، أو ترك المجال مفتوحًا لعودة المفاوضات. فإيران حذرت بوضوح من أن إعادة العقوبات الأممية ستدفعها إلى الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT)، وهو تطور من شأنه قلب المعادلة بالكامل.
رسائل أوروبية لإيران
الرسالة التي تريد أوروبا إيصالها عبر التلويح بآلية "سناب باك" مزدوجة:
• أولا، تأكيد أن المجتمع الدولي لن يسمح لإيران باستغلال الهجمات على منشآتها ذريعة لتقليص التعاون النووي.
• ثانيا، أن نافذة التفاوض ما زالت قائمة إذا أبدت طهران استعدادًا حقيقيًا للعودة إلى طاولة الحوار.
لكن مع اقتراب أكتوبر، حيث تتسلم روسيا رئاسة مجلس الأمن وتنتهي رسمياً بعض بنود الاتفاق النووي، تبدو الأسابيع المقبلة حاسمة: إما انفراج دبلوماسي أو مواجهة جديدة قد تتجاوز حدود العقوبات إلى سيناريو عسكري مفتوح.
يعكس المشهد الراهن توازنًا هشًا بين العصا الأوروبية والنافذة الروسية، وبين إصرار طهران على حماية برنامجها النووي وتهديدها بالانسحاب من المنظومة الدولية.
فبينما يلوّح الأوروبيون بعودة العقوبات الأممية، يبقى احتمال الوساطة الروسية قائمًا لتأجيل الانفجار السياسي والدبلوماسي.
لكن يبقى السؤال مفتوحًا: هل ينجح الغرب في دفع إيران للعودة إلى التزاماتها عبر الضغوط الاقتصادية والتهديد بالعزلة الدولية، أم أن إيران ستختار التصعيد والانسحاب، فاتحة الباب أمام مرحلة أخطر من المواجهة مع الغرب وإسرائيل على حد سواء؟.