دبي، الإمارات العربية المتحدة ( CNN ) -- عدّلت مصر صفقة استيراد الغاز الإسرائيلي لزيادة إجمالي الكمية التعاقدية بمقدار 130 مليار متر مكعب بإيرادات متوقعة 35 مليار دولار، وزيادة مدة فترة التوريد حتى عام 2040، وفق بيان لشركة نيوميد. وقال خبراء بقطاع البترول في مصر إن ذلك يلبي احتياجات البلاد المتزايدة من الغاز الطبيعي ويستفيد من انخفاض تكلفة استيراد الغاز الإسرائيلي .
وحسب بيان لشركة نيو ميد إنرجي لبورصة تل أبيب، التي تمتلك حقل ليفياثان بحصة 45.34%، بالشراكة مع شركة شيفرون الأمريكية بحصة 39.66%، وشركة ريشيو بحصة 15%، فإن ملاك الحقل وقعوا اتفاقية لتعديل تصدير الغاز إلى مصر من خلال شركة بلو أوشن إنرجي (المشتري). وضمت أبرز بنود التعديل زيادة إجمالي الكمية التعاقدية بمقدار 130 مليار متر مكعب .
وستتم الزيادة عبر مرحلتين الأولى بنحو 20 مليار متر مكعب تدخل حيز التنفيذ فورًا، وتشهد هذه المرحلة زيادة الكمية الموردة من 450 مليون قدم مكعب يوميًا إلى 650 مليون قدم مكعب، والثانية بمقدار 110 مليارات متر مكعب مشروطة بتنفيذ استثمارات توسعة حقل ليفياثان وتوقيع اتفاقية نقل غاز عبر خط أنابيب نيتسانا، لزيادة الإمدادت اليومية إلى ما بين 1.15-1.25 مليار قدم مكعب .
كما تضمن تعديل الاتفاقية، مد فترة التوريد بعد استكمال مشروعات المرحلة الأولى، حتى 10 سنوات من تاريخ الاستكمال أو حتى استهلاك كامل الكمية (أيهما أقرب)، وبعد بدء المرحلة الثانية، تُمدد حتى 31 ديسمبر 2040 أو حتى استهلاك الكمية الإجمالية، مع إمكانية تمديد إضافي لعامين إذا لم يتم استهلاك الكمية بنهاية المدة .
يأتي هذا في وقت تواجه مصر أزمة نقص في الغاز نتيجة تزايد حجم الطلب المحلي بسبب ارتفاع استهلاك الغاز المستخدم في إنتاج الكهرباء وتلبية احتياجات المصانع، وسط عدم اكتشاف حقول غاز جديدة باحتياطات ضخمة وتقادم الحقول القائمة، مما دفع الحكومة إلى استقدام 4 سفن تغييز والتعاقد على عشرات الشحنات من الغاز المستورد لسد الاحتياجات المحلية، مع خطط للربط مع قبرص لاستيراد الغاز منها .
وعدّد نائب رئيس هيئة البترول الأسبق، مدحت يوسف، من المزايا الاقتصادية لتعديل اتفاقية شراء الغاز من إسرائيل، وأبرزها أولًا تأمين احتياجات البلاد المتزايدة من الغاز الطبيعي اللازم لتشغيل محطات الكهرباء وتوسعات المصانع المحلية، وثانيًا انخفاض تكلفة استيراد الغاز الإسرائيلي، ولتي تصل إلى 7.4 دولار مقارنة باتفاقيات الاستيراد الغاز الأخرى والتي يصل متوسطها إلى 14 دولارًا، ما يسهم في خفض تكلفة فاتورة الاستيراد ومن ثم تخفيض الضغط على النقد الأجنبي، ثالثًا تشغيل محطات الإسالة المصرية، مضيفًا أن استيراد الغاز من إسرائيل وقبرص سيسهم في تشغيل محطات الإسالة ولكن ليس بكامل طاقتهما .
واتفقت مصر مع قبرص على ربط حقلي "كرونوس" و"أفروديت" عبر خطوط أنابيب بمحطات الإسالة المصرية، والتي تصل طاقتهما الإنتاجية إلى 2.1 مليار قدم مكعب يوميًا، وتجرى حاليًا أعمال المسح البحري لمسار خط أنابيب الغاز من حقل "أفروديت" لربطه بالمنشآت المصرية، فما ينتظر اتخاذ قرار الاستثمار النهائي بحقل "كرونوس" خلال العام الجاري وربطه بالبنية التحتية ومنشآت المعالجة والإسالة المصرية بحلول عام 2027 .
غير أنه يرى ضرورة ربط سعر استيراد الغاز الإسرائيلي بمعادلة حسابية تراعي انخفاض السعر العالمي عند مستويات محددة، وعدم تثبيت السعر طوال مدة الاتفاقية، مرجعًا سبب ذلك إلى تخوفه من احتمالية انخفاض أسعار الغاز عالميًا في ظل احتمال وجود وفرة من الغاز الطبيعي نتيجة قدرة أوروبا على تحقيق اكتفاء ذاتي من الغاز بدلًا من استيراده من روسيا، وانخفاض الطلب الأوروبي على الغاز خلال فصل الصيف، والذي تحتاجه مصر في هذه الفترة لتلبية الزيادة في استهلاك الكهرباء، كما أن أسعار توريد الغاز من النرويج وحتى روسيا لأوروبا أقل من سعر الغاز الإسرائيلي، بحسب يوسف.
وأشار بيان شركة نيو ميد إلى أن تعديل الاتفاقية يضمن التزام مصر بشراء أو دفع قيمة الكميات الإضافية وفق آليات الاتفاق، وإلغاء حقها في خفض الكميات المتعاقد عليها في حال انخفاض متوسط سعر خام برنت عن 50 دولارًا، مع تحديد آلية تسعير مرتبطة بسعر خام برنت مع حد أدنى للسعر، وآلية لتحديث الأسعار بعد 5 سنوات و10 سنوات من بدء المرحلة الثانية، مع حق الطرفين في خفض الإمدادات بنسبة تصل إلى 30% في حال عدم الاتفاق على تعديل الأسعار .
وقال مدحت يوسف، في تصريحات خاصة لـ CNN بالعربية، إن الصفقة وحدها لن تسهم في عودة مصر كمصدر للغاز، حيث يتطلب ذلك اكتشاف حقل غاز مصري باحتياطات ضخمة يعوض حقل ظهر، وحتى حال اكتشاف الحقل سيتطلب أعمال حفر وتنمية الآبار قد تستغرق على الأقل 4 سنوات، وأي تبكير لهذه المدة يكلف مبالغ طائلة .
وعادت مصر لاستيرد الغاز العام الماضي، للمرة الأولى منذ عام 2018، بعدما عزز اكتشاف حقول جديدة على رأسها حقل ظهر بالبحر المتوسط حجم إنتاج مصر لتتحول إلى تصدير الفائض للخارج، وسجّلت أعلى كميات تصدير إلى أوروبا خلال عام 2022 وبلغت 8 ملايين طن بحصيلة 8.4 مليار دولار في أعقاب وقف روسيا تصدير الغاز للقارة العجوز .
وقال أستاذ هندسة البترول والطاقة، جمال القليوبي، إن تعديل اتفاقية صفقة استيراد الغاز من إسرائيل يحقق مصلحة الطرفين، موضحًا أنه ليس لدى تل أبيب سبيل لتصدير الغاز إلا من خلال محطات الإسالة المصرية في ظل عدم وجود طلب محلي لديها لاستخدام كامل إنتاجها من الغاز .
وأضاف: "أما بالنسبة للقاهرة فإن هناك زيادة في الطلب المحلي على الغاز، سواء لتلبية احتياجات مصانع الأسمدة والبتروكيمياويات لتصدير منتجاتها للخارج أو لتلبية احتياجات المنازل من خلال الشبكة القومية المنتشرة في جميع أنحاء البلاد، كما أن مصر لديها المقومات اللازمة لتصبح مركز لتداول وتصدير الغاز من خلال الربط مع دول قبرص واليونان وإسرائيل وقد يتم الربط مع ليبيا لاستقبال الفائض من هذه الدول وتصدير الغاز لأوروبا .
بدد القليوبي، في تصريحات خاصة لـ CNN بالعربية، مخاوف من تأثير استخدام الغاز الإسرائيلي في التحكم بسوق الطاقة في مصر، موضحًا أن حجم استيراد الغاز الإسرائيلي يصل إلى 850 مليون قدم مكعب يوميًا في حين يصل الاستهلاك المحلي إلى حوالي 6 مليارات قدم مكعب يوميًا، وبالتالي فهي لا تشكل سوى 12% من حجم الاستهلاك المحلي، كما أن الحكومة تعوض نقص الإنتاج المحلي والذي يصل إلى حوالي 1.5 مليار قدم مكعب يوميًا من خلال صفقات شراء مع موردين عالمين وخطة لزيادة القدرات الإنتاجية لسد الاحتياج المحلي. واعتبر أن "تعديل صفقة استيراد الغاز قد يكون تقدمًا في العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل".