تنتشر ظاهرة الكلام أثناء النوم بين البشر وتكون أكثر شيوعا لدى الأطفال، وقد تستمر معهم حتى مرحلة النضج، فيما أشارت دراسات متخصصة إلى أن ما يقوله الفرد خلال النوم يعبر أكثر عن انفعالات سلبية، ويتميز في كثير من الأحيان بالسباب وإطلاق نوبات من الشتائم.
ويرى الباحث لويجي دي جينارو أخصائي علم النفس والباحث في علوم النوم بجامعة سابينزا بالعاصمة الإيطالية روما أن التحدث أثناء النوم يعتبر من "أكثر سلوكيات النوم شيوعا".
ويوضح في تصريحات للموقع الإلكتروني "بوبيولار ساينس" المتخصص في الأبحاث العلمية أن التكلم أُثناء النوم يتباين من الهمهمات غير المفهومة إلى السباب بصوت واضح، وأن الطريقة الوحيدة التي يدرك بها أغلبية البشر أنهم يتحدثون أثناء نومهم هي عندما يقول لهم شخص ما إنه سمعهم وهم يتكلمون أثناء النوم.
وأكد أن "الإنسان بشكل عام يفقد الذاكرة تماما حيال هذه الظاهرة ولا يكون لديه أي علم بأنه يتحدث أثناء نومه، ولا يعرف مطلقا فحوى ما يقوله ولا مدلولاته".
وأجرت الباحثة ديدري باريت باحثة علم النفس والمتخصصة في دراسات النوم بجامعة هارفارد الأميركية سلسلة من التحليلات التي تناولت تسجيلات لآلاف البشر وهم يتكلمون أثناء نومهم، وقارنت هذه التسجيلات مع ما يرويه هؤلاء المتطوعون عن مضامين أحلامهم أثناء النوم أو ما يقولونه أثناء الاستيقاظ، ووجدت اختلافات ملموسة بين ما يقوله الفرد أثناء النوم واليقظة على عدة أصعدة.
وقالت إن الكلام أثناء النوم يعبر عن انفعالات أكثر سلبية ومشاعر تتعلق بالغضب وإيماءات إلى وظائف جسمانية وإشارات إلى الطعام والجنس بشكل أكبر مما يحدث في حالات الأحلام أو الحديث أثناء اليقظة.
وأشارت باريت في تصريحات لموقع بوبيولار ساينس إلى أن أبرز الاختلافات بين حديث اليقظة والكلام أثناء النوم هو ارتفاع مستوى العبارات النابية، حيث أظهرت البيانات أن النائمين ينطقون بألفاظ خارجة أكثر ست مرات مما قد يفعلونه وهم مستيقظون، وذكرت أن بعض العبارات التي يتحدث بها النائمون قد تبدو مثل "نوبة سباب".
وقد تعززت هذه الملاحظات من خلال دراسة بحثية نشرتها الدورية العلمية Sleep المتخصصة في أبحاث النوم عام 2017، لاحظ الباحثون فيها أن قرابة 10 بالمئة من العبارات التي ينطق به الشخص أثناء النوم تندرج في إطار ألفاظ السباب، وأن جزءا ملموسا من كلام المرء أثناء النوم يتضمن توجيه الإساءة أو الإهانة لشخص أو شيء ما.
ويؤكد الباحثون، أن الكلام قد يأتي في جميع مراحل النوم، وتقول الباحثة جينج تشانج اخصائية طب الأعصاب بكلية الطب بجامعة هارفارد إن الكلام في مرحلة "حركة العين غير السريعة" يكون أقصر وأقل وضوحا، وعلى العكس يكون الكلام في مرحلة نوم حركة العين السريعة أطول وأسهل في الفهم.
وقد أظهرت دراسة أجريت عام 2021 أن بعض الأشخاص يمكنهم الرد على أسئلة مسموعة، بل وخوض شكل من المحادثة وهم في مرحلة نوم حركة العين السريعة، وقد رصدت الباحثة باريت حالات نادرة تبادل خلالها شخصان الحديث أثناء النوم.
وتقول الباحثة تشانج في تصريحات لموقع بوبيولار ساينس، إن الكلام أثناء النوم يحدث على الأرجح على أطراف مراحل النوم المختلفة، والأشخاص الذين يعانون من اضطرابات النوم هم الأكثر تعرضا للكلام أثناء نومهم، مشيرة إلى أن الكلام أثناء النوم يشيع في حالات التوتر والحرمان من النوم وتناول الكحوليات.
وترى باريت أن الكلام أثناء النوم هو ناجم عن "خلل ما" أثناء الانتقال من مرحلة لأخرى خلال النوم، وقد يقترن ببعض أنواع الخطل مثل السير أثناء النوم أو نوبات الذعر الليلية، بمعنى أنه إذا كان شخص ما يعاني من إحدى هذه المشكلات، فمن الممكن أن يعاني من مشكلة أخرى مثل الكلام أثناء النوم.
ويشير بعض الباحثين إلى أن الجينات والعوامل الوراثية قد تلعب دورا في احتمالات التعرض لبعض المشكلات مثل الكلام أو السير أثناء النوم وغيرها من الاضطرابات.
ولكن العلماء يؤكدون أن الكلام أثناء النوم ليس من الاضطرابات التي تستدعي القلق باستثناء حالات متطرفة مثل إيقاظ شريك الحياة أو الجار أو الشخص ذاته بسبب كثرة الكلام أثناء النوم، وقد يعتبر مظهرا من مظاهر النوم المعتادة لدى البعض، وقد تختفي هذه الظاهرة لديهم عندما يصبحون أكثر استقرارا وينعمون بمزيد من الراحة في مراحل لاحقة من حياتهم.